( بقلم : علاء الزيدي )
" خاف ماطاح الصنم " !بهذه العبارة المنظومة ، يعبّر شاعر قناة الفيحاء المبدع عن مخاوفه ، من أن لايكون النظام المنهار قد انهار فعلا ً . فصحيح أن صدام قد اختبأ في الجحر ( ثم اصطيد وحوكم وقـُبـِرَ فيما بعد ) لكن العديد من معالم الحقبة البعثية ( لافرق عندي بين عفلقية وصدامية ) مايزال شاخصا ً ، في تأكيد ملموس على أنه ربما " ماطاح " الصنم فعلا ً.لن أتحدث عن عودة البعثيين ، معززين مكرمين ، إلى مواقع السلطة ، حتى بعض العليا منها ، وإلى قوى الأمن ومواقعها الحساسة ، وإلى أجهزة القضاء والتشريع والتقنين والتعليم والتربية والإعلام والسمكرة والحدادة والنجارة وكل مجال ومضمار . ولن أتطرق إلى إعادة السفراء البعثيين السابقين إلى الخدمة بهدف منحهم رواتب تقاعدية طائلة فقط ، رغم شتمهم الحكم الجديد والوضع الجديد والعراق الجديد صباحا ومساء ً ( فيما يشارف المفصولون السياسيون في العهود البعثية على الموت جوعا ً ولامن سائل عنهم أو مهتم بهم ) ولن أتناول من بعيد أو قريب التنازل يوما بعد يوم عن أبسط بدهيات التغيير ، وهي التغيير بحد ذاته ، عبر استرضاء البعث والبعثيين من قبل أعلى السلطات والمتسلطين ، حتى راحت الكلمات والتوصيفات تتعرض للتغيير شبه اليومي لكي لايزعل البعثيون أو تتكدر خواطرهم ، فيوما ً يتم يتم تغيير " البعث " إلى " البعث الصدامي " ، ويوما ً يتحول " الاجتثاث " السياسي والمعنوي القانوني والمشرَّع والمفترض إلى مساءلة فحسب ثم إعادة إلى أعلى المناصب بما فيها العسكرية الحساسة ، حتى كدنا أن نخاف على أنفسنا من أن نتعرض للإتهام بأننا ( نحن ضحايا البعث المجرم على مدى أربعين عاما ً ) قد ضربنا أيدي جلاوزة البعث بوجوهنا !
لن أذكر شيئا ً عن كل ذلك ، فلا فائدة من الكلام والذكر والتذكير ، مادامت القرود الثلاثة سادة الموقف : لا أرى .. لا أسمع .. لا أتكلم . لكن هنالك مفاهيم بالية ينبغي أن تـُكنـَس إذا ماأراد شعب الداخل أن يتقدم . هذا على الأقل مالمسناه ، نحن شعب الخارج ، من تجاربنا وعيشنا بين الشعوب المتمدنة .تتمحور تلك المفاهيم البالية حول المفردات الغريبة التي لايوجد لها مثيل إلا في الدول التي حكمها الشوفينيون القوميون في العالم العربي ، كالبعثيين والناصريين بدرجة أساس ، والتي باتت لغة يومية عادية لدى شعب الداخل ، مثل : " الوطن العربي " ، " القطر " ، " الأمة العربية " ، " القومي " وغيرها .فمفردة مثل " الوطن العربي " إنما هي لامعنى لها فعلا وقولا ، ويمكن لأي ٍّ من أبناء شعب الداخل أن يجربها ويمتحنها على الطبيعة في زيارة أي ّ بلد ناطق باللغة العربية . فالبلدان الناطقة بالعربية جميعا ً تقريبا ً ( ربما ماعدا سورية التي مازال يحكمها الجناح الآخر من حزب البعث ) لاتعرف إلا حالتين للفرد : مواطن وأجنبي ، وفي حالة الأجنبي لافرق بين ناطق بالعربية أو بغيرها ، فأين هي مصاديق هذا " الوطن العربي " المزعوم ؟ كمثال : لم نستطع نحن شعب الخارج أن نزور بلدانا ناطقة بالعربية بيسر وسهولة قبل حملنا الجنسيات الغربية . بل كانوا يتشددون في منعنا من الدخول إلى بلدانهم واحتجازنا في مطاراتهم ويتفننون في إيذائنا عندما كنا نحمل جوازاتنا العراقية أو حتى جوازات اللجوء السياسي والإنساني المحترمة دوليا ً ، وهم في ذلك سواء ، لافرق بين مصر وإمارات وخليج وشمال أفريقيا وواق الواق ، فماهو معنى " الوطن العربي " إذن ؟ وحتى عندما حملنا الجنسيات الأجنبية التي شرّفتنا وأعادت إلينا إنسانيتنا أكثر من " عروبتنا " المزعومة ، كنا ومانزال نواجـَه بعبوس وتولٍّ ، مثلما فعل عثمان بن عفان مع الشحاذ الأعمى إذ جاءه ! وكأننا إذ نزور بلدانهم إنما نستجدي منهم بضعة أيام وبضع ليال نمضيها في ذلك " الوطن العربي " المزعوم كأي سائح أجنبي يطوّق أعناقهم بالإنفاق والإحسان قبل أن يحسنوا إليه هم ، هذا إذا أحسنوا !
إن الوطن هو الذي يحترمك ويشعرك بإنسانيتك ، وهو الذي تربطك بترابه وناسه روابط وصلات سداها الإحسان ولحمتها المحبة ، أما أوطان الآخرين التي تستقبلك بنظرات الكراهية لمجرد اسمك أو انتمائك الجغرافي فليست وطنك مطلقا ً .أما " القطر " فهو صحيح مفهوميا على الصعيد العالمي ، ذلك لأنه ترجمة حرفية لكلمة " كونتري " الإنكليزية ، لكنه يعني في القاموس البعثي أو الناصري أن بلادك ليست مستقلة ، وإنما هي " قطر " من بين مجموعة ، يحكمها فكر شوفيني مهترىء واحد .
أما " الأمة " فهي التي تعيش ضمن حدود رسمية ومعترف بها ، وتجمعها آمال وتطلعات وطنية واحدة ، وكذلك لاتعني كلمة " القومي " أكثر من محاكاة رديئة لاستخدام مصري ، خاطىء هو الآخر من الأساس !ففي مصر ، يطلقون كلمة " القومي " على كل ماينبغي أن يدعوه بـ " الوطني " . فعندهم " صحف قومية " أي " صحف وطنية واسعة الانتشار " . وعندهم " على الصعيد القومي " أي " على الصعيد الوطني " . وعندهم توصيف لمنصب أميركي هو " مستشار الأمن القومي " وهي مفردة خاطئة تعني " مستشار الأمن الوطني " لكن لما كان معظم المترجمين إلى العربية ، في أميركا مصريين ، فقد جاءتنا وتلقفناها هكذا كما لقننا المصريون عبارة " السم الزعاف " والصحيح " الذعاف " وعبارة " الغث والثمين " والصحيح " السمين " وما إلى ذلك !والخلاصة ، أن الشعوب المتقدمة لاتتعامل بهذه العقليات المغلقة . فلم أسمع يوما ً من بريطاني وصفه للأميركان أو الأستراليين أو الكنديين أو النيوزيلنديين بالشعب " الشقيق " . والوطن عند الأوروبي هو أوروبا مهما اختلفت اللغات والأديان والمذاهب والسياسات ، والرجاء كنس مصطلحات البعثيين الشوفينيين مع تاريخهم الأسود إذا كان شعب الداخل جادا ً في إرادة التغيير الحقيقي ، خاصة وهو ينتشر في بقاع الأرض الآن ، ويرى كيف يستقبله السويدي بالترحاب والأحضان ، ويركله المصري والأردني والسعودي وغيرهم من الأعراب في المطارات دونما رحمة أو شفقة أو شعور " قومي " يدعونه !
https://telegram.me/buratha