د. محمد العبادي ||
ذكرت المصادرالمختلفة بشكل تفصيلي كيفية الطريقة. التي تم التعامل بها مع أهل البيت في وقعة كربلاء، وذكروا طبيعة الشعارات الشريرة التي نادى بها المهاجمون عليهم، فقد كان الأسلوب الذي تعامل به جيش يزيد في كربلاء وحشياً سواء كان في كربلاء أو الكوفة او حتى في المدينة عندما حصلت واقعة الحرّة حيث إستباحوا كل شيء!!!.
إن المؤرخين والمحدثين قد نقلوا كثير من النصوص التي تشير الى سبي نساء أهل البيت ؛ فقد قال ابن أعثم الكوفي (ت313هـ) :(وساق القوم حُرَم رسول اللّه من كربلاء كما تُساق الا سارى !)(1).
وذكر الطبري (ت310هـ) روايات عديدة في تاريخه تذكر عملية سبي نساء أهل البيت في كربلاء وفيها نصوص موجعة جداً، كتلك التي تقول (كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه ) ؛ وقد ذكر الطبري ذلك بقوله : (ومال الناس عَلَى الورس والحلل والإبل وانتهبوها، قَالَ: ومال الناس عَلَى نساء الْحُسَيْن وثقله ومتاعه، فإن كَانَتِ المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حَتَّى تغلب عَلَيْهِ فيذهب بِهِ منها) ومثل قول ذلك الرجل الشامي ليزيد (هب لي هذه الجارية !)، (ثُمَّ إنهن أدخلن عَلَى يَزِيد، فَقَالَتْ فاطمة بنت الْحُسَيْن- وكانت أكبر من سكينة: أبنات رَسُول اللَّهِ سبايا يَا يَزِيد!)، (لما أقبل وفد أهل الْكُوفَة برأس الْحُسَيْن دخلوا مسجد دمشق، فَقَالَ لَهُمْ مَرْوَان بن الحكم: كيف صنعتم؟ قَالُوا: ورد علينا مِنْهُمْ ثمانية عشر رجلا، فأتينا وَاللَّهِ عَلَى آخرهم، وهذه الرءوس والسبايا !)(2).
لقد كانت تلك الأمة التي قاتلت الحسين متوحشة قد إستحضرت كل سيئات الجاهلية ،ولم ترع محمد (صلى الله عليه وآله) في ذريته .
ونقل ابن سعد (ت230هـ) في طبقاته (ثم أتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومن بقي من اهله ونسائه.فأدخلوا عليه قد قرنوا في الحبال. فوقفوا بين يديه. فقال له علي بن حسين: يا يزيد ما ظنك برسول الله ص لو رآنا مقرنين في الحبال.أما كان يرق لنا)(3).
وقال ابن حبان البُستي (ت354هـ): (ثمَّ أنفذ عبيد اللَّه بْن زِيَاد رَأس الْحُسَيْن بْن عَليّ إِلَى الشَّام مَعَ أُسَارَى النِّسَاء وَالصبيان من أهل بَيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أقتاب مكشفات الْوُجُوه والشعور...)(4) ، وقال أيضاً (ثمَّ أركب الْأُسَارَى من أهل بَيت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النِّسَاء وَالصبيان أقتابا يابسة مكشفات الشُّعُور وأدخلوا دمشق)(5).
وجاء في التذكرة لسبط ابن الجوزي (ت654هـ) (قال هشام بن محمد، والواقدي، وابن إسحاق :...فلما مروا على جثة الحسين بن علي عليه السلام ؛ صاحت زينب بنت علي : وامحمداه صلى عليك إله السماء، هذا حسين مرمل بالعراء في الدماء، وبناتك سبايا وذريتك قتلى تسفى عليهم الصبا يا محمداه فأبكت كل عدو وصديق)(6)، وذكر ابن الجوزي أيضاً(وكان علي بن الحسين والنساء موثقين في الحبال فناداه علي : يايزيد ماظنك برسول لو رآنا موثقين بالحبال عرايا على أقتاب الجمال فلم يبق في القوم أحد إلا بكى)(7).
إنّ الطريقة الدموية التي تعامل بها جيش يزيد مع الضحايا وبقية حرم أهل البيت؛ تكشف عن أنّهم تعاملوا مع الحسين وأهله على أنّهم ليسوا مسلمين !!! ولذا أسرت النساء،ورُوع الأطفال،وقُيّدوا بالحبال عرايا على أقتاب الإبل !!!
وإليك ماذكره ابن الأثيرالجزري(ت630هـ) في تاريخه من قصص وغصص تدمي القلوب في تعامل بني أمية وأشياعهم مع نساء أهل البيت كسبايا ؛ فقد قال (فإجتازوا بهنّ على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن خدودهنّ وصاحت زينب أخته : يا محمّداه ! صلّى عليك ملائكه السماء، هذا الحسين بالعراء! مزّمل بالدماء! مقطّع الأعضاء! وبناتك سبايا ! وذريّتك مقتّله تسفي عليها الصبا! فأبكت كلّ عدوّ وصديق)(8).
ياله من مشهد يوم عظيم تعجز عبارات الوصف عن إستيعاب مفرداته !، وماذا عسانا أن نقول عن بنات الرسالة وقد هربن مذعورات الى كف الصحراء المبسوط...؟! وماذا عسانا أن نقول عن الحسين ريحانة رسول الله وهو ملقى على الثرى محزوز الرأس ومسلوب العمامة والرداء...؟!
لنقرأ هذه الكلمة التي قالها صالح بن علي بن عبدالله بن عباس (ت151هـ) حينما ظفر العباسيون بالأمويين في سنة 132هـ، وَأَخَذَوا نِسَاءَ مَرْوَانَ [الحمّار]وَبَنَاتِهِ، فَسَيَّرَوهُنَّ الى صالح، فقال لهم صَالِحِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ کلام کثیر فیه تعنیف وتوبیخ لهم، لکننا نأخذ محل الشاهد منه في سبي نساء أهل البيت حيث قال لهم :(...أَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ بِحُرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَايَا فَوَقَّفَهُنَّ مَوْقِفَ السَّبْيِ؟)(9).
وأيضاً ذكر ابن كثير الدمشقي (ت774هـ) عمليات النهب والسلب والسبي فقال:(فَلَمَّا مَرُّوا بِمَكَانِ المعركة ورأوا الحسين وأصحابه مطرحين هُنَالِكَ بَكَتْهُ النِّسَاءُ، وَصَرَخْنَ، وَنَدَبَتْ زَيْنَبُ أَخَاهَا الْحُسَيْنَ وَأَهْلَهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ تَبْكِي: يَا مُحَمَّدَاهُ، يا محمداه، صلى عليك الله، وملك السماه، هذا حسين بالعراه، مزمل بالدماه، مُقَطَّعُ الْأَعْضَاءِ يَا مُحَمَّدَاهُ، وَبَنَاتُكَ سَبَايَا، وَذُرِّيَّتُكَ مُقَتَّلَةٌ، تَسْفِي عَلَيْهَا الصَّبَا. قَالَ فَأَبْكَتْ وَاللَّهِ كل عدوٍ وصديق.)(10).
ولم يحترم يزيد وأعوانه نساء أهل البيت فقد أراد تدمير كرامتهم والنكاية بهم فأوقفهم ليستعرضهم النّاس في مكان خصص للأسرى ! وقد ذكر ابن طاهر المقدسي (ت355هـ) : (أن يزيد أمر بنسائه [ الحسين ]وبناته فأقمن بدرجة المسجد حيث توقف الأسارى لينظر الناس إليهن...)(11).
لقد كان حال النساء والأطفال والصبايا بعد مقتل الحسين عليه السلام هو حال السبايا ولهذا فقد قال أحد رعايا يزيد هب لي هذه ؛ فقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي (ت597هـ) ذلك وقال : (فقام رجل أحمر من أهل الشام فقَالَ: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه- يعني فاطمة بنت علي- وكانت وضيئة، فارتعدت وظنت أنهم يفعلون، فأخذت بثياب أختها زينب- وكانت زينب أكبر منها- فقالت زينب: كذبت والله، ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقَالَ: كذبت، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلته)(12).
وهذا محمد القرطبي (ت671هـ) ـ وهو من العلماء الذين يبجلهم ابن تيمية ـ قد ذكر سبي نساء أهل البيت فقد قال القرطبي: (وساق القوم حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تساق الأسرى حتى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس فجعلوا ينظرون إليهم، وفي الأسارى علي بن حسين وكان شديد المرض قد جمعت يداه إلى عنقه، وزينب بنت علي وبنت فاطمة الزهراء، وأختها أم كلثوم، وفاطمة وسكينة بنت الحسين، وساق الظلمة والفسقة معهم رؤوس القتلى)(13)
وقال في التذكرة أيضاً: (ودعي بعلى بن الحسين فحمله وحمل عماته وأخواته إلى يزيد على محامل بغير وطاء، والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل، حتى قدموا دمشق ودخلوا من باب توما وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي...)(14).
وكذلك قال :(... وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا فضلهم وشرفهم واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم)(15).
وذكر القندوزي (ت1294هـ) أن الإمام السجاد عليه السلام عندما وصل الى المدينة وصف للنّاس ماجرى عليهم من مصيبة عظيمة وقال (...قتل أبي الحسين وعترته وأنصاره، وسبيت نساؤه وذريته، وطيف برأسه في البلدان على عالي السنان..)(16).
إن عمليات السبي والأسر لآل البيت قد ذكرتها مختلف مصادر أهل السنة وقد كانت تلك الحقيقة شاخصة وصارخة في كربلاء ، وعمليات التكبيل والتنكيل بأهل البيت قد شهدها الناس آنذاك فأيديهم كانت موثقة ،ونسائهم مكشوفة تتطلع فيها الناس بعد أن طافوا بهم في البلدان .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1ـ ابن أعثم الكوفي ، الفتوح ،ج5ص120 .
2ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري، ج5 ص453 و461ـ 462 و264و265.
3ـ محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج1ص488.
4ـ ابن حبان، الثقات، ج2ص312.
5ـ المصدرنفسه، ج2ص313.
6ـ سبط ابن الجوزي،تذكرة الخواص،ص25 .
7ـ المصدر نفسه ،ص262.
8ـابن الأثير الجزري،الكامل في التاريخ ،ج3ص185ـ186 .
9ـ ابن الأثير الجزري،الكامل في التاريخ،ج5ص21 .
10ـابن كثير الدمشقي،البداية والنهاية،ج8ص210 .
11ـ المقدسي، البدء والتاريخ،ج6ص12.
12ـ أبو الفرج ابن الجوزي، المنتظم، ج5ص344.
13ـالقرطبي،التذكرة ،ص1120.
14ـالمصدر نفسه،ص1121 .
15ـالمصدر نفسه،ص1114 .
16ـالقندوزي،ينابيع المودة ،ج3ص93.