( بقلم: حسن الهاشمي )
ينقل السيد عباس الكاشاني وهو أحد العلماء المعاصرين ومن أبرز وكلاء المراجع، عن الأيام التي جيء بالشباك المقدس لأبي الفضل العباس عليه السلام من إيران أيام مرجعية الإمام الحكيم، فأنه انتخب اثنا عشر رجلا لاستقبال الضريح والكاشاني أحدهم.
يقول السيد سافرنا من العراق إلى مدينة كرمانشاه بانتظار الشباك الذي تشرف بصناعته أهالي أصفهان، والقافلة التي انطلقت من المنشأ والتي تحمل الصندوق المكرم لأبي الفضل العباس كلما مرت في مدينة من المدن فإنها تغلق الأسواق وتخرج عن بكرة أبيها لاستقبال الضريح المقدس، إذ ترى الناس زرافات ووحدانا على شكل مواكب العزاء يطوفون حول ذلك الشباك الذي تشرف بذكر العباس عليه السلام، ما بين ضارب على ظهره بالسلاسل وضارب على رأسه وصدره حزنا على المولى المقدس وما ألم به من رزايا وخطوب، وترى المنظر ما بين صراخ وعويل وبكاء وهو ديدن شيعة أهل البيت، حتى ترفرف راية المنقذ من بين الركن والمقام، حتى نسمع صهيل الخيول المهدوية المطهمة، تطوي المنازل طيا حثيثا باتجاه العراق، حينئذ يمكن أن تهدأ الرنة، ولا أظنها تهدأ قبل ظهور راية الحق، ولتجديد العهد والوفاء لأهل بيت العصمة والكرامة فهاهم شيعتهم يحتفون بآثارهم وكل ما يمت إليهم بصلة.
يقول السيد الكاشاني وبقي الاستقبال على هذا المنوال إلى أن وصل الضريح إلى مدينة كرمانشاه وكنا في استقباله، وأيضا خرج الناس هناك صغارا وكبارا نساء ورجالا، للتبرك والتمسح بالشباك الشريف، وهذه الظاهرة استمرت حتى بعد اجتياز الحدود العراقية، فما مر بمدينة أو قرية حتى أن الناس قد أغلقت أبواب محالها وأسواقها، خارجة على شكل مواكب عزاء لاستقبال ضريح البطل الضرغام، إلى أن وصل الموكب إلى مدينة بعقوبة، وهي كما معلوم فيها شيعة وسنة، عرب وأكراد، بيد أنه وبعد وصول الضريح المقدس إليها خرج الأهالي جميعهم بغض النظر عن انتماءهم الطائفي أو العرقي، أهل القافلة قد أصابهم الإعياء والتعب، يقول السيد أن أهالي بعقوبة اختطفونا، كل واحد يريد أخذ مجموعة منا إلى داره، إلى أن جاء رجل كبير السن اسمه الحاج مراد، أخذ منا مجموعة يقول أنا كنت واحدا منهم إلى داره وتبين بعد ذلك أنه من أهل السنة والجماعة، وقال لهم بنيت داري هذه منذ أكثر من شهرين، وعندما سمعت أن الشباك المقدس من المؤمل أن يمر بمدينتنا في طريقه إلى كربلاء المقدسة، ما سكنت فيها أردت أن تطأ داري قافلة الضريح المقدس تبركا وتيمنا لسيدنا العباس عليه السلام، فأكرمنا وضيَفنا غاية الإكرام والضيافة.
يقول إلى أن وصلنا بغداد خرجت جموع الناس من كل حدب وصوب لاستقبال هذا الصندوق المبارك، والشيء العجيب الذي حدث في بغداد هو أن من ضمن الذين خرجوا لاستقبالنا اليهود والنصارى، ولا أنسى تلك المرأة المسيحية التي كانت تحمل طفلها المريض الميؤوس من حالته المتردية، إذ أنها هرعت إلى السيارة الناقلة، فأخذت تمسح بيدها على الشباك وتمسح به على بدن ابنها المعلول طلبا للشفاء والبراء، وفي اليوم التالي أخبر والد المريض السيد إننا عازمون على الذهاب إلى كربلاء لزيارة أبي الفضل العباس كي نشكره على تلطفه بشفاء ابننا، هذه المنة التي من بها علينا، وطالما عودنا العباس عليه السلام بكرامته وجوده وسخاءه وفضله.وأي استقبال للضريح المقدس عندما وصل إلى كربلاء! حضر كبار العلماء والشخصيات المرموقة وكافة المؤمنين من كل الأصناف، وأقيمت الاحتفالات الأدبية والشعرية، احتفاء بذلك اليوم الذي ظل محفورا في ذاكرة المدينة، وكأني بكلمات من نور تتألق في السماء، تؤكد على أن ضريح العباس يبقى وإلى الأبد متوهجا في قلوب العاشقين.
https://telegram.me/buratha