بقلم: حسن الهاشمي
في عصرنا الحالي انتشرت صور ورسومات وتشبيهات المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام بشكل ملحوظ وكبير، فمعظم هذه الصور لا تتطابق والأوصاف المذكورة في كتب الأحاديث كالبحار وغيره، وحتى لا تتطابق مع كتب التاريخ الأخرى... فهناك أسئلة كثيرة في صلب الموضوع منها: هل وضعت هذه الصور للتبرك؟ أم أنها وضعت للتأسي؟ أم لكلاهما؟ علما أن هناك أمورا أخرى يمكن التبرك بها كالتربة الحسينية التي ذكر فيها روايات متواترة عن أهل البيت عليهم السلام...
والسؤال الذي يطرح بقوة هل هناك روايات تحكي عن التبرك بصور مرسومة للرسول الأعظم والمعصومين من أهل بيته عليهم السلام؟ وهل ثمة فوائد أخرى ترجى من هذه الصور؟ وهل نحن نتبرك بصورهم؟ أم نتبرك بأفعالهم والسير على نهجهم وذكر قصصهم ومواقفهم المعبرة؟ لا أعتقد أن مثل هذه الصور والتشبيهات والرسومات بمفردها ستزيد ولاء أحدنا أو تنقصه أو تقوي عقيدته بأمر معين .. فالمهم التمسك بهؤلاء العظماء من البشر، سيرتهم وخلقهم ومواقفهم وعلمهم.. هذه الأشياء هي التي تؤثر في النفس والدين والسلوك، وتكرس الجذور العقيدية لأي إنسان ينتمي إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام.. وبقي أمر الصورة هل لها دور في ترسيخ تلك المبادئ أم أنها مدعاة للتبرك فقط، علما أن بعض شرائح المجتمع لا يتفاعل مع النص بقدر ما يتفاعل مع اللوحة والريشة!
في هذا الصدد قمنا باستنطاق موقع سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني: هل يجوز التصوير ( الرسم )، وخصوصاً رسم صور النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام استناداً للمذهب الشيعي؟فكان الجواب كالآتي: التصوير غير المجسم جائز، ويجوز تصوير النبي والأئمة عليهم السلام، إذا لم يكن بكيفية مشينة بتلك الذوات المقدسة في النفوس، والجواز لا يحتاج إلى دليل.
أما عن مدی صحة صور الأئمة عليهم السلام، فسماحته يرى أنها صور تخيليّة ولا بأس باقتنائها. إذن لا مانع من بيع الصور المنسوبة إلى المعصومين شرعاً في نفسه، ولكن بشرط أن لا يشتمل على أمور تسبّب الإهانة والهتك بنظر العرف، وأن لا يتنافى مع شأن أولئك العظماء.
وتبين أن حكم ما يوضع من صور الأئمة في البيوت والمحال التجارية أو رفعها في المواكب والتكايا للتبرّك والتأسي لا مانع منه شريطة عدم الهتك، وهذا يتحقق بتشكيل لجنة تاريخية وفنية لتوحيد ملامح الصور. نقول هذا لأن أغلب الصور إن لم يكن كلّها، ليس فيها أي ملامح فنية تجعلنا نتصوّر الأئمة بما لهم من المعاني الروحية التي تجعل الإنسان يتمثلها في صورهم، بحيث تشعرك بمعاني الوداعة والتسامح والمحبّة وكلّ الصفات التي يمثلونها.
فلا نقول بحرمة رسم صور الأئمة، ولكن لا بد من لجنة فنية متخصصة، بحيث تستوحي الملامح الروحية للأئمة، حتى أنك إذا نظرت إلى الصورة، فإنك تتمثل كل المعاني الروحية وكل الصفاء وكل القيم التي تتمثل في الأئمة.إذن يتفق الجميع على عدم جوازها إذا استلزم التوهين والهتك، أما إذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فتكون حينئذ ليست مباحة فحسب بل أنها واجبة في بعض الحالات. ومن هذا المنطلق نرى البعض يضعون صور المعصومين عليهم السلام للتبرك أو لتوصيل فكرة معينة بهم، وطبعا لا أرى بأنهم يعتقدون بنفس الصورة المرسومة أي بكل التفاصيل الدقيقة، بقدر ما يسومهم إيصال الفكرة التي يرومون تفعيلها.
أما مسألة التبرك فهذه مسألة يكثر النقاش فيها، والمحصلة في الأمر أن التبرك لا يكون بشيء ليس له صلة بمن أريد التبرك به وأحبه حبا عظميا، أي أنني ربما أخترع أشياء غير حقيقية ثم أتبرك بها، والأمور التي يجوز التبرك بها غير خافية على أحد، منها وكما قيل في محله التبرك بالتربة الحسينية التي وردت في شأنها بعض الأخبار...ولعل سائل يسأل كل هذا صحيح، ولكن دعوني أقول شيئاً:* إن كثيراً من الطقوس والفعاليات ولا سيما الصور المنسوبة إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام لا تدخل أصلاً ضمن أبواب الحلال والحرام لأنها من المباحات... * لقد سكت رجال الدين والفقهاء عن صور المعصومين لا سيما ما يتعلق بالأشخاص الذين استشهدوا في ركب الحسين عليه السلام في واقعة الطف، فالسكوت كان لأسباب وجيهة وجواب الجميع كان واحداً هو: ( إنهم لا يؤيدون ولا يمنعون، وإن أية ممارسة من شأنها تخليد ذكرى الحسين عليه السلام وواقعة كربلاء ولا تدخل ضمن أطر المحرمات فهي مسموح بها ) * طبعاً هناك استثناءات، فبعض الصور فيها إساءة لا يجوز ترويجها بأي حال من الأحوال.* من هنا، أعتقد بأن موضوع الصور لا يشكل تلك الخطورة لا سيما وإنه معلوم لدى الجميع بأنها ليست صور حقيقية وإنما هي من وحي الخيال، وإذا لم يكن فيها ضرر فقد يكون فيها نفع خصوصاً لدى الأطفال الذين يجب أن يشبوا على معرفة أهل البيت ومودتهم وهذه الصور تدفعهم إلى السؤال وتزرع في أعماقهم علاقة لا شعورية بصاحب الصورة، وخصوصاً في مجتمعاتنا التي لها علاقة غير طبيعية بأهل البيت عليهم السلام.
فالطفل عندما يرى صورة عبد الله الرضيع عليه السلام في مكان التعزية والسهم ناشب في نحره والدم يقطر منه لعله يسأل عنه، ومن فعل به هكذا وغيرها من الأسئلة، وبعد سماعه الإجابة يصبح لديه دراية بكل الصور التي تتعلق بالقضية الحسينية وبصورة ملموسة عما لاقوا من ظلم وإجحاف من قبل أعدائهم وشانئيهم. هذه أفضل طريقة للدخول في عقول الأطفال الصغار، نذكر لهم القصص الخالدة مفعمة بالصور والرسوم، فإننا بذلك نشدهم ليتعرفوا على قادتهم، والحال الكل يعرف بأن الطفل يمل من كثرة الكلام ويريد شيئا ملموسا أو شيئا حسيا لكي يساعده على الإقبال على المعرفة.نحن من خلال الصور نغرس في قلوب الأطفال مصائب أهل البيت بصورة قد لا تستوعبها عقولهم، وتوضيحا للحقيقة ربما نصارحهم ونقول لهم بأن هذه الصور ليست بحقائق وإنما تشبيه.
وأخيراً لا أجد فيها ضرر فهي بالإضافة إلى ما ذكر، ستجعلنا مرتبطين بهم أكثر، لأن الذي يرى صورهم أو عندما تكون ماثلة أمامه، فحينئذ يتذكر ما جرى عليهم أو عندما يرى صورهم فيترحم بهم، فتكون سببا لانهمار شآبيب الرحمة والبركة عليه في حين غرة، على نقيض الصور الأخرى التي يتشبث بها المغفلون من الناس والتي ليست لها أية قيمة أو فائدة غير اللهو واللعب وإثارة الشهوات الحيوانية. علاوة على أن انتشار صور المعصومين يعمق الرابطة بين الإنسان وقادته الحقيقيين، ويوصد الباب أمام نشر صور لقادة مزيفين وأهل الضلالة والفسق والفجور. حري بنا أن نعلم أن مذهب أهل البيت قائم على الفكر والإقناع وليست موضوعة صور المعصومين المنتشرة في المحلات والبيوت وحتى الحسينيات والمآتم، سوى الوسيلة الناجعة التي توصلنا إلى الفكر الخلاق، فهي بمثابة إشارات مرورية ترشد الناشئ لتدله على سواء السبيل، ربما تكون كمالية للمتيقن بيد أنها تزين له الطريق دونما إلحاق أي ضرر بما يحمل من أفكار ومعتقدات، فهي وكما ذكر العلماء جائزة و( الجواز لا يحتاج إلى دليل).
https://telegram.me/buratha