( بقلم : طالب الوحيلي )
تتناقل الأنباء باستمرار مطرد الانتصارات التي يحققها رجال صحوة الانبار على فلول قوى الإرهاب التكفيري او ما يسمى بمنظمة القاعدة وحلفائها من الصداميين وغيرهم من الزمر التي استمرأت دماء وحرمات الشعب العراقي في تلك المحافظة العراقية الموغلة في أصالتها وعمقها العشائري تاريخيا واجتماعيا ،والتي استحلتها وللأسف موجات القتل التكفيري والطائفي بعد سقوط النظام البائد لتكون معقلا للوافدين من خلف الحدود ليفرغوا أحقادهم وجام غضبهم البهيمي على ابناء شعبنا الذي لم يسنح له بعد الوقت في تلمس طريقه صوب مشارق الأمل والحياة، بعد عقود من الحرمان والدمار والقتل والتنكيل الذي طال معظم أبناء وادي الرافدين ممن ترفع على تسافل ذلك النظام وعقائده التي اتسمت بها ايديلوجيته الممسوخة من تفاهات السياسات الاستبدادية التي أفرغتها التوازنات الدولية أبان الحروب التقليدية او الحرب الباردة التي أحرقت بلهيبها الخفي شعوب العالم ..
فذلك النظام قد استغل النزعة المذهبية أبشع استغلال من اجل تهميش أغلبية الشعب والتلفع بعباءة قبائل عربية ابتليت هي الأخرى من تحملها عبء خدمة ذلك النظام، وبالتالي حمل بعض أبنائها ديات مئات الآلاف من الأبرياء ،او شعور بعضهم بوطأة الضمير او الخوف من المطالبة بالقصاص ،او الشعور الوهمي بالتهميش السياسي الذي يمكن ان يحاصرهم ليكونوا محكومين بدل ان كانوا حاكمين ،وتلك عقدة وهمية لم تدر بخلد القوى التي تحررت من ظلم الطاغية ولا لدى عامة الشعب العراقي الذي ما كان له ان يتعامل مع خصوم الماضي الا بلغة التسامي على الجراح وبسط الأيادي البيضاء للجميع (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة:28)
وقد توالت المحن على جميع أبناء المحافظات العراقية بعد سقوط النظام البائد لكن أكثرها قسوة هي محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل وديالى ،حيث اطبقت عليها الكوارث من قوات احتلال وزمر ارهابية ومجاميع اخرى تحاول سلوك خيار المقاومة المسلحة لاستعادة السيادة الوطنية للعراق ،في الوقت الذي أجمعت القوى الوطنية والدينية العراقية على الخيار السلمي للحصول على كافة المكاسب المنطقية في بناء دولة القانون التي افتقدها الجميع منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ،وقد أفلحت هذه القوى فعلا في تحقيق غايات لم تقدر على تحقيقها أمم كبرى ،وتهيئة خطاب شعبي ديمقراطي متزن نال إعجاب العالم المتحضر والشعوب المتطلعة للخلاص من أنظمة الحكم الشمولية والديكتاتورية التي اتصفت بها المنطقة العرابية برمتها ،لذا لابد من ان تكون تلك المحافظات مسرحا ومعاقل لقوى الإرهاب العالمي الذي استقطبته القوى الدولية تحت عنوان محاربة او محاصرة الإرهاب ،لتخلط معه تكتيك اخر بعنوان موازنة الرعب بعد ان اكتشفت الحجم الحقيقي لمكونات المجتمع العراقي اثر نتائج الانتخابات والاستفتاء على الدستور ،وكأنها تود تقليل مدلولات الاستحقاق الانتخابي او فرض حالة من الهلامية السياسية في مجتمع يعيش تناقضات عديدة،والحصيلة التي انتهينا اليها هي استفحال الإرهاب التكفيري الطائفي وظهور إمارة تكفيرية اتخذت من جميع العراقيين أعداء لها تستحل قتلهم مادامت تحتكم الى فتاوى ما انزل الله بها من سلطان ولا تدين لوطن او امة سوى لشيوخ لما خلف الحدود وقد تحولت الى ممول لفصائلها في خارج العراق ولاسيما افغانستان والباكستان ،ناهيك عن كوارث القتل على الهوية والتهجير الطائفي وهدم العتبات والمراقد المقدسة بقصد إشعال الحرب الأهلية وإنهاء الوجود الوطني للدولة العراقية ،وقد ساهمت في ذلك قيادات حزب البعث في الداخل والخارج بعد ان تمكن بعضها من الولوج في الساحة السياسية الغير محصنة ،ليكون بعضهم اعضاء في البرلمان العراقي وفي الحكومة وقد انتحلوا صفة تمثيل العرب السنة والتحدث باسمهم لا بقصد الدفاع عن حقوقهم التي هي ذاتها حقوق الشعب العراقي باجمعة، وانما بقصد هدم العملية السياسية التي جاهدت وناضلت القوى الوطنية والدينية من اجل تطويرها وإنجاحها لتكون البديل الأمثل لعهود الماضي السوداء ،فقد سوغوا عناصر تلك الكتل الاقتتال الطائفي واستهداف قوات الأمن العراقية بحجة مقاومة الاحتلال ،ولم يدينوا القاعدة او يشجبوا قيام ما يسمى بالدولة الإسلامية في بعض المحافظات ،فيما جعلوا من القنوات الاعلامية الرخيصة منابر لهم لشتم ابناء العراق وكيل التهم الجوفاء لهم والتحريض على قتلهم ،كما لم يذرف احد منهم ولو دمعة على سيول الدماء العراقية الطاهرة التي أريقت بسبب تحريضهم الا اللهم دموع التماسيح حيث تبكي ضحاياها ..
الشيخ علي حاجم سليمان شيخ عشائر الدليم وفي أكثر من مناسبة اطل على الشعب العراقي وهو يتكلم بلسان اهل العراق وعربه ويعكس واقع حال حاول تزييفه أعداء هذا الشعب ،فقد تحدث عن الظلم الذي عاناه أبناء الانبار من سطوة المقنعين وقد تبرأ من أصولهم بصريح القول ومن جرائمهم التي طالت كل خير في تلك المحافظة الطيبة ليخلص الى حقيقة مفاده ان الذين فازوا بالانتخابات عن هذه المحافظة ليسوا الممثلين الحقيقيين لها لكونهم قد فرضوا سياسة الأمر الواقع على الناخبين وطرحوا مجرد قائمتين أملوها بأيديهم ليحصدوا النتيجة لصالحهم ..وهكذا نجد أعضاء إحدى الكتل وقد غادروا العراق صوب دول الجوار ليقودوا حملة شعواء ضد الحكومة وضد الشعب حيث أعلنوا صراحة المطالبة بإسقاط حكومة المالكي وإحلال حكومة دكتاتورية محلها بحجة انها طائفية بالرغم من مواكبتهم تشكيلها كحكومة مشاركة وطنية ضمت كافة مكونات الشعب العراقي بغض النظر عن الاستحقاقات الانتخابية او الديمقراطية ،وقد سعوا الى تشكيل تكتل برلماني لهذا الغرض ،فيما تشير صحيفة نيويورك صن في تقرير لها الجمعة إن اللواء عبود كنبر قائد الخطة الأمنية في بغداد سلم في 18 من ابريل نيسان الماضي رئيس الوزراء نوري المالكي أقراصاً مدمجة احتوت على أدلة تثبت تورط نواباً سنة بالارتباط بالجماعات المسلحة السنية. وأشار التقرير الذي كتبه الصحفي إليا ليك إلى أن كلاً من قيادة خطة أمن بغداد ووزارة الداخلية تمارسان ضغوطاً على المالكي للعمل على رفع الحصانة عن خمسة عشر نائباً سنياً تمهيداً لمحاكمتهم بالتآمر مع "الإرهابيين"، ومع "القاعدة" في عدد من الحالات.وكشف التقرير عن أن معظم نواب جبهة الحوار الوطني التي يتزعمها خلف العليان، إحدى مكونات كتلة التوافق السنية الثلاثة، مدرجون ضمن القائمة التي سلمت للمالكي، وهي الجبهة التي طالبت بالتفاوض مع الجماعات المسلحة غير المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ولفت تقرير صحيفة نيويورك صن إلى أن مسؤولاً عسكرياً أميركياً أكد هذا الأسبوع للصحيفة أن القوات الأميركية شنت غارة في الثالث من ابريل نيسان الماضي على منزل العليان في حي اليرموك ببغداد، وعثرت على مخزن لمادة TNT التفجيرية ومن النوع الداخل في صناعة أحزمة الإنتحاريين، التي كان منها الحزام الناسف المستخدم في تفجير كافتيريا مجلس النواب، وهو ما أسفر عن مقتل النائب محمد عوض الذي يعتقد أن الانتحاري الذي قتله كان حارسه الشخصي.
وذكّر كاتب التقرير إليا ليك بخلفية العليان الذي سبق أن هدد بالعودة إلى "المقاومة" في حال لم تؤد العملية السياسية إلى تحقيق مطالب العرب السنة المناصرين له، مشيراً إلى أنه متورط بسلسة الهجمات التي استهدفت في السابع عشر من مايو آيار عدة جسور في الموصل ومركزاً للشرطة، وفقاً لمسؤول عراقي سني وضابط إستخبارات أميركي.وأضاف الكاتب أن تنظيم القاعدة أعلن تبنيه للهجمات في الموصل، وفي كافتريا مجلس النواب، موضحاً أنه يـُعتقد أن خلف العليان هو القائد السياسي للجيش الإسلامي في العراق المنافس لتنظيم القاعدة، بيد أن الكاتب ينقل عن مسؤول عراقي قوله إن الجانبين يتعاونان مع بعضهما في شن العمليات.
فاذا كان هؤلاء يدعون الى المصالحة الوطنية التي لا تعني في عرفهم سوى التوسل بالبعثيين الصداميين والقتلة الإرهابيين ،وهي في حقيقتها اعتداء على النظام العام والحق العام الذي لا يجوز التنازل عنه او التصالح فيه على وفق أحكام القانون العراقي السائد ،فان الأولى بالاحتضان هم الذين اتخذوا من الصحوة صهوة جواد ابيض للإغارة على من يتآمر على كرامة ووحدة وحرمة الشعب العراقي ،ولا نقول مصالحة فمابين العراقيين الحقيقيين صلح عامر ومودة أزلية لا تغيرها المواقف السياسية للأنظمة المتعاقبة ،والأجدى بالقوى السياسية ان تعيد النظر في تحالفاتها وان تنشد الشرعية في وحدة شعبنا على تحرير العراق من قوى الظلام والإرهاب والسقوط ،وسوف تمتد الصحوة الى كل المناطق العراقية التي اغتصبتها قوى الشر والعدوان ..
https://telegram.me/buratha