( بقلم : محمد راضي )
اعتقد أنها ثواني قليلة مرت ما بين الانفجار وسقوط جزء من الجسر في نهر دجلة. وانا واثق انها اسابيع وايام طويلة مرت والايدي الخبيثة تخطط وتنفذ عملية تلغيم دعائم الجسر ليتم تفجيره بهذه الطريقة.ولكنها كانت لحظات مؤلمة وطويلة على نفسي وانا اشاهد اغتيال الجسر من على شاشة التلفاز . لقد استرجعت ذكريات جميلة عمرها 40 عاما وانا احتضن هذا الحبيب . تذكرت عندما كنا ندفع سيارتنا القديمة عند عطلها على الجسر. وتذكرت كتابة اسماؤنا والذكريات بالطباشير على اعمدة الجسر وكيفية تسلقنا تلك الاعمدة الضخمة وكيف ارتطم راسي مرة باحد اعمدة الجسر.وتذكرت كيف حاصر رجال الشرطة المتظاهرين من الطلبة في العهد العارفي على مدخل الجسر لينهالوا عليهم ضربا بالعصي ( الدونكي) .
وتذكرت عندما خرجنا مرة في تظاهرة ولا نعرف لماذا خرجنا وليس لدينا شعارات نرددها وعندما وصلنا الى مستشفى الكرخ اخذنا نردد الاهزوجة التي اشتهرت حينها (هاهاها مستشفى الكرخ الجمهوري) وتذكرت انني جالس على احد اعمدة الجسر ويمر موكب تشييع جنازة عبد السلام عارف بعد ان (صعد لحم ونزل فحم).
وتذكرت ايام الصيف الحارة والسباحة في دجلة واكل الرقي مئات المرات ولعبة كرة القدم على الشاطى المحاذي للجسر.وتذكرت عندما كنا نقرأ تحت اعمدة الانارة قبل امتحانات البكلوريا. ولم استطع ان احصي كم مرة عبرت هذا الجسر مشيا على الاقدام. وتذكرت انني مرة اوقفت سيارتي عمد ا وسط الجسر متظاهرا بعطلها بعد ان ازعجني سائق خلفي بكثرة استعماله(الهورن)مما سبب بوقوف طابور طويل من السيارات خلفي. وتذكرت كيف كنا انا وبعض الاصدقاء نجلس في الجانب القريب من قصر البلاط كي نعود منتصف الليل مشيا ونحن نردد الاغاني والنكات والسوالف الحلوة ونعبر الجسر الى بيوتنا.
ومن الاصدقاء من استشهد في الحروب ومنهم من توفي في السجن ومنهم من هاجر ومنهم من اختطف وقتل (في عصر الديمقراطية) وتذكرت انني اخذت اولادي للسبح ولم يكن عمرهم قد تجاوز سنتين.هذه بعض لمحات من ذكريات جميلة مع هذا الحبيب وقد تطول لو حاولت ان اعددها فلكل رجل وامراة ولكل طالب وطالبة ولكل شاب وصبية وطفل من اهالي العطيفية حكاية مع هذا الحبيب. لقد ان الاوان لاهالي العطيفية ان يلبسوا السواد حتى يتم اعادة الحياة لهذا الحبيب. ان الايدي الخبيثة اللقيطة التي مست هذا الصرح هي نفس الايدي التي نسفت الجسور في الحرب العراقية الايرانية وهي نفس الايدي التي نسفت الجسور في انتفاضة عام 1991 وهي نفس الايدي التي مست صرح الامامين العسكريين الطاهرين في سامراء .
وهي نفس الايدي التي مست شارع الادب والتراث المتنبي.لكنها لا تستطيع ان تمس قلوبنا ففي قلوبنا مبادى الامامين العسكريين. وفي قلوبنا ارث العراق والمتنبي. وفي قلوبنا الف (جسر صرافية) ولان استشهد شهيد فسوف يقوم من صلبه الف الف شهيد. وكما قال اميرنا ( علي ابن ابي طالب عليه السلام) نحن بقايا السيف انما عددا واكثر ولدا.
https://telegram.me/buratha