المقالات

العراق بين مفهوم التحرر وإشكالية الاحتلال

1446 23:34:00 2007-04-18

( بقلم : طالب الوحيلي )

مأساة الشعب العراقي كانت بالسلطة الغاشمة التي حكمت وادي الرافدين طيلة حكم الطاغية صدام المعدوم ،وقد قدم هذا الشعب الكثير من الدماء والتضحيات بين قتل وسجن وإعدام او السجون المظلمة او التغييب الأبدي عبر الإذابة بالتيزاب او الفرم بالمفارم البشرية او الحرق او الدفن بالمقابر الجماعية ،وقد ضرب هذا الشعب أندر مثالا عن الصراع ضد نظام تعدى أوصاف الفاشستية او البربرية او غيرها ،بل جمع كل صفات وابتكارات النظم الاستبدادية التي حكمت شعوبها في العالم اجمع ،واذا كانت لكل نظام في العالم ميزة ما فان ميزة النظام الصدامي البعثي انه تفوق على كل الطغاة بابتكار وسائل القتل وقواعد إذلال الشعب العراق او إفقاره وتجويعه وإذلاله وسوقه في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل وهو يرى بام عينيه كيف تباد الجموع وتكدس الأجساد او تترك بلا دفن فتغمرها الأوحال او تندرس في رمال الجبهات ،لتتحول تلك الهزائم عبر وسائل وأبواق الإعلام المأجورة الى انتصارات خارقة .

اكثر من خمسة وثلاثين عاما عاشها العراق في ظل سياسة همجية أوصلت العراق الى مهاوي التداعي والانهيار عدة مرات ،كان آخرها احتلاله من قبل القوات المتحالفة ،بعد ان أمهلته أكثر من عشر سنوات من هزيمته في حرب تحرير الكويت ،وتلك المهلة كانت اثر خطأ في الحسابات الدولية التي رسمت سياسة الشرق الأوسط ، وتحكمت بقطع لعبه قطعة قطعة ،فلا احد من قادة الانظمة العربية متحرر فعلا من الهيمنة الأجنبية ،والجميع سائر في دوامة تحفزها المصالح الدولية وتتقاذف بمفرداتها الإستراتيجية العالمية ،فقد كان النظام الصدامي اللعبة المثالية في تغيير الكثير من مراكز القوى في العالم ،وكان المطية الطيعة لتنفيذ سياسات أدت الى إخفاقات كثيرة في تخلص العالم العربي من التبعية والخضوع لمنطق القوة والاستبداد ..

الشعب العراقي اكثر الشعوب تحفزا للثورة والانتفاض على جلاديه ،وقد عرف في تاريخه السياسي صفحات ناصعة من المجد ،بل ان ثورة العشرين كانت مثالا كبيرا لحركات التحرر العالمي ،وقد أعقبتها انتفاضات وثورة تحررية كادت ان تكون مصدر الإشعاع الثوري والفكري للعالم بأسره لولا تكالب قوى الاستبداد عليها مما أجهض هذه الثورة والقضاء على أنموذج جديد في الشرق المترنح تحت أهواء الامبريالية العالمية،حيث استمر خضوع العراق لنتاج مسخ لذلك الانحسار ،حتى حانت الانتفاضة الشعبانية او انتفاضة اذار عام 1991 والتي كانت ثورة شعبية صعقت القوى الدولية الزاحفة لاحتلال بغداد بقيادة نورمان شوارسكوف ،وإفساح المجال لفلول النظام المهزوم باستعادة قوته وسطوته على الشعب العراقي ،حيث استخدم كافة اسلحته المحرمة والاستراتيجية التي كان قد عبء بها جيوشه لادامة بقاءه في الكويت ،والتي انتكصت منكسرة لتصب حمم غضبها على الأبرياء من سكان مدن الجنوب والوسط والشمال عبر اكبر مأساة إنسانية لم يعرف الكون مثيلها ،ومع ذلك لم تبدر من العرب وأنظمتهم نامّة تنم عن أدنى شعور بالرفض لذلك النظام ،بل بل العكس فقد درء عن تلك الأنظمة ما كانوا يخشونة من قيام حكومة لا تنسجم مع أنماطهم الطائفية او الدكتاتورية ،فأرادوه نظاما ضعيفا مهانا مثقل بالديون والهلع ،بدل ان يحل ما يمكن ان يقض مضاجعهم ،وعلى راي المثل العراقي (شين الذي تعرفه أحسن من الزين الذي لا تعرفه)..تلك هي مقدمات احتلال العراق ،وهي استذكار متواضع للبعض الذي اذهلته نعمة النسيان ليكفر بما تحقق من منجز لا يحلم به احد، او لنقول تحريره من الظلم الصدامي الذي كان أمنية صعبة المنال لجميع الشعب العراقي حتى المقربون منه ماداموا مشروع قتل من مشاريعه اليومية ،وكتأكيد على ذلك ما تلوكه السنة القادة العسكريين بمناسبة الذكرى الرابعة لسقوط الطاغية ،والتي تدل على عدم رغبة أولئك القادة على القتال من اجل صدام وهم يعلمون النتائج مسبقا ،وجل أحاديثهم وجها لوجه مع الإعلام العرابي الذي يكرر بكل بلاهة مصطلح سقوط بغداد وعدم التجرؤ على إعلان سقوط صدام توأم أنظمتهم والذي سقط فعلا بيد الشعب العراقي حين شنقه أمام العالم وعبر محكمة عراقية ، لا يد للمحتل فيها وهو الذي ما كان يود إعدامه فعلا ..فبغداد لم تسقط بيد الاحتلال الا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1483 وهو ما شاركت بإصداره سوريا وغيرها من البلدان العربية او سكتت عنه ،في الوقت الذي سعى السيد محمد باقر الحكيم (قده) الى التحرك عربيا وإقليميا من اجل توضيح مخاطر هكذا قرار والحيلولة دون إصداره ،ومع ذلك فقد اصدر مجلس الأمن الدولي قرار بإعادة السيادة للعراق عبر قرار دولي هو 1546 وتحول قوات الاحتلال الى قوات دولية مهمتها فرض الأمن في البلاد لغاية تطوير الجيش وقوات الأمن العراقية لكي تنهض بمهامها في السيطرة على الملف الأمني ،فيما شارك أكثر من 12 مليون ناخب في اختيار الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور الدائم ،واكثر من ذلك العدد في الاستفتاء عليه حيث شاركت جميع محافظات العراق ،وخصوصا المحافظات المعارضة للعملية السياسية وبرعاية الجماعات الارهابية فيها !!املا في إفشال الاستفتاء ومع ذلك حصل على النسبة القانونية المتفق عليها ،لتجري اول انتخابات نيابية عامة حقيقية في العالم العرابي ،وبمشاركة الجميع ايضا ..

السيادة العراقية برغم الخلل الواقعي الذي تضطلع به القوات المتعددة الجنسيات عبر سياسة الكيل بمكيالين ،وتجاوزها الفاضح على هذه السيادة ،فإنها تسير عبر طريق وعر من الصعاب والمشاكل التي تلعب المصالح الإقليمية فيها الدور الأخطر ،ولعل لسان حال رئيس الجمهورية الدكتور جلال الطالباني في اجتماعات القمة العربية في الرياض، يعبر عن الامتعاض من المواقف المعلنة والمضمرة التي تقلل من شأن الحكومة العراقية الحالية ،ولسان حاله يقول لهم : (من منكم انتخبه شعبه انتخابا حقيقيا وبنسبة اكثر من12 مليون ناخب كما انتخبت ،فانا الوحيد من بينكم من انتخبني شعبي وان حكومتي الوحيدة في منظومتكم هي الشرعية) !!

الشعب العراقي لا يركن الى ضيم او يذعن الى ظلم ابدا ،ولا سيما منطوق الاحتلال فلا احد يرغب به او يتمنى بقاءه الا القوى التي رفضت العملية السياسية او لنقول رفضت تغيير النظام الصدامي ،فقد أعلنت في بادئ الأمر محاربتها للاحتلال لتتحول منه الى قتل أبناء شعبنا من رجال الشرطة والحرس الوطني وسعت واحتضنت مجرمي القاعدة والوافدين الأجانب والعراب ،مطالبة بهدنة مع المحتل وتشديد قتالها ضد الأبرياء من الكسبة والاطفال والنساء تحت عنوان محاربة الحكومة (العميلة) ومن يتعاون معها ،مما يعني تعميم استهداف الشعب دون تمييز بين طائفة او اخرى لان الحكومة هي حكومة وحدة شعبية تضم كافة أطياف الشعب العراقي ،في المقابل كان الموقف الشعبي العام للقوى المتصدية للعملية السياسية وهي ذات التاريخ الجهادي والنضالي الحافل بمقارعة النظام الصدامي ، قد حددت موقفها من الاحتلال وأعلنت رفضها له ،متخذة من الطرق السلمية والعصرية وسيلتها في احتواء الواقع المتردي واشكالياته والتمكن من استعادة مكانته العراق الدولية التي يستحقها فعلا بعد سني الحكم البائد الذي عزله من مصاف الحضارة الإنسانية وهمشه كثيرا بما لا يليق به وبحضارته وموقعه في حركة التاريخ ،فضلا عن ذلك الموقف المعلن والصريح للمرجعية الدينية العليا التي حددت الخطوط العريضة منذ العمليات الأولى لتحرير العراق ،عبر بيانات وفتاوى رافضة للاحتلال ومقررة للوسائل السلمية المتاحة للتعامل معه ،وبهذه المناسبة وحول تساؤلات البعض عن ترك التطرق في أكثر خطب الجمعة للاحتلال، أجاب إمام جمعة كربلاء المقدسة يوم 13/4/ 2007"إن فتاوى المرجعية الدينية العليا منذ بدء الاحتلال قد دعت إلى الاقتصار في التعامل مع المحتل على الضرورة القصوى، وحصره في ما فيه مصلحة الشعب العراقي والوطن وحفظ حقوقه وحرمت ما دون ذلك" وأضاف "إننا نعتبر العراق بلداً محتلاً من قوى أجنبية وعلينا أن نسعى جميعاً لإزالة الاحتلال وآثاره وآثار الإرهاب الذي يطال أبناءه" وعدد معتمد المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي جملة من الاجراءات التي يجب اتخاذها من أجل تحقيق تلك الأهداف كان أولها عدم إعطاء مسوغٍاً لبقاء المحتل وذلك بالعمل على توفير الأمن"وذكر الأمر الثاني حيث قال "يجب السير في العملية السياسية وفق موازين العدالة من خلال إتباع أسلوب الانتخابات في تداول السلطة والإقرار بما تفرزه هذه الانتخابات من نتائج من جميع المشاركين فيها دون الالتفاف حولها " وانتهى بذكر الأمر الثالث "لا ينحصر خروج المحتل بالحل العسكري فقط فهناك شعوب كثيرة استطاعت الوصول لأهدافها في إخراج المحتل باستخدام الحل السلمي ".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك