( بقلم : طالب الوحيلي )
لا شك ان القضية العراقية قد تجاوزت حدودها الجغرافية منذ عهد الطاغية صدام ،وامتدت حولها الأذرع الدولية عبر قرارات مجلس الأمن الملزمة وتوصيات الامم المتحدة ،ومن ثم تحولت الى أفعال دولية حسمت أمر مصير النظام الاستبدادي للأبد ،ليعود الأمر فيما بعد الى الشرعية الدولية ثانية من خلال قرارات مجلس الأمن التي فرضت عدة قواعد تمحورت حول وصف الوجود الدولي على الأرض العراقية ونهاية هذا الوجود ،مرورا بميزة قل نظيرها وهي ان نظام الحكم الجديد قد تأسس على وفق شرعية أقرتها الدول الأعضاء في مجلس الأمن لتكسب قوة ينبغي ان تكون متماهية مع تلك المنظمة الحاكمة للكون والتي تمتلك موازين الحل والعقد على كافة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة التي هي مصدر الشرعية للدول .وفي الوقت الذي اجتاح العالم الثالث مفهوم الحكومات الانقلابية او الوراثية ،واقترنت دائما بدساتير كتبت في الدهاليز المعتمة او في أروقة دول أخرى او تحت ظلال مخابراتها ،لترسخ فيما بعد من سلطاتها الاستبدادية على رقاب شعوبها بكافة أساليب القهر والإذلال وطرق الاذعان ،فلا تجد تلك الشعوب ملجأ لها سوى الانصياع لتلك الأنظمة او قبول ما تجود به من عطايا مادية او نمطية كصور مشوهة للديمقراطية او حقوق الإنسان ،في هذا الوقت انفرد الشعب العراقي بإجراء أول انتخابات حقيقية ساهمت فيها الأغلبية الساحقة برغم الظروف الأمنية الصعبة التي خلفتها سياسات الحاكم المدني وإخفاقاته في إدارة الملفات المختلفة ،وحيث لا فضل له في فرض خيار الانتخابات كحكم ومعيار صادق لتقرير مصير الشعب العراقي وتحديد مراكز قواه السياسية ،وكان ذلك حاصل تضحيات كبيرة أدت فيما بعد لكتابة الدستور الدائم الذي حكم الانتخابات العامة لاختيار حكومته التي ينبغي ان تكون استحقاقا مقترنا بنتائج الانتخابات وما أفرزته صناديق الاقتراع التي شهدت لصحتها وأحقيتها المنظمات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الامم المتحدة فضلا عن اعتبارها من الانجازات العالمية التي تفوقت على التجارب الديمقراطية في العالم الحر .ما نخلص اليه في هذه البداية هو ان القضية العراقية قد استمدت حيويتها من المواقف الدولية ،ولكن تخلف عنها كثيرا الموقف العربي الذي ذهل عن المباركة للشعب العراقي في الخلاص من اعتى طاغية عرفته امة العرب ،وتحول ذهولها الى أفعال ومواقف سلبية في فهم الواقع العراقي تحت غيمة سوداء من البغض الطائفي او الشوفيني ،تحول الى كوارث إرهابية وهلاك للحرث والنسل ،وكل يحلم بنشوب نار الفتنة العمياء أملا في إعادة عجلة التقدم الى الخلف عبر إعلام زائف ونفور دبلوماسي لا مبرر له سوى تصور واحد لا يخرج عن رفض حكم الأغلبية وتقديم حكومة مغايرة للتقاليد السائدة في نمطية مذهبية أحادية الجانب غير متحررة من فكرة تهميش الآخر ،واذا كان هذا التصور مترسخ في أذهان الأنظمة العربية حكومات وشعوب ،فانه لم يتجذر في الذهن العراقي الذي تاق الى التحرر من طغيان الحزب الواحد الا بعد ان غذت القوى الإقليمية والدولية هذه النظرة لدى الكثير تحت وطأة إصرار أيتام النظام البائد على البقاء كعدو لدود لشعبنا وهم في الأصل جلادو هذا الشعب وأدوات قمعه طيلة سني الظلم ،لذا تجد المواقف العربية لم تختلف عن بعضها كثيرا في التعامل مع الواقع العراقي في استجابتها للتغير السياسي او في تقبلها نظام الحكم الديمقراطي الدستوري وفي تقليلها من شأن الانتصارات المتوالية في القضاء على الحكم الصدامي ومشروع اجتثاث البعث والدستور الدائم ومبادئه الاساسية ،ولاسيما منها الفيدرالية وحق توزيع الثروات ناهيك عن ازدرائها بملحمة الانتخابات التي أوصلت الحكومة الحالية الى دفة الحكم، وما امتازت به هذا الحكومة من مشاركة واسعة للطيف العراقي، بغض النظر عن محصلة الاستحقاق الانتخابي الشائعة عالميا ،فيما التمس الفرد العراقي عن كثب تلك المواقف والتي تبيح لة حق توجيه الاتهامات المختلفة ضد معظم الأنظمة العرابية في الأحداث الإرهابية وهتك السيادة العراقية او الانتقاص منها، مقابل دعمها العلني ماديا ومعنويا للقوى المعارضة لسقوط النظام البائد التي جاهرت باعلان عدائها السافر للشعب العراقي، وتبني أساليب القتل البشع وتخريب للبنى التحتية وتدمير الرموز الحضارية والإنسانية لوادي الرافدين ..فلا غرو اذا قلنا ان المواطن العراقي اشد اهتماما لكل ما يجري خارج حدود العراق من تحركات وحوارات إقليمية ودولية ،لاسيما الرحلات الماكوكية للدبلوماسية العراقية او لأعضاء الحكومة والتقائهم بنظرائهم من العراب ،الأمر الذي يترك لهذا المواطن مساحة من التمني بان تتغير المواقف العرابية ولو رسميا بشكل ايجابي من الحالة العراقية ،لكنه يخرج بحصيلة نهائية وهي ان افضل تلك المواقف لا تعدو ان تكون مجرد مزايدات مصلحية على حساب المصير العراقي ،ولعل مؤتمرا شرم الشيخ هما الأبرز بعد مؤتمر القمة العربي في الرياض الذي انتهى بانتهاء مراسيمه البروتكولية ..الحد الفاصل بين مؤتمري شرم الشيخ هو ان مؤتمر العهد الدولي كان بمثابة اعتراف عالمي بنظام الحكم في العراق وإقرار وتصديق لكل ما تحقق ايجابيا منذ سقوط الطاغية ولحد الآن وبرغم انوف الأشقاء وقف أعضاء مجلس الأمن الدائمين (الدول الخمس العظمى) والدول الصناعية الثمان واكثر من اربعين دولة من العالم المتمدن وقفت جميعا لتعلن دعمها ومساندتها للحكومة والشعب العراقي، بعد ان شعرت بغربة هذا البلد وسط محيط طائفي واستبدادي لا يعبئ بدماء ومصائر الضحايا ،فيما تنتزع الخطابات الايجابية من ممثلي الدول العربية انتزاع المضطر برغم انطباق المثل عليهم (حلو اللسان قليل الإحسان) وكان لحضور رئيس الوزراء نوري المالكي تفوق كفة الميزان العراقي بكل كيانه ،فقد تمكن من جذب الخطاب الى العراق مباشرة دون رعاية او وصاية من احد وكل ذلك صار هذا العهد ميثاقا دوليا وبرعاية الأمين العام للأمم المتحدة .وليس ببعيد عن هذا العهد لا مكانيا او زمانيا انعقد مؤتمر الجوار العراقي ،حيث يفترض ان يكون محكوما بالعهد الدولي وباللياقة التي تفرد بها المؤتمر الأول اتجاه العراق الذي هو أحوج ما يكون اليه في غلق منافذ تسرب الدعم الإرهابي وغلق او تسوير مواقع التآمر على سلامة ووحدة الشعب في بعض تلك الدول ،واقفال ابواق الفتنة واشعال الحرب بين افراد الشعب الواحد ،وبالتأكيد اختبأت بعض الدول وراء مصالحها وموازناتها التي انفتحت لها ساحة في شرم الشيخ ،وبعضها حاولت مدارات مرارتها بمطالبة الحكومة العراقية بما الزمت نفسها به سلفا كالمصالحة الوطنية التي ليست قطعا على وفق اجندة غريبة عن الساحة العراقية ،لان الشعب العراقي يعرف من يجب التصالح معه وفعلا تحولت تلك المصالحة الى سلاح فتاك يكاد يقضي على الإرهاب الطائفي والبعثي عبر مواقف ابناء العشائر العراقية في الرمادي وديالى والموصل والساحة تتسع ، لتعلن من نفسها البديل الشرعي للبعض الذي اغتصب حق تمثيل طيف عزيز من شعبنا . او الموقف الحكومي والسياسي من إعادة النظر ببعض مبادئ وفقرات الدستور الدائم التي تبقى أسيرة الإرادة الشعبية وليست أسيرة أوهام غريبة عن الهم العراقي .او اعادة النظر في قانون اجتثاث البعث ليكون أكثر مرونة في تقبل المبتلين بالانتماء لذلك الحزب ومحاسبة من تلطخت يداه بدماء الأبرياء او تورط في جرائم البعث الدموي .الخلاصة هو ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية بما معناه، ان العرب بحاجة الى العراق القوي الموحد، وان ليس من مصلحة بعض الدول عدم دعم الحكومة العراقية ،وتلك الحقيقة ينبغي ان يؤمن بها الجميع لان العراق يسير بخطى ثابتة نحو بناء مجده وديمومة تجربته وتفوقه على أجندات الآخرين..اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha