حسين جلوب الساعدي ||
الشيعة الامامية الاثنى عشرية أوسع فرق الشيعة انتشاراً وتأثيراً واغزر نتاجاً في أصناف العلوم الإسلامية واكثر مساهمتاً في المشاركة ببناء الحضارة الإسلامية ولهم خصوصيتهم العقائدية والفقهية والسياسية في التاريخ .
تأتي قراءة دور الشيعة السياسي وحضورهم في تشكيل خارطة العالم الإسلامي أهميتها من خلال قراءة اهم محطات تاريخهم السياسي الذي مثل الامام الخميني الشاهد والشاخص والدليل على حيوية وقوة وامتداد وتأثير الدولة الإسلامية في التعريف والتعرف على الشيعة وموقعهم في الحراك العالمي .
واخذ دور الشيعة بالظهور السياسي في عصور ثلاثة وهي :
اولاً : عصر الدولة البويهية (334هـ - 448هـ) .
ثانياً : عصر الدولة الصفوية (914هـ - 1148هـ) .
ثالثاً : عصر الجمهورية الإسلامية (1399هـ) .
وفي تلك العصور اخذ التشيع امتداده وانتشاره وقوته وظهوره وازدهاره وتأثيره حيث لكل عصر من العصور خصائصه واثاره على الوجود الشيعي الذي نعرضه باختصار لمعرفة موقع الثورة والدولة الإسلامية وقائدها ومؤسسها الامام الخميني (قدس سره) فيها .
اولاً : الدولة البويهية (334هـ - 448هـ):
وهي دولة شيعية بسطت سيطرتها على ايران والعراق اكثر من 120 سنة (334هـ - 448هـ)، وكان ابرز ملامحها واثارها على الوجود الشيعي ما يلي :
1. اصبح البعد العقائدي الامامي له الأثر والاهمية والامتداد في ظل الدولة البويهية التي رعت الحركة العلمية الشيعية في مركز الخلافة العباسية حتى سهل للشيعة في ظل الحماية البويهية ظهور مدرسة بغداد الشيعية وفيها اخذ التأصيل العقائدي يأخذ الاهتمام الواسع لدى علماء عصر الدولة البويهية وفي مقدمتهم
(الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي وغيرهم) الذين لهم الدور في اكتمال ملامح علم الكلام الشيعي وتطور البحث الفقهي وتأسيس العلوم الإسلامية .
اخذ هذا الأثر في تطور وتأصيل العلوم والمعارف الإسلامية والشيعية
2. ظهور الدول والامارات الشيعية في العراق بعد حكم البويهيين في العراق فكان لهم الدور الكبير في تمكين وظهور الدول الشيعية في العراق والشام فقد صالح آل بويه بين الامراء الشيعة والخلافة العباسية واصبح امراء الشيعة وجودهم وكيانهم معترف به عند الخلافة وآل بويه .
فقد كان هذا العصر ازدهار الشيعة السياسي إضافة للازدهار العلمي فظهرت الدول الحمدانية (317هـ - 406هـ) في الموصل والشام ودولة آل المسيب (380هـ - 496هـ) في العراق والشام والدولة المزيدية (401هـ - 539هـ) في العراق (الفرات والحلة) .
والدولة الشاهينية (338هـ - 501هـ) في اهوار العراق والامارة الدبيسية (363هـ - 1342هـ) فقد ظهر تمكن الدول والامارات الشيعية الذي كان له الأثر في قوة الشيعة السياسية في إدارة الأقاليم للخلافة العباسية .
3. انتشار التشيع في ايران والشام والعراق الذي استمد قوته من وجود الدولة البويهية ودعمها للأمراء الشيعة في ايران والعراق والشام حتى اصبح العالم الإسلامي يتصف بطابع التشيع حتى قيل ان الشيعة في العالم الإسلامي كان اكثر عدد من غيرهم وذلك بفضل وجود دولة قوية تبنت العقيدة الشيعية .
4. ازدهار الحياة الاقتصادية والنظم الإدارية والحركة العلمية واصبح القرن الرابع الهجري من ارقى العصور حتى خصة المستشرق (آدم متز) في كتابه الحضارة الإسلامية في القرن الرابع ليصف هذا القرن بانه (عصر النهضة الإسلامية) تناول فيه ملامح العصر العلمية والأدبية والحضارية .
وهذا التطور يعود الى اهتمام الشيعة في تطوير العلوم الحضارية في ظل الدولة البويهية .
5. تميز العصر البويهي باقتران السلاطين والامراء بوزراء علماء ومتميزون في اهتمامهم للعلوم والمعارف والكتب والادب فكان منهم الصاحب بن عباد وابن بقية وبن سابور والصيمري وغيرهم ممن كان لديهم مساهمات كبيرة في انتعاش الادب والعلوم وهو عصر الرازي وابن سيناء والفارابي وابن فارس وغيرهم فقد كان لاهتمام الوزراء بالمعرفة وتأسيس المكتبات ورعاية العلماء الأثر الكبير في تطور العلوم التي ازدهرت في الدولة البويهية .
اذاً كان آل بويه ودولتهم الأثر الكبير في ظهور المراكز العلمية الشيعية التي أسهمت بتطوير العلوم وكذا الدول والامارات الشيعية التي مكنت الشيعة من الظهور والامتداد وقد لعبت تلك المراكز والدول ادواراً مهمة في تجميع الشيعة وتوحيد صفوفهم ودفعهم لنشر أفكارهم ومعتقداتهم ووجود مناصرة ومعاضدة من امراء بني بويه ووزرائهم .
فقد مثلت تلك محطة مؤثره في دور الشيعة السياسي ومشاركتهم في الحكم واستقلالهم في كثير من الأماكن مع الاحتفاظ بالخطبة للخليفة العباسي الذي كان يمثل رمز وحدة الامة الإسلامية .
ثانياً : عصر الدولة الصفوية (914هـ - 1148هـ) :
ظهرت في ايران وامتد تأثيرها على العراق والهند وشرق اسيا ونقلت التشيع من المشاركة في عصر الدولة البويهية الى الاستقلال الكامل ومن الاهتمام العقائدي زمن البويهيين الى تحكيم الفقه الشيعي واصبح العالم الإسلامي منقسم الى دولتين الصفوية الشيعية ونفوذها الشرق والعثمانية السنية وامتدادها الغرب واخذ التطور في مفهوم الدولة وانتشار التشيع عند مرحلة جديدة وغنية ومؤثرة للمراحل والادوار اللاحقة التي يمكن رصد ابرز ملامحها وهي :
1. ظهور دولة شيعية مستقلة بقيادة العلماء بعد الهجرة الواسعة لعلماء جبل عامل والعراق والبحرين الى الدولة الصفوية وبدعوة من ملوكها وسلاطينها.
2. استحداث منصب شيخ الإسلام للفقهاء في إدارة شؤون الدولة الدينية والشرعية ونشر التشيع حيث اصبح شيخ الإسلام العام الى جنب السلطان بعنوان نائب الامام وهو يوزع هذا المنصب للفقهاء والعلماء في المدن والبلدان حتى اضحى لكل مدينة عالماً ومسجداً جامعاً لإقامة صلاة الجمعة والتبليغ ودراسة العلوم الشرعية .
وكان لشيخ الإسلام رأياً واثراً عند السلطان في تقييم الولاة والامراء والحكام في الاقاليم .
3. تحكيم الفقه الشيعي في شؤون الدولة مثل احكام الضرائب والخراج والقضاء والإدارة وهذا اول مرة في تاريخ الشيعة للإعلان عن الالتزام الفقهي طبق مذهب اهل البيت ليعد تطوراً هاماً في إدارة الدولة وشؤونها .
4. انتشار التشيع بالشرق في الهند والسند والبنكال وبعد تحالف الدول المغولية والصفوية وهيمنة الدول الصفوية على الشرق وكان للدول الصفوية دوراً كبيراً في هجرة العلماء من ايران والعراق والبحرين وجبل عامل الى الهند ونشر التشيع هناك .
وكانت ابرز الدول والامارات الشيعية في الهند والسند التي تأثرت بالدولة الصفوية (الدولة البهمنية، والدولة الاصفية، ودولة اوده لنكهو، ودولة حيدر اباد الدكن، والعادل شاهية، والقطب شاهية، والمير شاهية، وغيرها) وقد اتخذت تلك الدول والامارات المذهب الشيعي لها بتأثير الدولة الصفوية وكان للعلماء والفقهاء مكانة عالية في تلك الدول .
5. ظهور الحركة الإخبارية العلمية التي كان لها الأثر الكبير في تأصيل حركة التشيع وجمع واحياء تراث اهل البيت (عليهم السلام) واعتماد الحديث وتأليف الموسوعات الكبيرة فيه كالبحار والوسائل والعوالم والوفي والتفاسير وتطور علم الرجال وجمع الحديث وتبويبه ونشره، وتعد الحركة الإخبارية من اهم ما مر به التشيع في تاريخه العلمي والفكري .
حيث اغنت المكتبة الشيعية بالنتاج العلمي التي لها الأثر المستقبلي على تطور العلوم والمعارف.
6. تهذيب النزعة الصوفية التي كانت سائدة في العالم الإسلامي وايران منع الممارسة والشطحات الصوفية وردها .
وانبرى علماء الشيعة في ذلك العصر للرد على الصوفية وتصحيح مسارها كالحر العاملي التحفة الاثنى عشرية، والاردبيلي حديقة الشيعة، والفيض الكاشاني المحجة البيضاء، ومحمد طاهر القمي تحفة الاخيار وغيرهم .
اذاً كان للدولة الصفوية اثراً كبيراً في تطوير مفهوم الدولة عند الشيعة والتي أسهمت في نشر التشيع في ايران الهند والسند ونمت في ظلها العلوم الإسلامية وجمع تراث مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) وتصحيح النزعة الصوفية .
ثالثاً : الجمهورية الإسلامية في ايران (1399هـ) :
بقيادة الامام الخميني وهي امتداد لدور العلماء الذي اخذت اثاره منذ قيام الدولة الصفوية وكان لها الأثر الكبير في تطور مفهوم الدول ونشر التشيع والعلوم والمعارف الإسلامية وقيادة الصحوة الإسلامية ورعاية ودعم المقاومة الإسلامية التي يمكن تحديد ملامحها بما يلي :
1. قيام الدولة الإسلامية بقيادة العلماء والمرجعية على أساس ولاية الفقيه التي أعطت للفقيه مهمة إقامة الدولة الإسلامية وقيادته والاشراف عليها .
2. قيادة الصحوة الإسلامية في العالم بتأثير الدولة الإسلامية في ايران لأثارة مكامن الوعي وروح الجهاد والمواجهة ببعدها الفكري والسياسي .
3. رعاية المقاومة الإسلامية ودعمها واسنادها والتواصل معها وحماية قضاياها حتى أضحت المقاومة وامتداداتها في العراق ولبنان واليمن وفلسطين وسوريا عاملاً مهماً في إدارة القضايا الإسلامية العالمية وفي مقدمتها مواجهة الهيمنة الامريكية وادامة الجهاد لتحرير فلسطين .
4. دعم القضية الفلسطينية وجعلها القضية المحورية في العقيدة السياسية الإيرانية لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي ورفض التطبيع ودعم المنظمات الفلسطينية المجاهدة حتى انتقلت حركة التحرير الفلسطينية الى مستوى الفعل والتأثير والصمود في مواجهة المخطط الصهيوني في التوسع والهيمنة على الأراضي الفلسطينية فقد أوقفت الفصائل المجاهدة بقوتها ومساندة الامة لها المشاريع الصهيونية .
5. الدعوة للوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب فقد رعت الجمهورية الإسلامية كل المشاريع والاعمال التي تدعو للوحدة الإسلامية والتي تلتقي في المشتركات الكثيرة لتكون قاعدة للتعاون والتواصل .
واقامت العديد من المشاريع العلمية والثقافية في هذا السبيل ومن ابرزها مؤتمر الوحدة الإسلامية في يوم ولادة النبي (ص) في كل عام والمجمع العلمي للتقريب بين المذاهب .
6. الحركة العلمية في ايران ازدهرت ونمت واثمرت بعد قيام العديد من المؤسسات والجامعات ومراكز الدراسات والتحقيق والبحث والتي افاضت اثارها على العالم الإسلامي .
7. انفتاح جديد وواسع لمعرفة التشيع وخصوصاً في افريقيا وجنوب شرق اسيا التي لم تكن تعرف عن التشيع شيئاً وكان الانفتاح الجديد على التشيع قائم على أسس علمية وروح حوارية وإقناع طوعي .
اذاً الجمهورية الإسلامية في ايران المحطة الثالثة في تاريخ الدولة عند الشيعة التي كان لها الأثر الكبير في تطور مفهوم الدولة الإسلامية وفق مذهب اهل البيت ومساهمتها في بتني القضايا الإسلامية والدعوة للوحدة والتقريب .
فقد كانت الدولة البويهية شيعية عقائدية والدولة الصفوية عقائدية فقهية والجمهورية الاسلامية عقائدية فقهية ولائية (ولاية الفقيه) .
فالأمام الخميني في حركته وثورته ودولته وخطه مثل راس الهرم وسنام تطور مفهوم الدولة الإسلامية .
4/6/2023
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha