بقلم: فائق الربيعي
نستكمل ما طرحناه في الحلقة الأولى من أسئلة حول مفردة الجهاد والتي تنوعت دلائلها مع الكيفية التي يـُراد بها التكتم على ميراث السلف, والتستر على مابين ثنايا هذا الميراث , من دون نقد أو مراجعة أو تقويم , بحجة إن نقد تجارب السلف هو التحرش بطقوس الناس , وهذه جناية لا تغتفر, و حتى لا يستطيع المرء أو المتتبع أن يكشف طبيعة الاضطراب في منهجية التفكير عند إخواننا السلفيين .
فكيف تحول عندهم مبدأ الجهاد من رفع ٍ للظلم والاضطهاد عن الناس , إلى آلة عمياء لقتل المخالفين بحجة الكفر والكافرين , وهل يا ترى من قواعد فقهية يستندون إليها هؤلاء القوم ؟ وكيف حصلوا على حق الامتياز والنيابة عن الناس في تطبيق الشريعة الإسلامية دون غيرهم ؟ , وهل ينحصر الفهم والتفسير للنصوص القرآنية عند حدودهم العقلية ؟ , أم لهم وحدهم خلق الله سبحانه العقل واستثنى منه الآخرين , ومتى سيستبدلون التكفير بالتفكير, و من بين كل هذا فالقران الكريم ينادي ليلا ونهارا بكل لحظة, إلا تفكرون.. إلا تعقلون.... إلا تنظرون.. وهذا خطاب موجه للناس كافة في كثير من الآيات القرآنية الكريمة كي يحث الناس أن يشاركوا جميعا في فهم الكتاب المجيد ليكون هذا الفهم المشترك آلية خيرٍ ورحمة وسعادة ووفاق للبشرية دون إقصاء ولا تميز , لان القرآن الكريم جاء للبشرية جمعاء .
ولنرجع إلى سؤالنا الذي ذكرناه عن القواعد الفقهية التي يستندون إليها إخواننا السلفيون .
نعم أقول وبكل تأكيد إن لهم قواعد فقهية يستندون إليها , ويعتمدون عليها في رفع السيف على رقاب الناس. ولكن دعونا نتناول ونناقش هذه القواعد , فهل ستصمد قواعدهم الفقهية أمام ما جاء به الإسلام على يد رسول الرحمة محمد( ص), لنرى ذلك بعد أن نطرح بعضا ً مما تقوله هذه القواعد الفقهية في كتبهم , فعلى سبيل المثال لا الحصر: يقولون إن العدو في الإسلام هو الكفر , والكفر هو الدالة والمؤشر على وجود الأعداء فيكون بذلك هو السبب الشرعي الذي يجعلنا نعادي الكافرين من اجله , فإذا رفع هذا الكفر رفع العداء , والقول لا يزال لإخواننا السلفيين من كتاب الولاء والبراء لعبد الرحمن عبد الخالق والأصل عندنا المعاداة بوجود الكفر والكافرين . والقاعدة الثانية : يقولون فيها لا يجوز للمسلم أن يتعاون أو يتشاور أو يتصاحب أو يتحابب أو ينصح الكافر, ويقولون أيضا لا يجوز للمسلم أن يستسلم لسلطان الكافر فان فعل ذلك كان مواليا ً له فينطبق عليه الحكم الشرعي بالمولاة للكفرة , القواعد المذكور في كتبهم و فقههم لا مصداقية لها في كتاب الله , فالقرآن الكريم لا يربط مطلقا بين الكفر والعداوة بل بين العداوة والظلم ,وكما في سورة الممتحنة التي يخاطب فيها الكافرين الآية( 7) : (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً...) وهذه الآية رد على أقوالهم وبصريح القرآن أي لا يمانع الإسلام أن يكون بيننا وبين الكافرين من مودة ٍ. وفي نفس سورة الممتحنة آية ( 8 ) دحض ٌ آخر لهم : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ..ْ ) .من سورة آل عمران آية( 119) (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلا َ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمنُون بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ...َ) وهل من دليلا أفصح وأوضح من هذا البيان الرباني على إن الذين لا يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم فكيف يفهم الأخوة السلفيون هذا البّر الذي امرنا به رب العزة والجلال, أليس هو الحب والمودة بالتعامل مع الأخر غير المسلم , أم هؤلاء السلفيون لا يريدون أن يبصروا ما في كتاب الله من آيات محكمات (..فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.. من سورة الحج آية ( 10) .بعد هذه الأسطر القليلة التي تحدثنا فيها بعجالة عن البر والقسط والمودة مع الكافرين , دعونا ندخل أبواب الجهاد الواسعة , وهل كل قتال جهاد ..؟ كما يراه الأخوة السلفيون...!وحتى لا نضيع الوقت في التفاصيل و نحن في غنى عنها في هذه الحلقة , وحتى لا يتشعب البحث سأختصر ما أمكن واضغط الموضوع بقدر المستطاع , وسأضرب مثال واحد على إنه ليس كل قـتالا جهاد, فـقتـال المرتد ليس جهادا ً, وذلك انطلاقا ً من مبدأ كتاب الله العزيز : ( لا إكراه في الدين ) وهذا المبدأ يضمن للإنسان حق الدخول والخروج ولا يعني بأي شكل من الإشكال قتلا للمرتد وما بعض الفتاوى التي وردة في ذلك إلا ابتعادا عن كتاب الله الذي يقول في محكم آياته في سورة النساء الآية( 137 ) : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً .فالوصف القرآني واضح لم يقل ولم يقم بإخراج أرواحهم بالرغم من إنهم امنوا ثم كفر ثم امنوا(مَا لَكُم كَيْفَ تَحْكُمُون ) , ماذا تقولوا لله يوم الحساب يا أصحاب الفتاوى بقتل الناس ؟ إذن نقول وبصريح العبارة , لابد من تحرير العقل من شبح المقدس للسلف دون النيل من احد , كي يستـقـل العقل ويباشر وظيفته الإنسانية من دون قيود وأغلال , وإذا أريد لأي امة أن تنهض بتـنمية عقلانيتها , فينبغي أن يكون التفكير النقدي حاكما ً,و تعمم ثقافة القبول بالأخر, وثقافة التداول السلمي للسلطة , ونبذ ثقافة العنف , لان العنف يعني الإكراه , والعنف لا يولد إلا العنف , ولا يمكن أن يحل العنف أية مشكلة بل يعقدها . نلتقي في حلقة قادمة بعون الله .
https://telegram.me/buratha