د. علي المؤمن ||
تماهياً مع وسائل التوجيه الغربية؛ يستحضر العلمانيون ممارسات الدول السلطانية المسلمة وسلوكياتها، ونظمها الثيوقراطية الشمولية المستبدة، بدءاً بالدولتين الأموية والعباسية وانتهاءً بالدولتين الصفوية والعثمانية؛ ليتهموا الإسلام بالفشل إنسانياً، وبانطوائه على عناصر الظلم والاستبداد والتخلف.
وفي الخطوة التالية؛ يشبِّه العلمانيون المنظومة الدينية الإسلامية بالمنظومة الدينية المسيحية الكنيسية في مرحلة ماقبل عصر النهضة الأوربية. ثم ينتهوا إلى نتيجة قسرية مفادها أن تحرر أوربا من التحالف الكنسي السلطوي المتخلف المستبد، ودخولها عصر التنوير، لم يحصل إلّا بالقضاء على هذا التحالف أولاً، ثم إقصاء المنظومة الدينية الكنسية عن الشأن العام والتشريع والسياسة والدولة ثانياً. وعليه، فإن سر تطور أوربا وتقدمها الشامل يستند إلى البديل العلماني حصراً. وهو المسار الذي ينبغي على المسلمين الأخذ به، لينطلقوا في رحاب النهضة الحضارية، والتحرر الفكري والثقافي، والبناء القانوني المؤسسي، والاستقرار السياسي والإجتماعي والأمني، والنماء الإقتصادي والعمراني، والتطور العلمي والتكنولوجي.
هذه المعادلات الوهمية ليست سوى شعارات تصلح للاستغفال النفسي والعقلي، والهيمنة السياسية والإقتصادية، والغزو الفكري والثقافي، والتخريب الإجتماعي، لأن إسقاط الواقع الاوربي في عصور ماقبل النهضة على واقع المسلمين، والمنظومة الدينية الكنيسية على المنظومة الدينية الإسلامية، و الديانة المسيحية على الديانة الإسلامية، هو إسقاط لايمت إلى أي معيار علمي ومنهحي، بالنظر للإختلاف الماهوي بين الديانتين والواقعين.
ويشبه هذا الإسقاط، اتهام الإسلام بالمسؤولية عن إرهاب الجماعات الدينية التكفيرية المسلحة، كالقاعدة وداعش، وسلوكياتها، وبأنّ النص الديني الإسلامي المتمثل بالقرآن والسنة، يدفعان الى هذه السلوكيات جزماً.
ولا شك أن هذا الأسلوب في تحميل الإسلام المسؤولية، تقف وراءه أهدافاً ايديولوجية وسياسية مناهضة للدين أساساً، لأن معظم أصحاب هذه الأهداف يدركون جيداً أن معيار فهم الإسلام، ليس سلوك المنتسبين إليه وتفسيراتهم المصلحية ونظرياتهم المبتسرة التجزيئية التي يطبقونها وفق أهوائهم، لتحقيق مصالح سلطوية وسياسية واقتصادية واجتماعية، بل المعيار هو الفهم التخصصي الدقيق للدين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha