( بقلم : المهندسة بغداد )
عرفتها ساكنة في قلبي بلا اسم ولا تجسيد في شخصية انها المبادىء التي استشعرت صدقها وعمقها منذ الطفولة تلك التي امنت بها من غير فقه لمعناها ومحتواها لكنه احساس ساورني حينها ، هذا الاحساس الذي ما لبث ان انبتت بذرته شجرة صغيرة حجبتـُها عن انظار الناظرين ظلت تلك الشجرة تفيء على قلبي لتحميه من مجتمع فتحت عيني فيه لاجد النسوة تقص ظفائرها وتتبرع بمجوهراتها لحرب دولة مسلمة جارة ! ، كل الكلمات الرنانة والشعارات الزائفة التي مـُلئت بها مدارسنا لم تـُقنع عقل طفلة صغيرة كانت تقرأ حزنا ملىء حدقات عيون اهليها ،تلك الاحزان التي استمرت سنين حتى ترجموها الى كلمات ليخبروها حقيقة العالم الذي تعيش فيه والنظام اللعين الذي ابتلينا به حينها ليوقفوا مد اسئلتها التي لا تنتهي!.
وهكذا مرت السنين لتكبر هذه الطفلة ولتدرك ان الذي تؤمن به لن تجده متجسدا في شخص ما او على المعنى الدقيق امراة تجسد افكار تدور في خاطرها فتكون قدوة لها من ارض الواقع المرير فيما خلا سيدة نساء العالمين ع والحوراء زينب ع لكن تلك الطفلة لم تفقد الامل فاختارت ان تجمع هذه المبادى والصفات الحميدة من صديقات احطنها في المدرسة فصفة رائعة من هذه واخرى من تلك شكلت بمجموعها حجابا متواضعا ليحارب مد الفساد الذي رفع رايته الطاغية حينها .
والان وقد سقط الصنم وفـُتحت الابواب نحو المعرفة والارتقاء يقف الارهاب سدا هزيلا امام شوقنا اللامتناهي لمعرفة ما حـُرمنا منه لعقود مرت من عمرنا فلقد اصبحنا شبابا لتنطوي صفحة الطفولة والمراهقة في غياهب ايام سوداء ، لقد كان للمعاناة دور في حسر تقدمنا المعرفي بعد السقوط.
وقبل اسبوع مضى وفي صباح يوم كباقي الايام سئلت الله فيه ان يكون اوله صلاحا واوسطه فلاحا واخره نجاحا توجهت الى المدرسة التي اتشرف بان ان اكون مدرسة فيها بعد ان استبدلت مهنتي بسبب ما تواجهه عاصمتي من مأسي ولعله توفيق من الله عز وجل الذي اتوكل عليه في كل امر ، دخلت ذلك الصف الذي يحتوي على بنات بعمر الزهور يطلبن العلم ليخدمن مذهبهن مستقبلا ،كانت لديهن حصة امتحانية وطـُلب مني المراقبة وسرعان ما صرت اتجول بينهن لتقع عيني على مكتبة صغيرة في احد زوايا الصف فاستأذنتهن في ان اقلب الكتب فلقد اعتدت ان انسى كل شيء بمجرد ان تقع عيني على كتاب ، كانت الكتب جميعها قيّمة الا ان كتاب ازرق اللون تكسوه طبقة خفيفة من التراب حجبت اسمه قليلا لفت انتباهي فبادرت بمسح التراب بيدي لاقرأ عنوانه ( مجموعة قصصية للشهيدة بنت الهدى) سحبت الكتاب وجلست على الكرسي لاقلب صفحاته وطالباتي مشغولات بالكتابة .
لقد سمعت في مرات قلائل وانا صغيرة بأن هناك سيد قد قـُتله الطاغية واخته ذات يوم ولم يكن غريبا على هذه الزمرة هذه الفعلة وبعد السقوط سمعت باسماءهم الصحيحة وقصة استشهاد السيد الجليل محمد باقر الصدر طيب الله ثراه ولكن الاخت الشهيدة لم تكن في مخيلتي سوى اسم جسد مبدا الوفاء للدين والاخوة بدون معرفتها بالصورة المطلوبة .
وما ان مرت عيناي على بعض سطورها التي شكلت رسالة بعثتها لاحد الفاضلات حتى اغرورقت عيناي بالدمع ورحت امسحها بهدوء كي لا الفت الانتباه صارخة في اعماقي انها هي لقد تجسدت اخيرا انها هي انها هي !!!
نعم يا سيدتي انتي التي عشتي داخلي كل هذه السنين دون ان اعرفك!! روحك منهجك، مفرداتك ، حسك النبيل ، ثقتك بمذهبك ، شمخوك، ابائك ،هذا ما كنت ابحث عنه هذا الذي تمنيت ان تترجمه سطوري لترتب قناعات في عقلي وقلبي امنت بها واستنتجتها بعد سنين طويلة من التفكير والتسائل والبحث عن الحقيقة بمفردي سيدتي ،يالخسارتي وقلة حضي فلقد رتبتي كل شيء في هذه المجموعة القصصية لتصبح نبراس لاي تسائل اخذ من عمري ايام وساعات لاصل اليه بعد جهد جهيد .
ضممت الكتاب الى صدري وسألت عن صاحبة الكتاب التي اذنت لي ان اصطحبه الى المنزل لاسير في الشارع وقلبي يخفق فلقد حملت كنزا كبيرا اخشى ان يـُسلب مني وخلال هذه الايام عشت معك كما كنت دائما لكن هذه المرة تجسد كل شيء تحت اسم العلوية بنت الهدى .
سيدتي يال اسلوبك الراقي في استعراض المشاكل الاجتماعية والسخرية من المحارم التي تجذبنا وتزيدنا خسارة لقد قرات العديد من الرسائل التي تخاطبين فيها المرأة عن العمل عن مفهوم الاخلاط عن الغناء عن ....ولعمري لو امد الله في عمرك لتري ما وصلت اليه المراة لكتبتي الاف الرسائل .
لقد وضعت اللبنة سيدتي اللبنة الاساسية في مدارس الزهراء التي لم تستطع الجامعات التي دخلناها ان تقدم الينا ما قدمته انتي في هذه المدارس التي اشرفت عليها . اه يا سيدتي اه يالخسارتي فلم يتقاطع عمري بعمرك فسنة استشهادك هي سنة مولدي ولو لم يتدخل قدر رسمه شيصبان العراق ابن تكريت المجرم لكنتي ربما مدرستي وربما التقيتك ذات يوم ولرويتنا من منهل جدتك الزهراء ع ايتها العلوية الشريفة .
لقد عرفت ان الطريق الذي زينه الطاغية بالورود قد دفن تحتها الغاما لقتل ديننا ومنهجنا ولعمري يا سيدتي لقد اخذتنا بعض الاحيان مد هذه الموجة لكن سرعان ما كنا نشابك الايدي للرجوع مع موجة الجزر الراجعة . لقد اسمى المراة العراقية بالماجدة وفتح لها ابواب الحرية ليهينها ويقلل من شانها لقد غادرتنا مبكرا الى حيث الامن والامان الى حيث جدتك الى الجنان فلم تعرفي ما حصل سيدتي .
اه يا سيدتي ليغفر الله لمن سكت عن مصابكم وربما ما نراه اليوم لشدة الظلم الواقع بحقكم لقد سكتوا يا سيدتي خوفا من الظالم لكنهم واقولها عن قناعة دفعوا الثمن فالله هو العادل .سيدتي ماذا اخبرك وماذا اقول هل اخبرك ان بعد استشهادك بسنوات قلائل وانا في سن التكليف فرحة بحجابي الجديد الذي احبه كثيرا لانه ببساطة يجعلني اشبه والدتي فلم ادرك له معنى حينها حصل ما لم ولن انساه مدى عمري فلقد غير هذا الحدث مجرى حياتي كلها فبينما انا فرحة بحجابي ذاهبة الى مدرستي طلبوا مني الذهاب الى ادارة المدرسة لامر هام فسالوني ان كان اهلي قد اجبروني على الحجاب ؟!! فاخبرتهم بالنفي واخبرتهم بانها رغبتي ورجعت لاخبر والدي بهذا الامر لتتغير ملامح وجهه ولاسمعه يخبرني بان اترك حجابي لاشعار اخر !!! فقلت له الم تخبرني ( السفور تروح للنار !!) كانت هذه اول صدماتي في الحياة والتي لم اكن اعلم عمقها فلقد هزني فقط ان ابي تراجع في كلامه فما كان مني الا ان نزعت الحجاب من راسي ولاخبىء الحجاب في حقيبة المدرسة والبسه بعد ان اتجاوز بيتنا بعدة مدارس يوميا الا ان اوصل الخبر من لا يخاف الله الى والدي الذي فتش حقيبتي في الصباح التالي وليأخذ مني حجابي ويخبرني بانها فترة قليلة وارجعه لك انتي لا تفهمين ( يعدمونة بابا بعدج جاهلة برقبتي ذنبج ) . اه يا سيدتي يال ذالك الصباح المؤلم بالنسبة لي ذهبت الى المدرسة وضفائري منسدلة على كتفاي ودموعي منسابة وصديقاتي ما انفكين يخبرنني باني هكذا اجمل واحلى لكنني كنت اشعر بقبحي ولتمر سنة ونصف بعدها لارتدي الحجاب ثانية بعد ان انشغل الجلاوزة بحرب الكويت ورُفعت الرقابة نوعا ما عنا
وبعد ان كبرت وادركت المعنى الذي دار حول هذا الموقف بكيت بدل الدموع دما اسفا على والدي الذي ادى به الخوف الى مثل هذه الاستكانة واقسمت انني لن اكون اما ذات يوم ما دام حزب البعث في سدة الحكم كي لا تتعرض ابنتي لهكذا موقف وان تعيش كما عشت صامتة وداخلي يتكلم .
فقسما بتلك الضفائر التي امتزجت بالدموع وقسما بدمك الطاهر ايتها العلوية الشريفة
لن اثني عما اروم وان غدت قدماي تـُدمى
كلا ولن ادع الجهاد فغايتي اعلى واسمى
فجهادنا يا سيدتي هو جهادك ، سطورك ستصبح لي خريطة اسير عليها خاصة وانا امتلك صفة معلمة حيث انني لا انفك ازرع الثقة في قلوب بناتي التي ارسلهن الله الي عن طريق كتاباتك واشعارك الراقية فجيلنا اليوم تحيطه مؤامرة كبيرة كتاباتك تشعرني بانك عرفتها قبلنا وادركتها فسطورك تحوي على تحذير لما سيؤول له الامر لو اهملنا امرنا وصمتنا وسلم قلمك في كل حرف سطره
اختــاه هيــا للجــهاد وللفــــدا والى نداء الحق في وقت الندا هيا اجهري في صرخة جبارة انا بنات محمد لن نقعدا انا بنــات رســالة قـــدسية حملت لنا عزا تليدا أصيدا فسلام عليك ايتها الشهيدة واسال الباري ان ينظرنا بعين الرأفة وان يجمعنا واياكم في جنان الخلد مع اجداكم شموس المذهب واتمنى ممن يقرا رسالتي ان يفكر بشراء هذا الكتاب ليهديه الى زوجته واخته فينصر مذهبا وديننا وهنيئا لزوجة يوفقها الله بزوج يدعمها فكريا ليبنيان صرحا للحفاظ على اسرتهما الصغيرة فوفقكم الله لكل ما فيه خير والله ولي التوفيق وصلى الله على محمد واله الغر الميامين .
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha