د.مسعود ناجي إدريس ||
• سؤال: إذا كان للدين أن يستجيب لاحتياجات الإنسان ، فكيف يكون الإسلام - الذي ظهر قبل خمسة عشر قرنا في المجتمع الجاهلي وللأشخاص البدائيين والناطقين بالعربية - كافيا ومتجاوبا مع مجتمع اليوم المتحول والمتحضر؟
• جواب: للدين الإسلامي قدرات وآليات خاصة أو "ديناميكية داخلية" والتي مع الحفاظ على أصالتها لديها القدرة على التنسيق والاستجابة للاحتياجات المتغيرة للعصر. تعتمد المعرفة التفصيلية حول هذا الأمر على الانتباه إلى المشكلات التالية:
أولا. الإسلام هو خاتم الأديان
هذه الفكرة القائلة بأن "الإسلام هو الدين الأسمى" يشترك فيها جميع المسلمين وقد أثبتها القرآن والسنة. يقول الله تعالى:«وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ »؛الانبیاء ١٠٧ ؛ و «ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ وَ لکِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ » ؛ الاحزاب ٤٠ . قال الإمام الرضا (عليه السلام): «لانّ اللّه تبارك و تعالى لم یجعله لزمان دون زمان و لا لناس دون ناس فهو في کل زمان جدید و عند کل قوم غض الى یوم القیامة» صدوق، عیون اخبار الرضا(ع)، ج ٢، ص ١٣٠.
ونقل عن المعصومين(عليهم السلام) ايضا: «حلال محمد حلال ابداً الى یوم القیامة و حرامه حرام ابداً الى یوم القیامة لا یکون غیره و لا یجى ء غیره». همان، ج ١، ص ٥٨، ح ١٩ ؛ بحارالانوار، ج ٨٩، ص ١٤٨، باب ١
ثانيا. مقتضيات خَاتَمَيْهِ الإسلام
ختومية الإسلام لها مقتضياتها. بما فيها:
2-1. لا تحريف فيه لأن من أهم أسباب تجديد النبوة هي تحريف الاتباع للأديان السابقة. بهذه الطريقة كان الوصول إلى الدين النقي مستحيلاً على الإنسان بالوسائل العادية. لذلك يجب على خاتم الأديان أن يستخدم آلية تحميه من التشويه والتحريف.
2-2. الخلود والعالمية؛ بحسب البراهين على ضرورة الرسالة، يحتاج الإنسان دائمًا إلى التوجيه الإلهي ولا ينبغي حرمان الإنسان من الإرشاد الإلهي (الدين) في أي وقت. إذا انتهى الدين السماوي وكان ذلك الدين خاصا بزمانه أو مكانه سوف يتسبب في حرمان الناس والأجيال الأخرى من الدين لتعارضه مع فلسفة البعث. لذلك، يمكن أن يكون للدين مطالبة عالمية وأبدية.
المطلوب في ذلك أن يتمكن الدين في أي عصر وفي أي وقت وفي أي سياق، من أداء رسالته في إرشاد الناس، وأن يكون فاعلًا ومتجاوبًا في تلبية احتياجات الإنسان المتعلقة بالدين. بما أن حياة الإنسان تخضع دائمًا للتغيير والتحول، فيجب أن تكون هناك آلية ومبادئ مناسبة في خاتم الأديان يمكن تنفيذها في ظروف مختلفة وتقديم أهدافها الأصلية. هذه الآلية سر خلودها وقدرتها على توجيه البشرية في أي زمان ومكان.
ثالثا. التطورات والمنهاج
على مدار تاريخ الحياة البشرية- خاصة في القرون الأخيرة- حدث العديد من التغييرات. في التعامل مع هذه التحولات ومتطلباتها، هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية:
٣-١. التساهل أو التعصب: هذا الاتجاه مغلق أمام التطورات المعاصرة ومع نظرة سلبية لها، فإنها دائمًا ما تلعب أداة عدم التوافق مع الحداثة.
٣-٢. الحداثة المتطرفة: هذا الاتجاه يعتبر كل التغييرات إيجابية دون الالتجاء إلى التحليل النقدي! لديه نظرة تطرفية حول التمسك بالمعتقدات القديمة ويدعوا دائما للتغير بغض النظر إن كان هذا التغيير إيجابيا أو سلبيا فيدير ظهره للمبادئ ويصفها بأنها عتيقة الطراز ويعتقد أن البقاء خلف قافلة الزمن المتقدمة لا يعتمد إلا على البحث عن التجديد.
٣-٣. الواقعية المعتدلة: لا تعكس هذه الفكرة الاستقرار المطلق ولا تعتبر التغيير والتحول مبدأً شاملاً وقيمة مطلقة؛ بدلاً من ذلك، بناءً على النظرة الواقعية للعالم والأنثروبولوجيا، تبحث عن أشياء ثابتة ومتغيرة وتحدد الحدود بين الاثنين وتفتح مكانه الخاص لكل منهما. كتب الأستاذ مطهري قبوله للمفهوم الأخير: «يمكن تقسيم الاحتياجات البشرية إلى فئتين: الاحتياجات الأولية والثانوية.
الاحتياجات الأولية هي الأشياء التي تنشأ من أعماق الوجود البشري. تنقسم هذه الفئة من الاحتياجات إلى ثلاث مجموعات: أ. الاحتياجات المادية (مثل الحاجة إلى الطعام والملبس والمسكن وما إلى ذلك)؛
ب. الاحتياجات العقلية والروحية (مثل الحاجة إلى المعرفة والجمال والروحانية، إلخ)؛
ج. الاحتياجات الاجتماعية (مثل التربية الاجتماعية، والتبادل، والتعاون، وما إلى ذلك).
تم إصلاح هذه الاحتياجات ولا يوجد تغيير فيها. على سبيل المثال، في الاحتياجات الجسدية، يوجد دائمًا مبدأ الحاجة إلى الصحة، وفي الاحتياجات النفسية، يعد مبدأ الشعور بالأمان حاجة أبدية وغير متغيرة. كما أن الحاجة إلى علاقات اجتماعية إيجابية وعادلة أمر ثابت لا يتغير. الاحتياجات الثانوية هي الأشياء التي تنشأ نتيجة للاحتياجات الأولية. على سبيل المثال، تؤدي الاحتياجات الاجتماعية للبشر إلى وجود قوانين وقواعد تحكم السلوك الاجتماعي والعلاقات.
تخلق الاحتياجات المادية الحاجة إلى إنتاج الغذاء والدواء ومواد البناء والمعرفة والصناعات لتلبية تلك الاحتياجات.
يمكن تقسيم الاحتياجات الثانوية البشرية إلى مجموعتين:
أ. الاحتياجات الثابتة (مثل مبدأ الحاجة إلى القانون والإنتاج والصناعة...)؛
ب. الاحتياجات المتغيرة (مثل اللوائح الخاصة حسب الوقت والمكان ونوع العلاقات والأدوات وما إلى ذلك). لذلك فإن المتغير هو جزء من الحاجات الثانوية وليس كله وأيضا لا تتضمن أيا من الاحتياجات الأساسية.
رابعا: سر خلود الإسلام
عُرف الإسلام بالدين الحي والدائم. كتب "جورج برنارد شو" في مقدمة كتاب "محمد رسول الله": "لطالما كنت أحترم دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لخلوده المدهش". في رأيي، الإسلام هو الدين الوحيد الذي لديه القدرة على الاتفاق وإتقان المواقف المختلفة وتغيير أشكال الحياة ومواجهة قرون مختلفة. وقد ظهرت آثاره بالفعل، أن دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سوف تقبله أوروبا في الغد.
لكن لماذا دين الإسلام حي وديناميكي ودائم؟ له عدة أسباب نذكر منها: عنصر الإمامة في القرآن حيث يقول عن اتمام الدين السماوي:«... الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ دِینِکُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِى وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً »؛المائدة(٥)، الآیة ٣. وبناءً على ذلك ، هناك عنصر متأصل في الدين هو وصي الدين ، وبما أن معنى `` اليوم '' هو يوم الغدير ، فهذا العنصر هو `` الإمامة ''. وهذه المسألة مذكورة في تفسيرات الشيعة وهي مذكورة أيضاً في مصادر سنية ...
الأئمة المعصومين من أجل الحفاظ على الإسلام، قاموا بثلاثة أشياء على مدار تاريخ وجودهم:
١. بالإضافة إلى تأكيدهم على الآيات القرآنية، فقد نقلوا السنة النبوية دون أدنى تحريف ولم يدعوا الأحداث الكاذبة والمزيفة بعد وفاته وبقوا محافظين عليها بحوالي قرن ومنعوا أي تحريف وبذلك لم تفسد السنة النبوية وحافظوا على مصادر الدين...
٢. قاموا بتدريس طرق فهم القرآن وطريقة استنتاج الأحكام الإسلامية حتى يتمكن العلماء من استخلاص واستنتاج رأي الإسلام في أي مجال من مصادره. هذه الطريقة- التي يقوم عليها مصطلح الاجتهاد الشيعي- هي طريقة يمكن من خلالها الحصول على رأي الإسلام في جميع الأوقات وفي أي قضية من مصادر الدين.
٣. تم تقديم الأشخاص ذوي الكفاءة اللازمة لاستخدام هذه الطريقة ونقلها إلى الناس. يروي الإمام العسكري (ع) عن الإمام الصادق (ع): « وأما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظاً لدینه مخالفاً على هواه مطیعاً لأمر مولاه فللعوام أن یقلّدوه»؛ حرّ، عاملي، وسائل الشیعة، ج ١٨، ص ٩٣
ارتباط السنة بالعقل من أهم أسباب خلود الإسلام. الدين والحكمة في الإسلام لديهما علاقة متكاملة لا تنفصل مع بعضهما البعض. كما قيل:«کل ما حکم به العقل حکم به الشرع و کل ما حکم به الشرع حکم به العقل» حرّ العاملى، وسائل الشیعة، تحقیق و نشر مؤسسة آل البیت الاحیاء التراث، ج ٢٧، ص ١٣١.
إن انعكاس هذه القضية واضح في عملية الاجتهاد واستنباط الشعائر الإلهية. إلى جانب الكتاب والسنة ، يعتبر العقل أيضًا أحد مصادر الاستدلال. إن شمولية جميع التفسيرات ومراعاة جميع أبعاد وجوانب الحياة البشرية وعدم قمع أي من المجالات التي يحتاج الإنسان فيها إلى التوجيه الإلهي والديني لهما مساهمة كبيرة في مصداقية وخلود الإسلام. يكتب إدوارد جيبون: "القرآن هو الدستور الذي يتضمن الإجراءات القضائية والنظامية المدنية والجنائية ، ويحتوي على القوانين التي تحكم جميع العمليات البشرية والشؤون المالية .. من مقولاته : (يتضمن مجموعة من الأحكام الدينية والعقائدية والقوانين الاجتماعية والمدنية والتجارية والعسكرية والقضائية والجنائية والجزائية. مجموعة القوانين شاملة لمهام الحياة اليومية إلى الاحتفالات الدينية ، ومن الزراعة إلى الحفاظ على الجسم والصحة ، ومن الحقوق العامة إلى الحقوق الفردية ، ومن المصالح الفردية إلى المصالح العامة ، ومن الآداب إلى الجرائم والعقوبات المترتبة على ذلك في الدنيا والاخرة والعاقبة في المستقبل ).
الانسجام مع طبيعة البشر ، حيث مع وجود اختلافات وتحولات حدثت لهم بسبب ظروف الزمان والمكان ، فإن لهم طبيعة ثابتة. فكلما زاد قوة اساس الدين اصبح ارتباطه أوثق بالمبادئ الفطرية للإنسان.
وكلما زاد انحرافه عنه ، زاد عدم استقراره. اهتمام الإسلام العميق بالطبيعة البشرية وتنظيم القوانين المتوافقة معها من أسرار استقرار الإسلام وخلوده. يمكن أيضًا فحص عوامل أخرى في هذا الصدد ؛ مثل:
1. وجود قوانين حاكمة ومراقبة (مثل القاعدة غير المؤذية ، إلخ) ؛
2. إعطاء السلطة للحكومة الإسلامية (المجتمع) ؛
٣. عدم الالتفات إلى مظاهر الحياة
٤. الترابط والتنسيق والتوافق بين مجموعة القوانين الإسلامية ؛
٥. التعادل والاعتدال؛
٦. العلاقة السببية والواقعية بين أحكام الشريعة والمصالح الحقيقية والفساد ؛
٧. التأكيد على العلم والخبرة المفيدة جنبًا إلى جنب مع العمل ؛
٨. لا حصر للقرآن والسنة. إن كلام بعض العرب بأن "القرآن نزل لفهم البادية والناطقين بالعربية" هو بيان خاطئ. لأن القرآن نزل "بين البادية والناطقين بالعربية" ، وهناك فرق بين ظهور شيء بين أناس معينين وبين تخصيص ظهوره على هذه المجموعة"!
لم يخاطب القرآن العرب ولا أي شعب آخر ، ودائمًا ما خاطب الناس أو المؤمنين. من حيث الاستيعاب ، هناك عدة فئات للآيات القرآنية:
١. كانت بعض الآيات القرآنية مفهومة للعرب في ذلك الوقت ، وفي الوقت نفسه ، لديهم مثل هذه الصلابة العلمية والمنطقية التي هي مثيرة للاهتمام وجديرة بالاهتمام حتى بالنسبة لعلماء اليوم البارزين.
٢. بعض الآيات - سواء في وقت نزولها أو في عصرنا - لا يمكن فهمها إلا من خلال بحث علمي دقيق ومنهجي.
٣. لا يمكن فهم الكثير من الحقائق العلمية والفلسفية والقضايا الاجتماعية للقرآن إلا في ضوء المعرفة الحالية أو المستقبلية للإنسانية...
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
