خالد جاسم الفرطوسي ||
* مصطلح التنمية وتبيان التقدم الكلي وجوانبه في فكر الإمام الخامنئي:
رابعاً: حينما نستعرض نقاط اختلاف التقدم حسب المنطق الإسلامي عن التنمية الغربية، يجب أن لا ننسى نقاط الاشتراك:
فثمة نقاط اشتراك في تنمية البلدان المتقدمة. وهي روح المخاطرة، وهي للحق والإنصاف من الخصال الحسنة عند الأوربيين، وروح الإبداع، والمبادرة والانضباط، هذه أمور وأحوال ضرورية جداً، وأي مجتمع يفتقر لهذه الصفات لن يكتب له التقدم. هذه أمور ضرورية، إذا لزم أن نتعلم هذه الأمور فسنتعلمها، وإذا كانت موجودة في مصادرنا فعلينا أخذها من هناك والعمل بها.
خامسا: العدالة:
ولهذا معنى كبير جدا. لنفترض أن من المؤشرات المهمة زيادة الدخل الإجمالي الوطني للبلدان.
البلد الفلاني دخله الإجمالي الوطني عدة آلاف من المليارات، والبلد الفلاني لا يساوي دخله سوی معشار البلد الأول.
إذن، البلد الأول أكثر تقدماً.. هذا ليس بالمنطق الصحيح.
زيادة الدخل الإجمالي الوطني - أي الدخل العام للبلاد - لا يدل لوحده على التقدم، إنما ينبغي النظر كيف يجري تقسيم هذا الدخل وتوزيعه.
إذا كان الدخل الوطني عالياً جداً، لكن يوجد في نفس هذا البلد أفراد ينامون ليلهم في الشوارع ويموت الكثير منهم في درجة حرارة تبلغ اثنين وأربعين، فهذا لن يكون تقدماً، لاحظوا ما يأتي
في الأخبار:
في المدينة الغربية الفلانية المعروفة - في أمريكا مثلاً أو مكان آخر - بلغت درجة حرارة الهواء اثنين وأربعين درجة مئوية ومات كذا عدد من الناس بسبب الحرب، لماذا يموتون في درجة حرارة اثنين وأربعين؟
معنى ذلك أنهم بلا مأوى ولا سكن.. إذا كان هناك أناس يعيشون في المجتمع بلا مأوى أو عليهم العمل 14 ساعة في اليوم الواحد ليستطيعوا توفير لقمة العيش لأنفسهم لكي لا يموتوا جوعاً، فلن يكون هذا تقدماً حتى لو كان الدخل الإجمالي الوطني عشرة أضعاف ما هو عليه، هذا ليس تقدماً في المنطق الإسلامي، لذلك كانت العدالة على جانب كبير من الأهمية. طبعاً ثمة كلام ونقاش أكثر حول العدالة.
تقوم النظرة الإسلامية للتقدم على أساس النظر للإنسان باعتباره كائناً ذا حيزين، فهو يعيش في الدنيا وفي الآخرة.
هذا أساس كافة الأفكار التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار فيما يتصل بالتقدم، وهذا هو المعيار العام والفارق الرئيس.
إذا اعتبرت الحضارة أو الثقافة أو المذهب الإنسان ذا حيز حياتي واحد، ولم تنظر
لسعادته إلا في حدود حياته المادية الدنيوية، فمن الطبيعي أن يكون التقدم في منطقها مختلفاً تماماً عنه في منطق الإسلام، الذي يرى للإنسان حيزين وبُعدين.
بلدنا ومجتمعنا الإسلامي يتقدم حينما لا يعمَّر دنيا الناس وحسب، بل ويعمر آخرتهم أيضاً. هذا ما يريده الأنبياء: الدنيا والآخرة.
يجب أن لا يُغفل عن دنيا الإنسان بحجة وهم الاهتمام بالآخرة، ولا أن تغفل الآخرة بسبب الانهماك في الحياة الدنيا.
هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. وهذا هو الأساس، وهذا هو التقدم المنشود في
المجتمع الإسلامي هو تقدم من هذا القبيل.