ناجي الغزي *||
(1)
الاستراتيجية هي استشراف واستحضار المستقبل بخطط محسوبة ومدروسة في ضوء الامكانات المادية والمالية والبشرية انطلاقا من الواقع برؤية مستقبلية. والازمة هي المشكلة او الموقف الذي ينتج عنه تغيرات بيئية مولدة للازمات تتضمن قدر من الخطورة والتهديد وضيق الوقت والمفاجئة، وهذه تتطلب اساليب إدارية مبتكرة وسريعة للمواجهة تناسب الاحداث في المنطقة المضطربة.
(2)
الازمات الحديثة التي تولد على ارض الواقع نتيجة لظروف ضاغطة تدار اغلبها من قبل وسائل التواصل الاجتماعي في عالم افتراضي. يصعب السيطرة عليه او التأثير به. بروز دور الشبكات الاجتماعية في الازمات مثل الفيس بوك وتويتر والانستكرام وغيرها فتحت افاق واسعة بين الناس للتعبير عن مشاعرهم وطرح مشاكلهم بطريقة حرة بما يحقق طموحاتهم. وما لها من تأثير وأثر فعال في نقل الاحداث ونشر الحقائق والوثائق والصور والافلام بشكل سريع للرأي العام المحلي والعالمي وتسليط الضوء على الدور القمعي من قبل السلطة. ومن هنا ظهر عدم فاعلية استراتيجية التعتيم الحكومي لاي حدث مع وجود هذا النوع من الاعلام الحر والغير مقيد. فكان لوسائل التواصل الاجتماعي وتوظيف الاحداث دور كبير في نجاح ثورات الربيع العربي واسقاط الانظمة القديمة. فهذه الوسائل ساهمت في التصعيد المتسارع للاحداث ونقلها الى الشارع. وعليك ان تتخيل حجم المعلومات والخطط والتوجهات التي يمكن تحريرها عبر هذه الوسائل التكنلوجية.
(3)
بالتالي فان استخدام الاستراتيجات التقليدية في مواجهة الازمات غير فاعلة. لذلك لابد من البحث عن استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات والازمات الامنية وغيرها. وتعتمد المعالجات حسب تشخيصها وتحليلها وتحديد الازمة والاسباب المؤدية لحدوثها. وهناك مناهج تقليدية اكاديمية لابد من استخدامها في قياس الازمات حسب مميزاتها. فالمنهج التاريخي يدرس الازمة ونشاتها وتطورها ومعرفة بواعثها والعوامل المساعدة لتنضيجها، لتتضح الحقائق الكاملة امام اصحاب القرار. والمنهج التحليلي، يحدد مظهرها وملامحها وتاثيرها وبذلك يمكن توصيفها وعرض ابعادها وتحديد اطرافها الفاعلة وتداعياتها. والمنهج المنظم، الذي يعتمد على الاداء الملائم للوظائف الاساسية لبواعث الازمة. كالقصور والمدخلات والخلل والنتائج والاثار والرقابة. والمنهج البيئي، يناقش الازمة باعتبارها وليدة البيئة في نشأتها وتفاعلها والقوى المؤثرة فيها. والمنهج المقارن، يقوم على دراسة الازمة في سياق المقارنة وتحديد اوجه التشابه والاختلاف بالمكان والزمان والجغرافية والحجم والطبيعة والاثار، ودراسة امكانية واسقاط الحلول عليها..
(4)
ونظرا لتلك الدراسات يتم تحديد وتشخيص الازمة وطرح سبل معالجتها بطرق وأساليب حديثة مرنة بعيد عن الاساليب التقليدية التي تعتمد (انكار الازمة، وتاجيل ظهورها، وتكوين لجان لدراستها، والتقليل من شأنها،وتفريغ الازمة، والسماح بظهور ضغوطات داخلية، ومواجهتها بعنف، واخماد الازمة).
(5)
اما الاساليب الحديثة التي تساهم في حل الأزمة. فهناك تقنيات حديثة تتخذ من التكنلوجيا أداة لادارتها، كبناء المنظمات الافتراضية التي يتسم فيها بث الافكار والتخطيط والتدريب بطرق احترافية ومهنية عالية وبعقلية واعية. والاعلام الغير رسمي أحد أدوات التأثير المباشر على الرأي العام. كالقنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي والاتصالات. وكل وسيلة تساهم في اخماد الازمة، وخاصة الازمات السياسية الداخلية التي تعتبر محركاً للفكر السياسي التي تعتمد على الحاجات الاجتماعية في بناء التنمية. لكونها تعتمد على قدرات ذاتية ومتطورة تتمثل في القدرة الاقتصادية الدافعة والمحركة للرأي العام. على العكس من الاساليب القديمة في مواجهة الازمة. فلابد من (الحد من ظهور الازمات، والاعتراف بها، والاستجابة السريعة لمطالبها، وسرعة التحقق فيها، والمشاركة في حلها من خلال تشكيل لجان فاعلة، ومعالجتها وحلها بفريق عمل متخصص.
(6)
نجاح ادارة الازمة يعبر عن رؤية صانع القرار في تطبيق سياسة الاحتواء وطرح الحلول بطرق حديثة وفعالة تنسجم مع السياسة الداخلية والخارجية للبلد. وذلك من خلال الوصول الى المعلومة بطرق تحليلية واضحة بعيدا عن العمل الاستخباراتي التجسسي. فالاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي اصبحت اكبر محتوى للمعلومات والبيانات الشخصية. ورغم التباين بين ثقافة الجيل الرقمي والثقافة التقليدية للكبار من الموظفين والعاملين في قطاع صناعة القرار . فهنا لابد من ايجاد استراتيجية لتغيير نمط التفكير والسلوك وآلية التعامل بطرق حديثة. وتحديد أدوار الاشخاص والجهات المختصة في ادارة الازمات الحديثة. ومن الاساليب الاستراتيجية الحديثة لمواجهة الازمة هو تقصي بيئة الازمة من قبل المسؤولين عن صناعة القرار بجولات ميدانية للوقوف على واقع الازمة بعيدا عن بيروقراطية الاعمال الادارية. وهي احدى الوسائل التي تقلل من الاحتقان الشعبي والجماهيري الذي ادى الى تصعيد الازمة وتبلور مخاطرها.
(7)
استخدام القوة الناعمة احد السياسات الاستراتيجية الناجعة في احتواء الازمات وهي قوة الترغيب بواسطة ادوات الجذب والاستقطاب بدلا من الاكراه. كالقوة الدبلوماسية والحوار والمبادرة. فضلا عن تحريك البرامج المسلية والهادفة التي تساهم في خلق رأي عام وطني داعم الى كيان الدولة وهيبتها، التي تخرج الشباب من الصناديق المغلقة والافكار الملتهبة. وتشجيعهم على السفر وتشكيل فرق تطوعية تساهم برفع روح الولاء الوطني. وبث برامج توعية لخطورة السلاح واثاره الجانبية على استقرار المجتمع وتخلفها واثارة الكراهية والثأر . ومن اساليب الرغيب هو حث الشباب على الانخراط في التعلم والتعليم في مجال الصناعة والزراعة باعتبارها احدى اهم موارد التنمية الاقتصادية في البلد. هذه الادوات الاستراتيجية تساعد الحكومة واصحاب القرار في تقليل حدة الازمة وتفكيكها ومن ثم احتوائها بدون اي خسائر مادية او بشرية.
*/كاتب سياسي
https://telegram.me/buratha