د. سيف الدين زمان الدراجي *||
مع تنامي مفهوم الأمن القومي وعلاقته بالبيئة السكانية وطبيعة الإشكاليات التي ترافق البنية الديموغرافية والاقتصادية و تداعياتها، برزت أهمية دراسة العلاقة ما بين الديموغرافيا والأمن القومي.
تُعرف الديموغرافيا على أنها علم الدراسات السكانية والجغرافيا البشرية الذي تبحث الخصائص السكانية المتمثلة في؛ التوزيع السكاني والحجم والأعراق والتركيب و مكونات النمو - كالإنجاب و الوفيات والهجرة- ونسب الأمراض والحالات الاقتصادية والاجتماعية ونسب الأعمار والجنس و مستوى الدخل. كما ويعد الأمن الديموغرافي احد التحديات التي تواجه الأمن القومي من حيث التفاعل بين جميع مرتكزات الأمن القومي و عناصر القوة الوطنية العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية والدبلوماسية ( Goldston 2002 ).
إن دراسة العلاقة ما بين الأمن القومي و الديموغرافيا عبر تحديد هيكلية تحركات السكان من منظور تاريخي واقتصادي وأنثروبولوجي واجتماعي، سيساهم في تحليل وتقدير وتوقع الاتجاهات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وما إذا كان ذلك سيشكل خطرا مباشرا أو غير مباشر على أمن الفرد، ومن خلاله على أمن المجتمع، ليتوسع بعد ذلك لياخذ أبعادا إقليمية ودولية.
على الرغم من الانخفاض الواضح في نسبة النمو السكاني العالمي، الا أن بعض الدول سيما تلك التي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا، لا تزال نسب نمو سكانها بإزدياد مضطرد لتصل إلى نسبة تتراوح ما بين 1-3% سنوياً، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفة نسبة السكان في ال 25 عام المقبل، حيث تشير الدراسات إلى أن معدل النمو السكاني العالمي سيزداد من 6 مليار الى 7.3 مليار في العام 2025، كما انه سيزداد الى 9 مليار في العام 2050 و11 مليار بحلول عام 2100 ( . ( UN 2019
إن هذه الزيادة، بالإضافة إلى حركة السكان المتمثلة في الهجرة من الريف إلى الحضر - والتي يمكن تقسيمها إلى هجرة سكان وهجرة عمل- والتي عادة ما يكون منها ما هو طوعي وما هو إجباري، بالإضافة إلى الهجرة الدولية غير الشرعية، لها انعكاسات كبيرة على الأمن الداخلي للدول والتي قد تمتد بتأثيرها على الأمن القومي للدول، وليس ببعيد ما يحصل من أحداث في العالم اليوم بعد الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان على السلطة، وما سيترتب على ذلك من آثار إقتصادية وإجتماعية وامنية وصحية، والتي ستزيد من تعقيدات الوضع الأمني وتنامي حالات الصراع التي تسهم في تفاقم حالات اللاإستقرار، وقد تتسبب بتوتر في العلاقات السياسية بين الدول وهي من القضايا التي تواجه المجتمع الدولي كونها تمس جميع شرائحه، وتؤثر تأثيرا كبيرا على القدرات والقوات العسكرية التابعة للدول فضلا عن سوق العمل.
إن 80% من الصراعات في العالم تحدث في أماكن تكون فيها أعمار السكان 60% تحت سن 30 سنة، و90% من البلدان ذات السكان الشباب لديها حكومات ضعيفة، وبذلك فإن التركيبة العمرية والعرقية والدينية من الممكن أن تُعد تهديدا على المستوى الشخصي إلى المستوى العالمي ( وقد تُعد مصدر قوة أيضاً) ( Cincotta2004 ).
تساهم العوامل الديموغرافية المختلفة ببروز تهديدات للأمن القومي في البلدان التي تمر بمراحل مختلفة من التحول الديموغرافي، ومن أجل مواجهة هذا التحدي لابد من تحليل العوامل الديموغرافية التي قد تساهم بشكل او بآخر في تنامي الصراع المسلح، من خلال تقديم بعض التقييمات حول الاتجاهات التي تهدد مصالح الدول وأمنها القومي من حيث:
· التركيز على فهم الضغوط الديموغرافيا التي تزيد من الاحتكاكات بين القوى الدولية أو الإقليمية.
· التعاون المشترك ودعم التوجهات الدولية والإقليمية للمساهمة في إدارة أثار النمو السكاني بالشكل الذي يعزز الاستقرار واصلاح الأنظمة السياسية لملائمة الحقائق الديموغرافية الناشئة .
· تعزيز القدرات الأمنية والعسكرية للقوات النظامية من خلال تطوير القدرات الاستخبارية وقدرات الاستجابة للتغيرات الديموغرافية الملازمة للتوسع الحضري وتزايد فرص تنامي الصراعات نتيجة للكثافة السكانية والتركيبة المجتمعية. وتشير بعض الدراسات إلى أن قانون التجنيد الإلزامي سيكون وسيلة لغرس هوية مشتركة بين السكان لاسيما في الدول ذات الأعراف والمذاهب المتعددة والتي تعتمد بشكل كبير على أعداد كبيرة من العسكريين لمواجهة التهديدات.
· من المرجح أن تتسبب الضغوط الديموغرافية على الموارد المتجددة مثل المياه بالصراعات المستقبلية. فعلى سبيل المثال تشير الدراسات إلى أن مشروع الأناضول الكبير لبناء سدود توليد الطاقة الكهرومائية في تركيا سيحد من تدفق مياه نهر الفرات نحو سوريا بنسبة 40% ونحو العراق بنسبة 80% الأمر الذي يحتاج إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية للحيلولة دون نشوب صراع يفاقم من حالة اللاإستقرار الأمني والسياسي في المنطقة .
· ان خطر العوامل الديموغرافية المتعلقة بالهجرة السكانية الدولية تساهم في تفاقم عوامل الاستقرار في كل من البلدان الاصلية والمضيفة، حيث قد يواجه البلد الأم خطر استخدام المهاجرين للدولة المضيفة لتقويض نظام الحكم في الدولة الأم. بينما قد تواجه الدول المضيفة تحديات تتراوح ما بين توفير البنى التحتية الملائمة المثقلة بالاعباء الى الاعتلالات العرقية، الطائفية او المذهبية.
( Nichporuk 2020 ).
· أن زيادة معدل نمو المجتمعات الشابة في المدن مع زيادة في معدلات البطالة، سيؤدي إلى نشوب حركات ثورية قد يتم استغلالها دينيا، عرقياً، ايديولوجيا، أو قومياُ للقيام بثورات ضد الأنظمة الديمقراطية لتقويضها وهو ما قد تراه الدول المجاورة تهديدا لها خصوصا أن نجحت تلك الثورات في أسقاط نظام الحكم. الأمر الذي سيكون حافزا لشباب وشعوب دول أخرى لتخطو خطوات مشابهة، وهو ما قد يدفع الدول المستشعرة للخطر الى التدخل بشكل سلبي لخلق حالة من الفوضى واللاإاستقرار.
من ما تقدم أعلاه، نستنتج أهمية أن تركز الدول لا سيما تلك التي تزداد نسبة النمو السكاني فيها بالإضافة إلى عوامل الانتقال والهجرة والحركة والهيكلية التركيبية المجتمعية إلى تعزيز الدراسات المتعلقة بالتحديات الديموغرافية لأمنها القومي فضلا عن الداخلي، لإيجاد الحلول المناسبة ووضعها ضمن استراتيجياتها المُعدة لأمنها القومي، لخلق بيئة اجتماعية وثقافية واقتصادية متناغمة ومتوائمة وجهود تعزيز عوامل الاستقرار الأمني والسياسي.
*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.