المقالات

الأكثرية المسحوقة والأقلية العميلة

1603 16:33:00 2007-05-20

( بقلم: حسن الهاشمي )

عادة ما نشهد في ظل النظام الديمقراطي قفزة نوعية في المجال العلمي والثقافي والاجتماعي والصناعي والتكنولوجي، حيث أن الأجواء مفتّحة، والإمكانات متاحة، والتسهيلات متوفرة للجميع، يتم تفتق وظهور الكفاءات العلمية والعقول المتفكرة الخلاقة على أرض الواقع، وتبوؤها مراكز حساسة في الدولة بدلا من الوساطات والمحسوبيات والانتماءات الحزبية الضيقة.

تنبثق عن الديمقراطية تشكيل الأحزاب والنقابات العمالية والتعاونيات ومؤسسات المجتمع المدني، التي تدافع عن القطاعات المختلفة للشعب، ويتم توزيع المال والإعلام والقدرة والإمكانات الخدمية الأخرى بينها، لئلاّ يجتمع المال والقوة بيد شخص واحد أو حزب واحد، الذي يؤول بطبيعة الحال إلى الاستبداد، وإلغاء الرأي الآخر.المناصب تتوزع على الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والعرقية والقومية، لا أنها حكر على فئة حزبية معينة أو عائلة مالكة أو ثلة متملقة للزعيم الأوحد، وهذه الصفات نراها جلية واضحة في معظم الأنظمة المستبدة، وما يعقب ذلك من تخلف وجهل وتبعية واندثار، تلك الأنظمة التي تدفع إلى السلطة أفراد متملقين متزلفين تسيرهم الأهواء والمصالح، وتتجاذبهم رياح التملق والانحناء.

الديكتاتورية إذا ما عشعشت من شأنها أن تلغي العقول، وتحكم العقل الأوحد، ولا ضير أن يستشير الحاكم المستبد، ولكن استشارته تكون منصبة لدعم حكمه وسلطانه، وليس لصالح المجتمع وتطوره، وهذا ما يخلق وضعاً كارثياً لا يعرف مداه إلاّ الله سبحانه والراسخون في العلم، ولهذا جاء الرفض القاطع من قبل الشرع والعقل السليم- لكل أشكال الاستبداد مهما كانت مسوغاته ومهما كانت تبريراته ودوافعه.

حديثي وإن طال فإنه ليس منصبا عن الديمقراطية والإستبداد، وإنما ذكرت تلك المفارقة للإلماع بأن ما يجري على الساحة العراقية هو صراع على أشده بين أجندات متقاطعة فيما بينها، بعضها يسعى جاهدا لترسيخ مبدأ الديمقراطية ودولة المؤسسات التي تقوم على أساس العدل والإنصاف في توزيع القدرة والأدوار، وتقف على رأس هذه الشريحة حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها الدكتور نوري المالكي، ويقف وراءها جيش من المتضررين والمسحوقين والسجناء السياسيين وعوائل الشهداء والمفقودين وهم يشكلون الغالبية العظمى من الشعب العراقي، وكلهم أمل أن يتخلصوا وإلى الأبد من الظلم والإجحاف الذي طالهم طيلة القرون الغابرة.والبعض الآخر دخل العملية السياسية بقضهم وقضيضهم لتقويض التجربة الديمقراطية التي تشهدها الساحة العراقية ولإول مرة في التاريخ، فإنهم قبل وبعد دخولهم العملية السياسية كانوا دائما ولازالوا يضعون العصي في عجلة التقدم الديمقراطي في العراق، ويقف على رأس هرم هذه الشلة المارقة ما يسمى بجبهة التوافق العراقية وجبهة الحوار الوطني ومن يقف وراءهم من أنظمة عربية ديكتاتورية، مطاليبها دائما وأبدا منصبة على إلغاء هيئة اجتثاث البعث وإطلاق المساجين الذين يقبعون في سجون الاحتلال وسجون الحكومة العراقية وإرجاع ضباط الجيش العراقي المنحل وكذلك ضباط الأمن والمخابرات الصدامي إلى مناصبهم، ومعارضتهم المستميتة في تطبيق النظام الفيدرالي في منطقتي الوسط والجنوب بدواعي أنها تقوم على أساس طائفي، بالرغم من المباركة التي أبدوها لإقامة إقليم كردستان الذي أقيم على أسس قومية؟!

وبقيت الحكومة العراقية المنتخبة تتجاذبها تلك الأجندة المتباينة والمتقاطعة في نفس الوقت، وساعدها الله كيف أنها تحاول التوازن بين مطالب الأكثرية المسحوقة والأقلية العميلة؟! وانعكس ذلك الواقع المضطرب الذي يتصارع في حلبته الضحية والجلاد على الامتيازات التي يحاول أن يحصل عليها كل طرف، ومن هذا المنطلق لا تزال مؤسسة الشهيد وكذلك مؤسسة السجين اللتان أسستا للقيام بمتطلبات الوفاء لهاتين الشريحتين اللتين لهما دور كبير في المكتسبات التي تحققت للشعب العراقي، ما تزال هاتان المؤسستان تتصارعان عليها الكتل السياسية، وضحية هذا التصارع عوائل هاتين الشريحتين المظلومتين، في الوقت الذي نرى بقايا الجلادين والعصابات البعثية تضغط وبشدة من أجل تحقيق المكاسب لهم ولعوائلهم وإرجاع مجدهم الغابر، وإذا بقي الحال كذلك فان هناك خسارة كبيرة لشرائح واسعة من المجتمع، ونتيجة ذلك ستخسر الدولة الكثير من الرصيد الجماهيري المتمثل بالملائين من الطبقات المسحوقة من الذين جاهدوا وتحملوا الكثير من الويلات والمصائب بسبب مقارعتهم للنظام البائد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك