بقلم: طالب الوحيلي
لا ريب ان المرجعية الدينية في العراق ، لعبت الدور الأساس في التصدي للقوى المستبدة منذ قيام الدولة العراقية الحديثة وحتى سقوط تخر طواغيت العصر ،وقد تجلى ذلك أما بصورة غير مباشرة اثر تقديم المكلف اومر ونواهي المرجعية على القوانين والقرارات الحكومية ،مهما كانت السلطات التنفيذية التي تكمن خلف فرض وتنفيذ تلك القوانين، حتى لو كانت قوانين جنائية، فضلا عن ذلك القوانين الشرعية ،حيث تحل المسائل العملية في حياة المواطن محل تلك القوانين مما يعني تقويض سلطات تلك الأنظمة أمام سيادة المرجعية الدينية التي تعد محل اعتبار الجميع دون ان يكون هناك أي فرض قسري او نمط إجباري للاستدلال على المرجع ،إنما الأمر يتعلق بمبدأ الحل والحرمة ،حيث لابد للمقلد ان يتحرى ويمحص ويدقق في اختياره لذلك المرجع الذي يجب ان يتصف بصفات تضعه في قمة المراجع الأحياء في المذهب .اما التصدي المرجعي المباشر للاستبداد، فقد حفل تأريخ العراق بالأدوار السياسية الخارقة للمرجعيات الدينية المتعاقبة التي لابد لها ان تقف مواقف تصادم مع تلك النظم التي أفرغت أيديولوجياتها أصلا ضد الأكثرية التي تؤمن بمبدأ التقليد مما يجعل تلك الأنظمة في موقف القلق او الشعور بفقدانها لميزتها السلطوية ما دامت لا تحظى برضا وقبول المراجع ،وأنى لها ذلك وهي أنظمة انقلابية فاشية وشوفينية وطائفية تسعى لإدامة سلطانها على جماجم ودماء ومصائر شعبها ، لاسيما في زمن الطاغية صدام حيث كان خصمها اللدود حتى سقوطه بعدما نال من كبار المراجع قتلا وتغييبا وترهيبا ،مستهدفا مكانة النجف الاشرف كأكبر حاضرة للمرجعية الدينية في العالم ،والتي هي بمثابة الفاتيكان في العالم الشيعي ..والحدث قد لا ينتهي عن التاريخ الجهادي لرجال الحوزة العلمية ورموزها الذين مثّل كل واحد منهم منهاجا سياسيا يكفي لقيام أرقى النظم الاجتماعية وبناء مجتمعات تسودها العدالة الإنسانية ،فهم جزء من تراث الإنسانية الثر وقد شهدت لبعضهم الأمم ، فيما شهد القرن العشرين انتصار اول ثورة مرجعية في العالم متمثلة بالثورة الإيرانية التي انطلقت من الحاضرة العالمية للطائفة أي من النجف الاشرف الذي طالما أحاطته حراب ونصال قوى الضلال العالمي .العدو والصديق يعرفان مكانة المرجعية في نفوس العراقيين على وجه التحديد وإتباع اهل البيت في العالم بصورة عامة ،وبالتأكيد عرفت مكانتها بجلاء بعد سقوط الطاغية صدام ونظامه حيث وقفت مرجعية الإمام السيستاني كصمام أمان إما الانفلات الأمني والسياسي الذي كاد ان يعصف بالكيان العراقي برمته في أكثر من موقف ،وعلى حد وصف الشيخ جلال الدين الصغير (انه حفظ العراق ، لولا فتاواه في حفظ النظام العام والإخاء العراقي وإبقاء عملية السامح والاعتدال لكدنا ان نرى مشهدا مختلف ، وأتذكر بإنصاف كلام احد الكتاب السعوديين من اهل السنة عندما خاطب الملوك وعلماء الأزهر، عندما قال عليك بتقبيل يد السيد السيستاني لأنه أنقذ السنة وعندما تصدى لمنهج التكفيرين للنيل من أخاء العراقيين) مما سلّم باعتباره الحلقة الأصعب في رسم الصورة العراقية الجديدة ،حيث وقفت عظمة الإدارة الأمريكية ومن حالفها جميعا متحيرين قلقين أمام الزقاق الفقير و الدار التي يقطنها هذا المرجع الفذ ،ليعلن هنري كيسنجر في اكثر من مناسبة (ان لدى اية الله سلاح لم يستخدمه بعد هو سلاح المظاهرة المليونية) ،وليس عجبا ذلك لكون شخصية إستراتيجية مثل كيسنجر يعرف كثيرا ما يقول ،ويعلم حكمة هذا المرجع وما يمثله في الضمير الجمعي لدى الشعب العراقي دون النظر الى مستوى التعاطي العبادي للفرد ،فمهما اعتقد هذا الفرد بتوجهاته نحو العلمانية الا انه يظل أسير معتقداته التي لا يمكنه ان ينسلخ عنها لان في ذلك انسلاخ عن مجتمعه وأناسه الحقيقيين ،وقد اختبرت بوادر هذه المظاهرة اكثر من مرة عبر الدعوة للانتخابات العامة او في المشاركة المنقطعة النظير فيها او في تحويل ردة الفعل الرهيبة اثر هدم الروضة العسكرية في سامراء من قبل القوى التكفيرية وأحفاد هولاكو ،ليجعلها فعالية متحضرة تدعو العالم الى الوقوف ضد الهجمة الهمجية في تخريب مظاهر الحضارة العالمية ،وكان موقفه واضحا من الاحتلال عبر التكاليف الشرعية وتوجيهات وكلائه ومعتمديه الذين لم ولن ينفصموا عن العملية السياسية منذ نشوئها. وهذه الحكمة قد تفوقت في عدة أزمات لولاها لانحدر العراق الى بحر متلاطم من الدم الطاهر حيث تريد قوى الإرهاب العالمي والصدامي الطائفي ،لذا فإنها تقف في كل، يوم حاسمة الموقف لصالح قيام دولة القانون وسيادة الدستور الذي كان محل اهتمامها منذ سقوط النظام المقبور ،بل عد المنجز الأهم في المسألة العراقية ،فبمباركة الإمام السيستاني وضعت الخطوط العريضة لهذا الدستور وبدعواته خرج الشعب للاستفتاء عليه وبتأييده تأسست الحكومة العراقية بما تتصف به من وحدة وطنية شاملة ،لذا ومن محاسن هذا النظام السياسي الجديد ان يقف أفراد حكومته أمام أبواب العلماء لا ان يقف العلماء مذلون مهانون أمام أبواب الحكام أولئك هم وعاظ السلاطين الذين اعتادت عليهم قناة الجزيرة وتطبع بها الإعلام العربي الذي شرخ شرخا لا يلتئم مع الشعب العراقي وقضاياه المصيرية منذ العقود المنصرمة ،فأكثر من فضائية عربية تناولت موضوع المرجعية وكلها تنم عن جهل مخز بالواقع العراقي وبعقيدة الإسلام الحقيقية ،انهم يتخيلون المرجع مجرد مفتي كشيوخهم الذين تعينهم الحكومات وتقيلهم متى تشاء ،ويصورون من ضيوفهم الوضيعي الثقافة علماء لا يشق لهم غبار ينتقدون من يشاءون ويقيمون على أهوائهم الأشياء والأحداث ،جاهلين تماما حرية الفرد المقلد في اختيار مرجعه عبر البحث عن الشروط الموضوعية والذاتية التي ينبغي ان تتوفر بهذه الشخصية ،وتفضيل الأعلم عبر أراء أهل الخبرة وشيوع تلك الصفات بذلك المرجع والإجماع الذي يحظى به من قبل الجمهور سواء في العراق او في العالم بغض النظر عن هوية ذلك المرجع ،لا فكر اهل البيت وفلسفة المرجعية يمتازان بإنسانيتهما وعالميتهما ، فالإمام السيستاني ليس للعراقيين فقط وإنما لكل مسلمي العالم وكذلك كان السيد محسن الحكيم والإمام الخوئي والسبزواري والشهيدين الصدرين مراجعا عالميين ،شهد لهما التأريخ الإنساني بتراثهم الزاخر بالعطاء الروحي ..الاعتداء على حرمة المرجعية الدينية من قبل قناة الجزيرة عبر مسلسلها الإرهابي القذر وبشخص كادرها المدرب تماما على أقذر الأساليب المخابراتية ولاسيما الإرهابي احمد منصور الذي لم تفارق صورته معظم الكوارث الإرهابية التي تعرض لها شعبنا ،هذا الاعتداء هو ردة فعل خاسرة للتقدم الكبير الحاصل في تطبيق خطة فرض القانون وفي الصحوة المباركة للعشائر العراقية في محافظة الانبار وتصديها البطولي لفلول الإرهاب من فصيلة احمد منصور وأمثاله ،كما انها ردة فعل للاحتضان العالمي والاعتراف الدولي بالحكومة العراقية وبالتجربة السياسية الناهضة في مؤتمري شرم الشيخ ،حيث لا خط رجعة أمام الدول المشاركة في المؤتمر بالتخلي عن العراق او العمل ضده او التراجع عن دعمه بكافة الوسائل ،ولكن يبدو ان اخطر مشكلة يعاني منها العراق وهي الحملة الإعلامية ضده لم تؤخذ بالحسبان وهذا ما يشكل نقصا كان الواجب إثارته ..اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha