( بقلم : طالب الوحيلي )
لم يمر نهار الأربعاء المنصرم بهدوء حتى استقبل مساءها بسلسلة انفجارات مرعبة ،حيث تلاقت اصداءها ودخانها مع صخب منبهات سيارات الإسعاف والإطفاء وقوات الأمن ورعب مستتر يرتج في قلوب القافلين الى أهاليهم بعد يوم عمل مضن وهواجس تتقاذفهم مما ينتظرهم من اخبار .ثلاثة انفجارات بددت نشوة الفوز الذي أزفه لاعبوا الاولمبي ليثبتوا بكل تواضع ان العراق قادم لا محالة الى ساحات الحياة بقوة وجدارة ،حيث تزامنت تلك الانفجاريات وكأنها رد فعل طائش على فرح عراقي يتحدى تمرد الطغيان التكفيري الصدامي ،ولعل انفجاري الصدرية ومدخل مدينة الصدر قد توحدت فيهما الخطوط والجراح والصراخ بشكل مباشر ،وقد قرع جرس الانذار في بيوت مدينة الصدر لان ابناءها يتواجدون ضمن هذه الدائرة ،جار سني يقطن في محلتي هرع هائما على وجهه حين علم ان ولده قد جرح في الصدرية وجار كردي ايقن ان ولده قد تمزق الى أشلاء وسط ذلك الانفجار ،قد يضن البعض ذلك تسويق إعلامي على المكون العراقي في هذه المناطق ،لكنها الحقيقة فابناء مدينة الصدر مازالوا على تكوينهم الذي ألفوه ولم تؤثر فيهم ردود الأفعال الطائفية ،اذ بقي إخوتهم السنة في ديارهم يعانون مع الآخرين مرارة الإرهاب التكفيري الصدامي الذي غزى البلاد ،وعدد من بنائهم استشهدوا بتلك التفجيرات وقد اختلطت أشلائهم مع بعض فلا تكاد تميز بينها لذا تجاورت مجالس عزائهم ،وملعون من يفرق بينهم الى يوم الدين ..
يجمع الكثير على ان الصدرية هي العراق المصغر الذي يعكس حقيقة نسيجه ،فهي تجاور مرقد الشيخ الخلاني وهو احد سفراء الإمام صاحب الزمان (عج) الأربعة وهو محل قدسية جميع أهالي بغداد ورمز من رموز تراثهم ،فيما يقع بقربه مرقد الشيخ عبد القادر الجيلاني شيخ الصوفية ومصدر تراثها ..وبينهما أحياء وأزقة تلم شمل مجتمع عراقي من الكرد الفيلية والعرب دون تمايز مذهبي بينهم فضلا عن بقية الطيف الاخرى، لاسيما حين تلتقي تلك الوجوه في سوق الصدرية الممتاز ببضائعه المنزلية وسلعه اليومية ،شارع الكفاح بامتداداته وساحة الوثبة المطلة على اهم مركز تجاري او معاشي في بغداد ،محيط بغدادي متأصلة فيه المحبة والنقاء والالتزام ،لكن هذا الروض لابد ان تدنسه الشواذ التي تقطن في منطقة الفضل اوغيرها لتكون في بادئ الامر حواضن للإرهاب بما جبلت عليه من بيئة معبأة بالحقد الطائفي مادامت مطية للجهل والفقر ،فتحولت الى اخطر موطئ قدم للعصابات التكفيرية والصدامية حيث أدت الى شل الحركة التجارية او إضعافها بسبب عبث تلك العصابات لاسيما في منطقة الشورجة والباب المعظم دون ان تتمكن الخطة الأمنية من فرض القانون والنظام في حدود حي شعبي متهتك الجدران ،مما جعلها تشكل معقلا خطيرا للإرهاب في اهم منطقة في الرصافة التي شهدت التنفيذ الكامل لخطة فرض القانون أكثر من الكرخ ،ذلك ما يضعنا أمام تقييم فعلي لنجاح هذه الخطة يتجاوز الخطابات والبيانات التي يطالعها المواطن يوميا في الوقت الذي لا يستطيع ان يخمن مرور يوم في بغداد دون وقوع مجزرة ..
كوارث الصرافية واستراحة مجلس النواب وانفجار مرآب كربلاء والصدرية ومدخل مدينة الصدر والكرادة والجادرية وغيرها من التفجيرات التي استشهد اثرها اكثر من 400 مواطن وجرح أضعاف ذلك العدد وفي غضون عشرة ايام ،هي خسائر فادحة ونتيجة غير مقبولة لما وصلت اليه خطة فرض القانون ،اذا افترضنا انها تسير باطراد وتتطور تكتيكيا ولوجستيا ،مع ما يذاع عنها من القاء القبض على اعداد كبيرة من المتهمين والضالعين بالجرائم الإرهابية!!..او يتحقق فعليا من تطهير لبعض المناطق التي كانت ساقطة تماما بيد الإرهابيين الذين تركوا مقراتهم وهي عبارة عن مسالخ ماتزال عالقة فيها اثار القتل والذبح وبقايا الاشلاء،مع استنفار لوسائل الاعلام الصديقة كي تكشف الوقائع التي ظلت عائمة لدى البعض ،في وقت ينبغي استثمار اي تقدم ميداني او سياسي من اجل تضييق المسافات التي تتحرك بها فلول القاعدة وعصابات الصداميين حيث انفرزت تماما عن القوى التي ترغب اليوم اكثر من ذي قبل في البحث عن الحلول الواقعية لإنقاذ العراق من فتنة الاقتال والحرب الأهلية التي يريد أعدائه إيقاعه فيها ،فيما تتضاءل قدرات قوات الأمن بإزاء معالجة العمليات التفخيخية للانتحاريين ما دامت لا تمتلك الوسائل العلمية والعملية في كشف المتفجرات التي قيل عنها بامكانية استخدامها من قبل القوات العراقية، ولكن السؤال الملح هو متى سيجري ذلك ..
وعلى الصعيد المخابراتي الا يجدر تكثيف الجهد الميداني عبر نشر أعداد كبيرة من الأمن السري وتطويع عناصر مدربة ومجهزة بمعدات مناسبة لتكون بمثابة أجهزة إنذار مبكر لاي تصرف او حالة شاذة ،فالوقاية خير من العلاج ،والمعركة اليوم ضد الارهاب هي الفيصل في نجاح المشروع السياسي للحكومة العراقية او لامريكا وحلافائها في العراق ،وغيرها من القوى الخيرة في العالم ،بل ان ما حصل من تقدم كبير في حياة المواطن يعد هشيما تذروه رياح الانفجارات ،وليس ذلك من قبيل الشاؤم ولكن هو ما يقرأ على وجوه القوم في وسط كارثة ما..
https://telegram.me/buratha