( بقلم : موفق مباركة )
عندما زرت العراق الحبيب في مطلع عام 2004 دعتني عائلة خالي لزيارتهم وهي تتألّف من ثلاث بنات في عقودهن الثالث والرابع من العمر وأرملتين لأولاد خالي مع ولديهما الشابّين. كنت جالسا على يسار ابن المرحوم ابن خالي ووالدته ليلى كانت جالسة على يمينه فسألتني قائلةً:"قل لي ياموفق: ماذا فعلتم للعراق في الخارج؟"سؤال مشروع ومنطقي وواجب من أمرأة مجاهدة عانت منذ اعتقال زوجها وأخوته الثلاثة في 1981 من قبل جلاوزة الحكم الصدّامي وقد قامت هذه المرأة الرائعة بتربية ولدها الرزين وتحمّل القهر والضيم والمتابعة والمضايقات والليالي الباكية ومثلها بنات خالي الأخريات وأخواتي ومنهن من فقد ألأزواج والأخوة بنفس الطريقة أو افترسته الحرب الهوجاء في الثمانينات وحصيلة الأمر تتلخص في فقدان تسعة من خيرة الشباب من عائلتي وأقرب الرحم اليها من الحرفيين والمهنيين والأساتذة والطلبة ورجال الأعمال وكلهم كانوا من الطيبين المخلصين للوطن الحبيب وزهقت أرواحهم على المشانق أو في حقول الموت والسؤال هنا:لماذا فعل ذلك نظام صدّام بهؤلاء الأبرياء؟لقد نصحني أعمامي وأخوالي بالبقاء في الخارج عند زيارتي للعراق في 1971 بأجازة من دراستي في ألمانيا آنذاك بعدم العودة حتى يتغيّر نظام الحكم وقد كانت فراسة وحدس هؤلاء الحكماء في محلّها علما بأنّ طغيان صدّام لم يكن بائناً بعد. والسؤال الثاني هنا:هل كانت الهجرة طوعيّة؟"لماذا أريد البقاء خارج الوطن ولي وظيفة مضمونة في كلية الزراعة والغابات في حمام العليل وعندي عقد مع جامعة الموصل مع كفالات صديق كريم وأقرباء أعزّاء لاأريد أحراجهم؟" كان سؤالي لأقربائي الناصحين. قالوا لي: "لقد بدأت حكومة حزب البعث بضرب القيادات العلمية والمفكرين والعلماء والحطّ من قدر اي انسان لغرض الأذلال وفرض السيطرة وخير دليل على ذلك يأخذون الطبيب من مستشفاه والأستاذ من معهده ويزجون بهم في الجيش الشعبي ويعرضونهم للمعاملة السيّئة والأهانة إذلالاً لهم ونحن نعرفك بأنك لاتسكت عن ذلك". سألتهم: "وماذا عن الكفالة؟" فكان جوابهم : "كلّ شيء يعوّض سوى الحياة".وجدتُ حياةّ جديدة في كندا في منتصف 1974 بعد هجرتي اليها مع زوجتي وطفلتي البالغة عامين ونصف من العمر وعملت مسؤولا عن تربية الغابات وصاينتها لدى شركة معروفة. واصلت علاقاتي مع الأهل وسوّيت قضية الكفالة مع الجامعة والكفلاء رغم عراقيل إدارية وقمت في كندا بممارسة ماتوفـّر لي من الحريّات التي سُلِبت من أبناء وطني ومنها عضوية المؤسسات الحرفية والتطوّع في لجان الرياضة في محل اقامتي وفرقة الأطفاء والتسجيل في الجامعة لتعلّم اللغة الفرنسية وسوى ذلك من المؤسسات دون أن يطلب مني أحد "تزكية" من الحزب الحاكم أو سواه. والسؤال هنا:لماذا توفـّرت لي الحرية بين الأجانب وحُرِمَ منها أبناء وبنات وطني في العراق؟هذه الحريّة أتاحت لي ولأمثالي من المهجّرين التعرّف على العملية الأنتخابية واختيار أولياء الأمور رغم عدم ولادتنا في بلاد الهجرة وممارسة عقائدنا بحرية تامّة والدعوة اليها ضمن اطار القانون والعرف وتيسّر لنا ما ساعدنا على فهم ديننا الفهم العميق الخالي من الرواسب التي ذابت تدريجيا حينما تعرّفنا على الآخرين من معتنقي مختلف المذاهب والأديان وأنماط الحياة وانعكست هذه الأمور على تقويم أفكارنا وأفكار الآخرين والنتيجة كانت تقريب وجهات النظر وإبدال سوء الفهم والعدوانية الموروثة الى احترام متبادل وزيارات وندوات ومحاضرات في المدارس والنوادي والجامعات ودور العبادة ولم يشمل ذلك الطوائف الأسلامية فحسب بل الديانات الأخرى وكذلك بين المتديّنين والعلمانيين. بالأضافة الى ذلك كان لنا الحرية التامّة في العضوية والعمل مع مؤسسات الدفاع عن حقوق الأنسان العراقي المظلوم والأتصال بالمسؤولين من رؤساء الدول والمنظمات الدولية ومقابلة المسؤولين في بلاد المهجر من وزراء ونوّاب وقادة الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الأنسان فيها لإيصال صوت شعبنا المقهور الى المسؤولين والشعوب في بلاد الهجرة والسؤال هنا:هل كان ذلك ممكنا لأي عراقي تحت ضلّ الأحتلال الصدّامي؟يتمتع كل فرد بمواهب تختلف عن الآخرين لحكمة ربّانية فمن المهجّرين وجد الحرية التامّة في ممارسة الشعائر الدينية والأخرين لبسوا القاط والرباط ومارسوا حقوقهم السياسية بحرية تامّة وآخرين كافحوا في الحياة الأقتصادية وبنوا بجهودهم حياة رفاهية لعوائلهم وابناء وطنهم ومنهم من أسّس الشركات الخدمية أو الأنتاجية ومنهم من وجد الفرصة مواتية لتحقيق اختراع ممتاز أو انتاج علمي أو هندسي أو تقني يشار اليه بالبنان ويرفع اسم العراق والشرق برمّته عاليا. جميع هؤلاء أو غالبيتهم ساعدوا أهلهم سرّا وعلانية في اجتياز مرارة السنوات العجاف في التسعينات ومابعدها. كلّ ذلك تمّ رغم أنوف الحكّام الذين تسببوا في بقاء هذه العقول والمواهب البسيطة منها والعملاقة في الخارج. والسؤال هنا:لماذا توفّرت هذه الفرص في المهجر ولم تتوفّر في العراق؟قـُبيل وفي أثناء حرب اسقاط الصنم زرت بعض رموز المعارضة السابقة في مونتريال وغيرها من المدن واستعرضنا مستقبل العراق وكانت آمالنا – ومازالت - خدمة العراق بأي وسيلة ممكنة ولم أجد بين المجتمعين من كان يرغب في نيل المناصب العليا بل هناك من عرض خدماتة كمعلّم مدرسة ابتدائية رغم قابليته في التعليم الجامعي وأخر بيّن رغبته في العودة الى مدينته ليستعيد مركزه المسلوب كأمام مسجد - وقد تحقق ذلك له فهنيئا لك ياسيدي الشيخ الكريم - ومنهم من كان يأمل أن ينتخبه الشعب بعد أن يتعرّف على لائحته وأفكاره ولم أجد بينهم من كان يرغب في خدمة الوطن الحبيب إلاّ بما يناسب قدراته ومواهبه. والسؤال هنا:من ياترى سيخدم الوطن إن لم يكن أصحاب الكفاآت والقدرات والخبرة سواءً كانوا من عراقيي المحضر أو المهجر؟مازال سؤال سيدتي ليلى يرنّ في ذهني وجوابا لها أقول: ثمرة عملي في المهجر تجاه العراق يتلخّص بترجمة كتاب يخلّد ذكرى زوجها الشهيد والسعي الحثيث في أحياء أمرهم حتى يأتيني اليقين.لقد كتب الأستاذ جواد كاظم خلف في صوت العراق في 29-4-2007 مايلي في مقالته المعنونة " إلى متى يتفرج عراقيوا المهجر على أهلهم وهم يذبحون ؟؟": "هناك ثلاثة ملايين عراقي مهاجر إلى أركان ألمعموره ، منهم نصف مليون في أميركا وكندا وأوربا وأستراليا وهو رقم كبير جدآ ومؤثر إن عملوا بتنسيق ..."وقد طرح رأياً يستحق الأخذ بنظرالأعتبار وهو:"سلاح ألتظاهر سلاح فعال ومؤثر في ألغرب وهو أضعف ألأيمان ، تظاهروا ضد آل سعود ومصر والأردن وكلكم عانيتم من هذه ألدول ، تظاهروا في كل يوم سبت أمام سفارات مجرمي ألأرهاب ، ماألذي يمنعكم وأنتم في أراض آمنه ولا خطر عليكم ؟!".... "ألقتله مصريون وسعوديون ويمنيون ومن بقية ألعربان ...".... "تظاهروا وافضحوا ألقتله وكل من يتعاون معهم علنآ ، صمتآ ، نفاقآ أو مجاراة ، ماذا تنتظرون ؟؟"إني أضمّ صوتي الى نداء الأخ جواد المحترم وأرجو من الأخوة والأخوات الكرام وخصوصا المقيمين في المدن التي توجد فيها سفارات وقنصليات الدّول التي تسمح لشبابها الطّائش للتدريب والذهاب الى العراق لقتل الشعب المسكين وتحذيرهم من مغبة هذه الأعمال التي تُـعدّ من صنوف جرائم ضد الأنسانية والأفساد في الأرض.ومن ناحية أخرى أوجّه نصيحتي الى الكتاب الكرام أن يضعوا جانبا وسوسة الشيطان والكلام المنفعل ويتصلوا بزملائهم في المهجر لتحقيق المقترحات التي طرحوها في أدبياتهم للوصول الى الأهداف المطلوبة في تحرير العراق من مختلف أصناف الأحتلال: الأجنبي والعربي والتكفيري والأجرامي بكل أشكالها واستعادة المبادرة العراقية الحرّة الطيبة بعون الله. والسؤال الأخير:هل أنتم مستعدّون؟موفق مباركة – كندااشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha