المقالات

رسالة إلى والدي الطيب

1844 19:06:00 2007-05-04

( بقلم : المهندسة بغداد )

تحية وبعد

كيف حالك يا من كان اسم ابنته أوفى  من ابنته بذاتها حيث أن أسمائنا لا تفترق كما تفرقت الأبدان والوجوه .

اكتب لك يا والدي وأنا في غربتي سائلة عن غربتك في بلدنا ! خمسة أشهر يا والدي منذ غادرت داري وعاصمتي ومقدساتي ونهري إلى حيث المجهول الأمن فرارا بمذهب ودين ونفس كادت أن تكون في خطر جسيم.

كم كان أخر اتصال لك بنا هاتفيا صعب علّي رغم انتظاري لتلك الكلمات منك، منذ أشهر طويلة مرت ونحن لا نفعل شيئا يا والدي سوى النقاش الذي كان لابد أن ينتهي بان تغضب مني متهما إياي باني لا أحب بلدي كما يجب أن مرت بخيالي سحابة الهجرة وكنت أفسر لك ما في قلبي ومخاوفي من غد يقيدني واقعه عن تنفيذ أي قرار تلك اللحظة التي لا ينفع بها ندم لكنك تمسكت برأيك الوطن أولا  وتمسكت برأي المذهب أولا ولربما لان التمسك بالآراء ضربا من الوراثة !! كانت النتيجة إن غادرنا برضاك لكن بدونك إلى حيث الغربة والأمان آملين بيوم تغير فيه رأيك خاصة وان منطقة سكننا من سيء إلى أسوأ امنيا.

ومرت الأيام بالغربة سريعا وأنا منشغلة بإيجاد عمل وسكن واستقرار لتقطع صمت الغربة مكالماتك الهاتفية التي كانت بعضها تزيدني غربة وألم عندما تخبرني باني مخطئة عندما ضربت بشهادتي عرض الحائط وتركت بلد ومستقبل كنت أراه اسودا وتراه ابيض !!! كانت هذه الاتصالات تزيدني هما إلى همي بعكس بعضها الأخر الذي غالبا ما يأتي بعد الاتصالات المؤلمة تسال فيها عن الصحة والأحوال ونجيب بذات الأسئلة  دون التكلم عن وضع البلد الذي أخشى أن يجرنا إلى ذات نقاط الخلاف .

إلا إن أخر الاتصال تفاجئت به وأنت تخبرنا بما الم بمنطقة سكنانا من حوادث ذهب حصيلتها ثلاثة من جيراننا المقربين لم اصدق والسماعة على أذني بأنك تخبرنا بان قرارنا كان السليم وانك لا محالة قادم إلينا بعد أن اثبت الواقع ما توقعناه  من مستقبل فأمطار الهاونات تمطر بسماء منطقتنا من كل حدب وصوب أغلقت سماعة الهاتف فرحة في البداية فرحة ممزوجة بالخوف من أن يتأخر قرارك ويتقدم عليه قرار من لا يخشى الله عليه  لا سامح الله إلا إنني بعد برهة قادني تفكيري إلى حيث الحزن العميق لطالما كنت أتمنى أن يصح قراري ليس لأنه ملكي بل لان كل خطوط الواقع تقرئ صحته إلا أنني لم أدرك بان أعماقي كانت تريد أن يصح رأيك وان الغد القريب لن يكون بالظلام الذي أراه .

لقد أحسست أن الأمر لم يعد مجرد ظن فغدا واضحا إن منزلنا سيسلب منا سلبا أو هدما وانه سيخلوا من اجتماعنا فيه ستظل أركانه حزينة ومحتوياته صامتة  صار وداعي ألان حقيقة لغرفتي ومكتبتي وصديقاتي ودجلتي وفراتي وجسوري وذكرياتي وكان الذي يونس ظلمة الأفكار تلك صوري التي احتفظ بها في منزلنا صور التقطناها في زيارتنا للمراقد الدينية خاصة في سامراء التي لم اترك ركنا إلا صورت به وكأن قلبي كان يعلم ! وفي جامعتي العزيزة وعلى جسورنا الجملية .

ظننت إن خرب الجهلاء رموزنا لربما تظل الصور شاهدة لابناءنا في المستقبل لأضرحة وجسور وأشجار فحتى الأشجار غدت هدفا للإرهاب لكن هذا الأمل قد خاب بعد أن صدمتني والدتي وهي تخبر والدي بان يجمع جميع صورنا وان يأتي بها إلينا وان صعب هذا عليه أخبرته بان يحرقها ، كم تألمت وأنا اسمع هذه الجملة من والدتي قلت لها حتى ذكرياتنا لابد لنا من أن نمحيها فأجابت بأنهم أناس لا تخشى الله أن دخلوا منازلنا لابد أن نكون مستعدين  وان لا يطلعوا على خصوصيتنا خاصة وهم يدخلونها بأدبية !! حيث أن جارك لربما كان هو الواثب عليك !!!

وألان وقد غدا كل شيء سائر إلى الضياع إلا إنني اشعر بالأمان والراحة !! لقد أمنت يا والدي بان الضياع هو ضياع الدين والمذهب فكل شيء لا يعد ضياعا سواه .

لقد انفتحت لي أبواب يا والدي لم أكن أتوقع أن تفتح لي أبواب رحمة إلهية أغدقت على مهاجر فار بدينه فلقد قال تعالى ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظُلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون ) نعم ياوالدي أن الحسنة الدنيوية بدأت في الظهور في حياتي والحمد لله ولا ينقصني سوى أن يجتمع شملنا معا واعدك أن لا نتناقش بعد ألان!!! إلا في نقطة حيرتك فلقد كنت حائرا في أمر ابنتك بين إنها تريد أن تغير الواقع وتبني وطنا جريحا بفكرة وعلم وربما بكلمة مرابطة في مكانها لا  تعطيه غيرها ليستغله وبين انقلاب في أفكارها إلى  هاربة فارة بالدين تاركة كل شيء ورائها  متهما إياها بالتخاذل فالجواب يا والدي هو مفهومي للمرابطين فالمرابط هو مجاهد حقيقي لكن إن كان له دور ودور ذا ايجابية تذكر كما في شباب خيرة عرفتهم واطلعت على أعمالهم فتشرفت بمعرفتهم وتمنيت أن يكون لي أخ مثلهم أما إن كان وجدنا في مناطق الخطر بدون دور يذكر أو دور يثبت عدم فعاليته فلابد من حفظ النفس الإنسانية من أن تقع فريسة لهذا المد الإرهابي الجارف .

وأخيرا يا والدي أتمنى ان يوفقك الله لكل ما فيه صلاح وان ألقاك هنا في الغربة وربما يكون الملتقى هناك في بغداد لو أراد الله وانه ليس ببعيد عن اله عطوف رحيم فيما لو غير الناس ما بأنفسهم  ، فعذرا يا والدي لغيبتنا عن الدار والأهل ولا تحسبها قسوة قلب بل انه قلب شغف بحب محمد وال محمد حتى اعتاد إن يترك أي شيء في سبيلهم فكما قال دعبل الخزاعي 

أحب قصي الرحم من اجل حبهم         واهجر فيهم أسرتي وبناتي

لقد علمتني حب العراق والوفاء للمذهب لكننا اختلفنا بمفهومنا عن هذه المعاني فلم ارث منكم أفكاركم واعتنقت أفكار أسال ربي دائما أن تكون صحيحة وان تكون متجددة نحو الأصح.

شكرا للاتصال الأخير الرائع الذي تمنيت لي فيه التوفيق في عملي وتركت لي حرية الفترة التي أغيب بها عن بلدي وأفرحتني بقدومك  وان كان على صفة مؤقتة لحين استقرار الوضع فانا عاذرة وأتذكرك حالك في كل أسفارنا التي لا تلبث فيها أياما حتى تحن وتأن على البلد فأعانك الله . لقد سٌر قلبي برضاك وتفهمك لابنتك الشابة التي عانت كأقرانها مرارة كبيرة وأسال الله أن يحفظك وكل من اذكرهم في دعائي من موالين وخيرين فالدعاء مفتاح نجاتي ونجاة المؤمنين وأسال أن يبعد عنك كل شر وأذى انه سميع الدعاء وأخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد واله الطيبين الطاهرين

ابنتك

المهندسة بغداد

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
سلطان علي(محب للعراق و أهله)
2007-05-05
سيدتي الفاضلة: خطابك للسيد الفاضل والدك مؤثر جدا لما يحمله من شحنة عاطفية و لما يبث من هموم يشاركك فيها كل العراقيون الشرفاء في هذا الظرف الزمني الذي يمر به العراق الحبيب. خطابك في الواقع هو "وثيقة" تمثل بكل صدق ما يعانيه الفرد العراقي الشريف من صراع نفسي كبير و صعوبة في اختياره بين موقفين صعبين, بين أن يبقى في العراق مواجها الموت قي كل لحظة حبا لبلده أم مهاجرا فارا من الموت إلى حيث المجهول حيث لا حضن دافئ و لا صدر حنون و لا شعور من احد تجاهه بتعاطف يعوضه عن أمان افتقده في بلده. اقدر موقفك و مشروعية قرارك و أقف أيضا إجلالا و احتراما للأخ احمد كامل لشجاعته في قراره بالبقاء. كل منكما اتخذ قراره و حدد موقفه بالهجرة أو البقاء و لكل منكما مبرراته التي نراها نحن المراقبون مشروعة جدا. تمنياتي و دعواتي بالآمن و السلام لكل من بقى في العراق و دعواتي لكل المهاجرين من العراق الفارين بأرواحهم بعود حميد لبلدهم و أهلهم حيث بزوغ فجر الحرية يلوح في الأفق و حيث العزة و الكرامة و الأمن. لكما أنتما الاثنين أسمى تحياتي و تقديري.
احمد كامل
2007-05-04
السلام عليكم قد لايحق لي التدخل بخصوصياتك ولكن اسمحي لي ان غربتك وهجرتك ليس لها اي معنى والحقيقة انك ستنتهين الى صورة لعراقي يمتاز بالام الغربة والانانية معا والسبب المجتمع الجديد الذي يحاول ان تعيش به قد فكرت مرارا ان اترك العراق وانا مهندس لدي خبرتي ولدي الكثير من فرص العمل الجيدة لكن هل الهروب من الموت هو المشكلة ام التضحية لاجل دين محمد (ص) وعندها نتذكر امتنا (ع) كيف ضحوا والاف الناس ومن اكون انا شخص افضل منهم ام بهروبي سينتصر المذهب !! ان موتي هو جزء صغير من الام امتنا (ع) لذلك سابقى
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك