الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
عندما نتأمل النظر بنصوص القرآن الكريم والعهد القديم ( التوراة ) والعهد الجديد ( الإنجيل ) تنبلج أمامنا صورة التساير والتوافق بين الكتب المقدسة هذه في مسألة وراثة الأرض في آخر الزمان ، وإن اختلفت النصوص بينها إلا إن المضمون واحد ، بحيث ننظر لموضوع الاستخلاف والوراثة كموضوع مشترك بين الديانات وفق تصور عالمي متفق عليه ، وما نريد الإشارة إليه إن هناك ترابط عضوي لا مفك بينهما ( الاستخلاف والتمكين ) بحيث إذا فُقدَ هذا الثنائي أحد طرفيه لا يمكن له أن يتم عمله أو يبلغ هدفه ، إذ لا استخلاف بلا وراثة ، ولا وراثة بلا استخلاف ، ولا يعني الاستخلاف هو استخلاف إمارة أو خلافة أو حكم إنما هو الإبقاء على الأمة الوارثة التي زرع بذورها نبينا الأكرم ( ص وآله ) ليظهرها على بقية الأمم على يد حجة الله على أرضه الإمام المهدي (ع) ، وكما فرّقنا بين نوعية الاستخلاف علينا أن نفرّق بين مفهوم الوراثة فقهيا وعقائدياً كلامياً ، إذ الأول يتوقف إيجاده على سبب أو نسب أما الثاني فصيرورته واستبقائه تعتمد على الاستحقاق والاهلية والاختيار خاضعة لجملة من الشروط ، ومتى ما توفرت تلك الشروط توفرت الأرضية المناسبة لمفهوم الوراثة المقصود ، كما لا يجب أن ننظر لقضية الوراثة ببعدها الإزاحي الاجتثاثي بمعنى آخر أن وراثة المؤمنين لا تعني هلاك أمة أو أمم أخرى كشرط لقيام الوراثة الحقة وإنما تلك الوراثة استحقت ذلك لقابليتها وأهليتها واتسامها بمؤهلات قل نظيرها عند الأمم الأخرى أو تكاد تنعدم ، لا سيما وأن وراثة الأرض " وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " القصص / 5 من الحتميات الإلهية التي لا يدخل البداء فيها ، كونها من قضاء الله عز وجل الذي لا يُردُّ ، ولأن السننية الإلهية تمتاز بالجريان والشمول الأفقي الامتدادي الذي يتحقق بتحقق الشروط الكفيلة ، وهذه الشروط هي سلسلة مكونة من حلقات وعقبات تتخطاها الأمة الوارثة للوصول إلى تكاملية الدور المُناط بها من ابتلاءات وامتحانات واستضعاف وانتظار وغربلة وتمييز لتصهر بالأخير نفوس المؤمنين وتقدمهم قادة نموذجيين قد عرّكتهم الصعاب ليكونوا على قدر المسؤولية الكبيرة التي تنتظرهم بالتمكين الإلهي .
ـــــــ
https://telegram.me/buratha