( بقلم : نضير الخزرجي )
من وحي زيارة قمت بها إلى العراق في العام 2003 وأخرى في العام 2004، قدمت حينها إلى الحكومة العراقية اقتراحين، عبر ما نملك من قلم، ومن خلال لقاءات شخصية في لندن وبغداد مع عدد من أعضاء الحكومة ومجلس النواب، وكان الاقتراح الأول يهدف إلى حماية الجسور ومنع احتلال بغداد وتقسيمها إلى كرخ ورصافة، والثاني تأمين الطرق الخارجية وحماية المسافرين من قطاع الطرق والعصابات التي لبست الكثير منها لبوس المقاومة! فضلا عن اقتراح منفصل في مقالة منفصلة وأحاديث خاصة دعوت إلى نقل العاصمة من بغداد.
ولم تر الاقتراحات قبولا لدى السلطة، حتى وان تعرض جسر محمد القاسم إلى التفجير ومن بعده جسر الصرافية، وحتى وان مات الآلاف على الطرق الخارجية، ولما كان الخير معقودا في نواصي خطة أمن بغداد، أضع من جديد بين يدي حكومة المالكي الاقتراحين الذين عرضتهما في مقالة تحت عنوان "اقتراحان إلى السلطة لضمان أمن المواطن وممتلكاته" نشرت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2004م، وأتمنى أن تفكر حكومة الوحدة الوطنية في اقتراح نقل العاصمة.. كتبت في حينها:لم يكن الاستيلاء على ممتلكات الدولة في العهد البائد أبان الاحتلال الأميركي للعراق بعمل سليم يمت إلى الوطنية، في المقابل ليس من الوطنية والإسلام الاعتداء على ممتلكات الدولة تحت مدعى المقاومة وأشباهها، وليس من الإسلام القتل على الهوية والمذهب تحت زعم التصدي لرجالات السلطة، وليس من العدل أن تقع الأكثرية تحت حراب الطائفية السياسية في العهد البائد والعهد الجديد، وعظام المقابر الجماعية لمّا تُرَمّ بعدُ!هناك أكثر من "ليس" عاشها العراقيون وراء قضبانها الصدأة منذ أكثر من ثمانين عاما، ولا زالت الإجابة ناقصة حتى يومنا هذا، مثلها مثل ليس الناقصة.
يشهد العراق اليوم هجمات متزايدة على ممتلكات الدولة مثل الجسور وعلى الحافلات في الطرق الخارجية والداخلية، واعتداءات على الأسواق والأماكن العامة، وعمليات مسلحة بالضد من مخافر الشرطة التي وجدت أصلا لإشاعة الأمن في البلاد التي ما إذا غاب فيها الأمن لم يسلم معاش الناس وتعرضت الحرمات للهتك، وهو ما لا يرتضيه شرع أو قانون أو عقل، مع ملاحظة جد مهمة وهي أن المعارضة العراقية إبان حكم صدام حسين – رغم عدم ايماني الشخصي بجدوى عملياتها المسلحة- لم تكن تتعرض لمراكز ومخافر الشرطة بوصفها مخافر لحماية أمن المواطنين قبل امن النظام.
لا اعتقد أن مثل هذا الكلام سيدخل في ذمة أولئك الذين يعرضون أمن المواطنين وحرماتهم للهتك تحت مسميات مختلفة، ويقتلون الناس على الهوية الطائفية والسياسية، ولكن بالتأكيد إن على السلطة في العراق أن توفر ما أمكنها الأمن للعراقيين، وهنا اقتراحان.أولا: عاشت إيران الثورة ظرفا شبه مماثل للظرف الذي يعيشه العراق اليوم، حيث اشتعل الصراع بين السلطة وحركة مجاهدي خلق، وخشيت السلطة من أن تلجأ الحركة إلى تفجير الجسور في المدن الإيرانية الداخلية والخارجية، فعمدت السلطة مسرعة إلى بناء غرف كونكريتية تحت نهايات الجسور المهمة والحيوية، وبذلك غيّبت آية فرصة لزرع قنبلة تحت مهابط الجسور، وفي الوقت نفسه حولت هذه الغرف إلى مخافر حراسة، ومع مرور الزمن أزيلت الحراسة وأبقيت على الغرف الكونكريتية، وهي قائمة إلى اليوم رغم مرور ربع قرن على الحدث.
واعتقد إن مثل هذه الغرف الكونكريتية أو شبيه ذلك خطوة مفيدة للعراق في ظرفه الحالي، وإلا ماذا يعني أن يتعرض جسر اللطيفية الرابط بين بغداد بوسط وجنوب العراق، على سبيل المثال، إلى التفجير مرتين في غضون أسبوعين؟ ويتعرض معها سكان الجنوب والوسط إلى القتل والذبح والتقتيل على الهوية والمذهب من قبل مجموعات أساءت إلى المذاهب السنية الأربعة قبل أن تنال من مذهب الأكثرية في العراق الذي يشكل سكانه أكثر من ثلثي سكان العراق.
ثانيا: كانت الطرق الخارجية في العهود السابقة قبل عصر الحافلات والمراكب تصان بواسطة إقامة الخانات والمنازل الكثيرة على جانبي الطريق، وفي عهد السيارات استبدلت الخانات في البلدان المتطورة بالاستراحات الكثيرة العاملة ليلا ونهارا، فبين كل بضعة كيلومترات استراحة ومحطة وقود وبعض الاستراحات مجهزة بفنادق، وبإزاء الطرق السريعة وعلى طولها يوجد طريق خاص لحركة سيارات النجدة، فعندما يقطع المسافر الطريق ما بين لندن ومانجستير على سبيل المثال، فانه يلتقي بعشرات الاستراحات على جانبي الطريق، ورؤية الاستراحات والسيارة مسرعة تزيد من طمأنينة النفوس، ناهيك عن نظافتها إذا ما نزل فيها السائق وركابه.أما في العراق فإنني على سبيل المثال قطعت الطريق بين الأردن وكربلاء وسوريا وكربلاء ثانية عبر طريق النخيبة- عرعر الصحراوي متجاوزا المرور عبر الرمادي، فلم ألحظ استراحة واحدة، وحتى في الطريق السريعة التي قطعنا منها نحو 160 كيلو مترا باتجاه الرمادي، فإنها ضمت اقل من أصابع اليد الواحدة من الاستراحات وهي غير متكاملة أصلا، فضلا عن هذا فان مخافر الشرطة تكاد تكون اقل من الاستراحات نفسها، أي أن المسافر يدخل العراق ويده على قلبه خشية وقوعه تحت حراب المجموعات المسلحة التي تخطف الناس على الهوية!
ولا شك إن غياب الاستراحات الكثيرة وغياب نقاط التفتيش يغري المجموعات المسلحة وعصابات الخطف بأخذ الطرق السريعة طولا وعرضا دون وازع من ضمير داخلي أو شرطة خارجية، والمشكلة التي يعاني منها الناس أن القوات المتعددة الجنسيات عندما تغلق الشوارع الرئيسة لأمور أمنية خاصة بها تدفع بالناس والحافلات إلى اتخاذ طرق فرعية كما هو الحال في اللطيفية، وفي هذه الطرق يتعرض الناس للخطف والسلب والقتل على الهوية، وقد لحظت قرب منطقة عون أن بعض الشباب فضل السير مشيا على الأقدام كيلومترات عدة في الطريق العام نحو كربلاء المقدسة، بعد أن حولت القوات الأجنبية السيارات القادمة من بغداد إلى الطرق الزراعية. فالقوات الأجنبية في مثل هذا الأوضاع الأمنية المتردية تبحث عن أمنها وتترك أمن المواطن لكماشة المجموعات المسلحة، وهذه المسألة ينبغي على السلطة أخذها على محمل الأهمية لئلا تتجه الناس إلى حماية نفسها بنفسها وبالتالي إعطاء المجموعات المسلحة ومن وراءها، مرامها في إغراق العراق في بحر من الحروب العشائرية والطائفية.
هذان مقترحان علها تأخذ بهما السلطة في العراق لحماية أمن المواطن وممتلكات العراق مادامت المجموعات المسلحة لا تفرق بين مقاومة مشروعة وعدوان جائر، وتنسى النص القائم على ضرورة أن يكون للبلاد والعباد أمير، بر كان أو فاجر.
مفارقة: الذين تمنوا على القوات الأميركية إنهاء التيار الصدري، وانشرحت صدورهم لصور تسليم الأسلحة، يشعرون اليوم بالأسى معتبرين أن تجريده من أسلحته التي لم يرفعها ضد السلطة ابتداءا،ً أغرى بعض المجموعات المسلحة النائمة بالخروج من أوكارها مرتدية أكثر من لباس.
https://telegram.me/buratha