بقلم: طالب الوحيلي
المعروف ان الحركات السياسية لا بد ان تتأثر بتوفر الظروف الموضوعية والذاتية لكي تنشط فعليا لاجل تغيير الواقع المعاش على وفق اهدافها التي بنيت عليها ،وهذه الظروف هي انعكاس لمستوى الفاعلية والتلقي الجماهيري مع الحركة السياسية على مر تاريخها النضالي او الجهادي مستثمرة حركة الواقع المادي المعاش من ظلم واضطهاد وفقر او فساد الخ ..ومن الحركات السياسية التي عرفها شعبنا العراقي منذ اكثر من عقدين من الزمن تعد مدة طويلة بحساب الصراع الوطني ضد أعتى نظام استبدادي عرفه التأريخ ،يبرز المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ،وقد تعامل مع المتغيرات تعاملا موضوعيا مع الحفاظ على الثوابت قدر أسسه العقائدية الراسخة ،فبين الدورة الثامنة عام 2001 التي عقدت وقائعها في المهجر والدورة التاسعة التي شهدها العراق يوم 11 / 5 / 2007 تمتد مساحات واسعة من جهاد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وتتسع رقعة نضاله ذاتياً وموضوعياً لتسطر أعمق الأبعاد في الضمير الجمعي للشعب العراقي الذي كان يشرئب بأعناقه صوب تخوم النور المنبعث من الشرق، منتظراً رايات الخلاص من حقبة الظلم والاستلاب والضياع المستحكم بخيرات وأرواح أبناء وادي الرافدين طيلة توالي المحن التي تمخضت عن الحكومات الدكتاتورية والشوفينية، فقد كان للمجلس الأعلى الثقل الأكبر والاهم في تفتيت عضد النظام الصدامي، وكان مبعث رعبه وقلقه لما تشكله قيادته من قيمة روحية وعقائدية تمثلت بزعامة المرجع الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (رض) الذي كان خلاصة الفكر المرجعي الجهادي بما ورثه من أصول خالدة في تاريخ العراق وما تبناه من مدرسة ثورية جمعت كل لمحات النظرية الإسلامية في الحكم لتبرز كبرنامج عمل مثمر على صعد الواقع والتطبيق، و النظرية رمادية ما لم تينع كشجرة خضراء ومعطاء.. وهكذا تجلى المجلس الأعلى كذراع جهادي للمرجعية الدينية فيجد حيزه الكبير وسط الملايين من شعبنا وهم يشكلون اليوم الأغلبية المطلقة في مسيرة الحدث السياسي، فلا غرابة ان يهرع الالآف من المتعطشين للحرية والاستقلال والعدالة صوب البصرة الفيحاء وقد وطئها خطو الفاتح المقدس وهم يجدون فيه مشروعهم الذي لابد ان يأخذ بزمام المبادرة مهما كانت القوى التي أسقطت النظام الصدامي والتي لم يكن الفضل لها في سقوطه إنما الفضل لله على حد وصف السيد شهيد المحراب حيث سلط الله على صدام من كان سبباً في بقائه على دكة الذبح والمقابر الجماعية.. فالدورة الثامنة عام 2001 كانت تحت عباءة السيد الحكيم (قدس) وقد وضعت الخطوة العريضة لعملية القضاء على الحكم البائد وقد كان لها الدور في تجلي حركة المعارضة العراقية والسير بثبات نحو إطباق الحصار الدولي حول ذلك النظام ومن ثم عزله عن العالم بعد فضح كل أسراره واسباب بقائه وبعد كشف حجم الظلم الذي اغرق به شعبه ،مما جعله ذلك حالة شاذة في الواقع العالمي المتطلع الى حرية الشعوب، ومنحها كافة حقوقها عبر التنازل لها عن علياء التسلط الفردي او التقليدي باتجاه تطبيق نظم ديمقراطية صرفة والغاء كل الوان القهر والتهميش..ولقد كان للمجلس الأعلى بمكانة القطب من الرحى في إيقاع منتظم لعملية تحرير العراق، فيما وجد في الساحة العراقية من الداخل إرهاصات وتعقيدات أفرزتها موروثات العقود المنصرمة، وأسست لها وقادتها بقايا وأيتام النظام البعثي الصدامي عبر قاعدة عريضة من أجيال أثرت بها كثيراً مناهج غسيل الدماغ الثقافي المضاد، ومع ذلك فقد عمل المجلس الأعلى عبر التواصل والحكمة والتنسيق مع توجيهات المرجعية الدينية العليا وعلى رأسها الإمام السيستاني (دام ظله) ليجد المواطن انسجاماً تاماً بين تكليفه الشرعي وتعاطي المجلس الأعلى مع الملفات الشائكة، لاسيما المفصل الخطير المحصور بين تحرير العراق وصدور القرارات الدولية الثلاثة (1483و 1511و 1546) وكان حظ العراق كبيرا بوجود السيد محمد باقر الحكيم الذي كان مصدر الأمل الكبير في تقليص تلك المفاصل للوصول الى النتائج المثلى، فأحاديث ولقاءات السيد شهيد المحراب مازالت ندية وطرية ولم تفارقها جذوتها وأصالتها ،بل ان بعض خطاباته صارت بمثابة لغة للضمير الجمعي لجهاد الشعب العراقي ،وتماشت مع خطوط نضال القوى الديمقراطية الباحثة بكل جد عن أسس بناء العراق الديمقراطي التعددي ، وكم كان منصفاً احد القادة السياسيين إذ أشار مرة لمقربيه بان الفرقاء في العملية السياسية ما ان اختلفوا بينهم حتى يتوجهون الى مكتب سماحته فيخرجون منه وهم متفقون.. لكن الفجيعة قد سبقت تحقيق الحلم، حيث استشهد السيد الحكيم (قدس) وقد قصد أعداء الشعب العراقي من ذلك ثلم سد الأمان وإغراق العراق بسيول الفتن، وكان لابد للمجلس الأعلى من تضميد جرحه الغائر ليتسنم بقية السيف ووريث آل الحكيم السيد عبد العزيز الحكيم زعامة المجلس الأعلى الذي استقطب الأنظار والعقول فتتربع كياناته السياسية في قلب الحدث وفي صلب كتلة الائتلاف العراقي الموحد.الزمن المحصور بين الدورتين يوجب على المجلس الأعلى الذي حمل أمانة الجهاد المرجعي والوطني، ان يضع منهاجه الجديد المنسجم مع قواعده الشعبية التي تفوق اليوم عدة ملايين منتشرة في معظم محافظات البلاد، لذا جاء انعقاد الدورة التاسعة تحت شعار (على نهجك يا شهيد المحراب نصون منجزات شعبنا العراقي ونحقق طموحاته) وهذا الشعار يحمل دلالات وخلاصات كبيرة أهمها ان مرحلة الجهاد من اجل تحرير العراق قد انتهت، لتبدأ مرحلة صون منجزات الشعب العراقي المتمثلة بالدستور العراقي الدائم وما تضمنه من مبادئ سياسية وقانونية كبيرة في محتوياتها ونتائجها المستقبلية، فضلاً عن تمحور الدور القيادي الشعبي للمجلس الأعلى في إدارة الملفات العالقة لذا كان لابد من تجديد انتخاب السيد عبد العزيز الحكيم ابن المرجعية ورمز تضحياتها زعيماً للمجلس الأعلى، كما ولابد من تغيير اسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الى (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي) بما تعنيه هذه التسمية من مدلولات سياسية وعقائدية ترتكز أصلا على (الدور العظيم الذي قامت وتقوم به الحوزة العلمية والعلماء والمرجعية الدينية العليا في العراق وفي مقدمتها مرجعية آية الله العظمى السيد على الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) في صيانة وحفظ وحدة العراق والعراقيين وحقن دمائهم ومساعدتهم في بناء النظام السياسي القائم على أساس الدستور والقانون، ومعاهدين لها في السير على هديها ونهجها القويم في إقامة العدل والإنصاف بين كل مكونات الشعب العراقي).من فقرات البيان الختامي..وللحديث صلة..اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha