( بقلم : د. حامد العطية )
عبد الله ملك الوهابيين السعوديين من أعرف الناس بالطاغية المقبور صدام، وما يجمع الاثنين أكثر بكثير من تجاذب الشبيهين، فقد التقت مصالح حكام السعودية وطاغية القرية البعثي على محاور أساسية، في مقدمتها اضطهاد الشيعة، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، وقد بلغ بهم وبأسيادهم الأمريكان والصهاينة الحقد على الشيعة درجة التضحية بمكونات الشعب العراقي الأخرى من سنة وكورد وأقليات آخرى في سبيل تحقيق مآربهم الشيطانية.
كان الطاغية المعدوم صدام شراً وحمقاً مطلقاً، ومن أفدح أعماله الشريرة شن حرب ضروس على إيران الإسلامية واحتلاله الكويت، وكان المكر والخبث السعودي حاضرين في التمهيد لهما، لذا فحكام السعودية على دراية تامة بالمعلن والمخفي من النوازع والأسباب المؤدية لهاتين الكارثتين.
بعد بدأ الحرب البعثية على إيران شارك نظام الطاغية صدام في مؤتمر قمة رؤوساء الدول الإسلامية الثالث المنعقد في مكة المكرمة في 1981م، وفي خطاب الطاغية أمام ملوك ورؤوساء المسلمين أوضح الأسباب التي حملته على شن الحرب، وكان من بينها العبارة التي استهل بها الإمام الخميني رحمه الله خطاباً إلى الرئيس العراقي آنذاك: "السلام على من اتبع الهدى"، وقد اعتبر صدام العبارة إهانة بالغة لأنها تفترض احتمال كون الرئيس العراقي من غير اتباع الهدى، وقد صدق الإمام الخميني لأن البكر وخليفته صدام وبشهادة حلفائهم الوهابيين أنفسهم ضالان ومضلان، ووفقاً لمنطق صدام فالإهانة الموجهة لرئيس العراق تطال كل العراقيين، وكانت تلك الإهانة في نظر صدام أحدى مسوغات الحرب التي دامت ثمانية أعوام، وأدت إلى هلاك مئات الألاف من العراقيين وتدمير الاقتصاد العراقي وتخريب النسيج الاجتماعي للعراق، وما احتلاله للكويت وما جره من ويلات على العراق وأهله وانتفاضة أهلنا في الجنوب وكردستان وكذلك الاحتلال الأمريكي والصراع الطائفي الدائر حالياً سوى نتائج وافرازات لتلك الحرب العبثية.
بعد انتهاء الحرب العراقية على إيران نشب نزاع بين الطاغية صدام وحلفائه حكام الكويت حول استغلال أبار النفط في المنطقة الحدودية، وانعقدت عدة اجتماعات بين الطرفين لتسوية الخلاف حول مطالبة العراق بالتعويض، وكشفت مصادر مطلعة جوانب من النقاش الدائر في آخر اجتماع بين وفدي الحكومتين قبل الاحتلال العراقي للكويت، في هذا الاجتماع ترأس الوفد العراقي عزة إبراهيم الدوري، وكان الوفد الكويتي برئاسة ولي العهد رئيس الوزراء الكويتي آنذاك سعد العبد الله الصباح، وهذا الصباح معروف بحمقه وسفاهته وقسوته، ويذكر الكويتيون قصصاً عن عدم إتزانه، فعلى سبيل المثال اصطحب في عهد توليه وزارة الدفاع عدداً من جنود كتيبة المغاوير في طائرة سمتية، وأصدر أمراً لهم بالقفز من الطائرة، وهي تحلق على إرتفاع عال، ولما عرف به من قسوة أمتثل البعض منهم لأمره خوفاً مما أدى إلى اصابتهم بكسور وجروح بليغة، وفي أيام الدراسة سمعت بهروب إبنته مع أحد اللبنانيين وزواجهما من غير موافقة الأب، وبعد اكتشاف مكانهما حضر الأب للقاء إبنته العاصية في قبرص، ولكنها رفضت لقاءه من دون حضور الشرطة، لأنها خشيت على روحها من شروره، وعودة على ما دار في الإجتماع بين عزت الدوري وسعد العبد الله الصباح تروي المصادر المطلعة بأن عزت الدوري كرر مطالبة نظامه بالتعويض فكان رد سعد العبد الله الصباح بما معناه: قل لصدام أن يطلب من إمه "صبحه" تدبير المبلغ! وسواء تفوه الكويتي المعتوه بهذا الكلام عن حماقة أم قصداً فقد أصاب هدفه، فلم ينقضي وقت طويل حتى دخلت القوات العراقية الأراضي الكويتية.
الخلاف بين حكام الخليج وأولهم آل سعود وبين النظام البعثي البائد صراع بين مجموعة من قطاع الطرق واللصوص، لأنهم جميعاً مغتصبون للسلطة والأرض، وهذه القواسم المشتركة بين آل سعود و المقبور صدام هي التي دفعتهم لتجاوز خلافهم الحاد معه فكان آل سعود أول المعترضين على الإطاحة بحكمه في 1991، وارتضوا إزاحته في 2003 على مضض لأنه كان كبش الفداء الذي صرف الاهتمام عن مسئولية السعوديين عن الهجمة الإرهابية على أمريكا في الحادي عشر من سبتمير.
لو كان المالكي شبيهاً لصدام لحسب قرن الشيطان السعودي ألف حساب قبل أن يرفض استقبال رئيس الوزراء العراقي، فلو كان المالكي على شاكلة صدام لكانت الأوامر قد صدرت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام الوهابي، ولسارعت وسائل الإعلام الرسمية والإعلاميين المرتبطين بالنظام في الداخل والخارج لتوجيه حملة إعلامية شرسة مضادة للنظام الوهابي، ولتبارى الشعراء المرتزقة في تأليف قصائد الهجاء المملوءة بأقذع الكلمات في آل سعود، ولباشرت المخابرات العراقية في تدبير المؤمرات لقلب نظام الحكم السعودي ولاغتيال أفراد من عائلة آل سعود، ولكن المالكي ليس حاكماً مطلقاً مثل صدام حسين أو عبد الله السعودي، وهو مقيد بالدستور وبالمؤسسات الديمقراطية وبالكتلة البرلمانية التي أوصلته إلى سدة الحكم وباستطاعتها أيضاً إعادته إلى مقعده في البرلمان.
يقال أن الحاكم الوهابي مستاء من المالكي لأنه- كما يدعي- طائفي ومتردد في تنفيذ تعهداته بإعطاء السنة دوراً أكبر في العملية السياسية، ولعل جواسيس الحاكم الوهابي وحلفاءه الأمريكان لم يخبروه بأن المالكي ورهطه هم آخر الشيعة المسالمين، الذين حاولوا طيلة أربعة أعوام اقناع ممثلي السنة بالمشاركة الجادة والمخلصة في العملية السياسية، لكنهم لم يلقوا سوى الازدراء والكيد والتخريب لهذه العملية، ولم يحصد الشيعة الصابرون سوى المزيد من القتل الجماعي اليومي والتهجير، وكان يكفي الحاكم الوهابي لو انصت لتحذيرات ممثلي المرجعية الدينية، الذين بينوا للجميع وبصريح العبارة بأنه قد يتعذر على أحد بعد اليوم، مهما بلغت مكانته واحترامه لدى الشيعة، كبح جماح غضب الشيعة، ولا عتب عليك فأنت قرن الشيطان الوهابي الذي لا هم له سوى بث سمومه في الجسد العراقي، ولكن ما عذر من يدعي الإيمان من العراقيين السنة ويلدغ من جحر الثعبان الوهابي مرتين، المرة الأولى عندما اتبعوا الطاغية صدام في حربه على إيران فكانت وبالاً عليهم، والثانية في اثارتهم للحرب الأهلية بتحريض ودعم سعودي وهابي وهذه المرة سيخسرون كل شيء.
https://telegram.me/buratha