د. محمد العبادي ||
لقد قالوا وكرروا القول بأن شيعة العراق وتحديداً الشيعة من أهل الكوفة قد كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام ثم إنتقضوا عليه وقتلوه !!!
وللإجابة على تلك الأقوال وحقيقتها نريد في هذا المقال تحديد هوية وتركيبة الجيش ـ الذي قاتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه ـ ، وتوصيف الإمام وأصحابه لهم ، وسنستعرض ذلك بمايلي :
⭕نظرة في تركيبة الكوفة وولائها
الكوفة كان فيها الشيعي الموالي، وكان فيها الأموي المعادي، وكان فيها فئات متعددة من أصحاب المصالح، ولايعني بالضرورة أن جميع من سكن الكوفة أو كاتب الإمام الحسين وراسله هم من الشيعة ؛ بل كان فيها أخلاط من النّاس تتجاذبهم الإتجاهات والمصالح المختلفة، وقد ورد أن الإمام عليه السلام قبل أن يصل الى كربلاء إلتقى ببعض النّاس وسألهم عن أهل الكوفة فقال (أخبروني خبر الناس وراءكم، فَقَالَ لَهُ مجمع بن عَبْدِ اللَّهِ العائذي: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم، ويستخلص بِهِ نصيحتهم، فهم ألب واحد عَلَيْك، وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عَلَيْك، قَالَ: أخبروني، فهل لكم برسولي إليكم؟ قَالُوا: من هُوَ؟ قَالَ: قيس بن مسهر الصيداوي، فَقَالُوا: نعم، أخذه الحصين ابن تميم فبعث بِهِ إِلَى ابن زياد...)(1).
نعم لقد كان النّاس في الكوفة على مثل هذا التصنيف الذي ذكره مجمع العائذي أو مايقرب منه، وكان فيها أيضاً بعض النّاس على قلتهم ؛ أفئدتهم وسيوفهم مع الحسين عليه السلام ولم يبدلوا تبديلاً.
كما ان بعض الأشخاص من أهل الكوفة من الذين نصروا الحسين عليه السلام لم يكونوا من الشيعة، لكن واعية الحسين عليه السلام ودعوة الحق قد جذبتهم فصاروا من خلص أصحابه واستشهدوا معه فعلى سبيل المثال كان الحر بن يزيد الرياحي قد إلتقى بالحسين وأهله وأصحابه في نواحي القادسية، وكان يعمل ضمن القيادات الميدانية في معسكر دولة بني أمية، ولم يكاتب الحسين عليه السلام، لكنه كان محباً لأهل البيت عليهم السلام، وكان لجذوة ذلك الحب الإلهي الصافي في قلبه دور ملموس في خروجه من دائرة الباطل الى رحاب الحق في نصرة الإمام عليه السلام. وكمثال آخر الشهيد زهير بن القين الذي لم يكن من الشيعة، لكنه كان مستقيماً ومحباً للحق وعندما عرض عليه الإمام عليه السلام النصرة أخذت منه كلماته موضعاً في قلبه وساقته الى طريق التضحية والشهادة.
إن الكوفة في عصر الإمام الحسين عليه السلام لم تكن هي الكوفة في عصر أمير المؤمنين عليه السلام ؛ على أن هذه المدينة لم تكن خالصة للشيعة حتى في عصر علي عليه السلام فما بالك والإمام الحسين الذي كان قد قدم إليها بعد مضي (20) عاماً من تركها حيث نشأت أجيال جديدة فيها، وتوالى عليها أمراء وعمال بني أمية يعملون على حصاد السنبل الذي زرعه علي والحسنين عليهم السلام (2). ويكفينا أن نشير الى ان الكوفة رغم وجود أعيان الشيعة فيها، لكنها لم تسلم للإمام الحسن عليه السلام قيادها حينما كان معاوية ينازعه أمر الخلافة بالباطل، ولم يطاوعه رجالها في مرحلة الدفاع عن حقه في الخلافة، وقد بث الإمام همّه في ذلك وقال (والله أني ما سلمت الأمر إلا لأني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه )(3)، حتى ان أبو إسحاق السبيعي الذي يعتبر شيخ النواصب في الكوفة ـ وقد عاصر أحداث كربلاء ويروي بعض رواياته عن شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين(4) ـ ؛ قال (خرجت من الْكُوفَة وَلَيْسَ أحد يشك فِي فضل أبي بكر وَعمر وتقديمهما)(5).
هذا لايعني أن الكوفة كانت خالية من الشيعة في عصر الإمام الحسين عليه السلام، لكننا نقول أن الكوفة قد تم تدجينها وتطويعها على مقاسات أخرى حتى أن الرسائل التي وصلت للإمام الحسين تشكوا من وجود حالة من الإنحراف عن المسار الصحيح حيث كتبوا (وَأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ مَاتَتْ وَالْبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ)(6) ومضافاً الى ذلك فقد تم إستهداف رجالها وتصفيتهم تصفية جسدية خاصة أولئك الذين إستعصوا على أساليب الإستيعاب الأموية ترغيباً وترهيباً. ومع ذلك فقد بقي فيها ثلة قد استشهد بعضهم قبل وصول الإمام عليه السلام مثل ميثم التمار وهاني بن عروة وأضرابهم، وبعضهم قد تم تغييبهم وسجنهم من أمثال إبراهيم بن مالك الأشتر والمختار بن يوسف الثقفي، وعبدالله بن الحارث وغيرهم.
نعم لقد حالوا بين الإمام عليه السلام وقاعدته الجماهيرية في الكوفة حيث (ان ابن زياد أمر بأخذ مَا بين واقصة إِلَى طريق الشام إِلَى طريق الْبَصْرَة، فلا يدعون أحدا يلج وَلا أحدا يخرج)(7)، (وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسللون إلى حسين من الكوفة. فبلغ ذلك عبيد الله فخرج فعسكر بالنخيلة. واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث. وأخذ الناس بالخروج إلى النخيلة وضبط الجسر. فلم يترك أحدا يجوزه)(8).
حتى إنّ النّاس كانوا يتثاقلون عن تلبية دعوة ابن زياد ؛ فبعد أن يتم تعبئتهم في التوجه الى كربلاء ينصرفون خلسة ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة؛ فقد نقل الدينوري (ت282هـ) ذلك وقال (كان ابن زياد إذا وجه الرجل الى قتال الحسين في الجمع الكثير، يصلون الى كربلاء، ولم يبق منهم الا القليل، كانوا يكرهون قتال الحسين، فيرتدعون، ويتخلفون)(9).
ورغم وجود المسالح والنقاط التفتيشية التي زرعها ابن زياد على الطرق والمنافذ، غير أن بعض الشيعة تسللوا من الكوفة ووصلوا الى الإمام الحسين عليه السلام قبل يوم العاشر من أمثال حبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة وأبي ثمامة. وقد ذكر صاحب الفتوح أن حبيب بن مظاهر بعد وصوله الى معسكر الحسين عليه السلام ولما رأى قلّة الناصر إستأذن الإمام الحسين عليه السلام في الذهاب الى قومه من بني أسد ودعوتهم الى نصرة الإمام وقد وصلهم في جوف الليل، وقد وافق منهم جماعة على الإلتحاق بمخيم الحسين عليه السلام،لكن جيش ابن زياد إكتشفهم واشتبكوا ثم عاد أولئك الجماعة أدراجهم ورجع حبيب بن مظاهر الى الإمام وأعلمه بذلك الخبر.(10) وبعضهم لما لم تسعفه الحيلة في الإلتحاق بمخيم الحسين عليه السلام ؛ وخرج مع جيش ابن سعد، وتحينوا الفرصة في الذهاب الى معسكر الحسين وأصحابه مثل عمرو بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التيمي، وبكر بن حي بن تيم الله بن ثعلبة التيمي، و القاسم بن حبيب بن أبي بشر الازدي وغيرهم.
إنّ هذه الظاهرة تكشف على أن النّاس كانت قلوبهم ورغبتهم في نصرة الإمام الحسين عليه السلام، لكنهم غُلبوا على رغبتهم تلك، ونكصوا عن تلبية دعوة الإمام عليه السلام على أن بعضهم كما قال مجمع بن عبدالله العائذي يدور مدار مصالحه الشخصية والدنيوية ويمثل هذه الفئة المترفون وأعيان النّاس.
⭕أتباع بني أمية والخوارج هم الذين قتلوا الإمام الحسين عليه السلام
إن الذين كانوا يتولون زمام مسؤولية إدارة الكوفة هم من أتباع بني امية، وليس للشيعة فيها من نصيب، كما أن الذين عملوا بكل جهدهم لقتل الحسين مثل عبيدالله بن زياد واعوانه من قادة الجيش والشرطة كانوا من أتباع بني أمية، ولم يكن بينهم شيعي واحد في تلك المسؤوليات ؛ فأمير الجيش الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام هو عمر بن سعد وهذا الشخص ليس من أتباع الإمام عليه السلام، وكذلك فإنّ هذا الأمر ينطبق على شمر بن ذي الجوشن وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وحرملة بن كاهل وغيرهم.هؤلاء وغيرهم ليس لهم أدنى علاقة بأهل البيت عليهم السلام.
هؤلاء القتلة كان لهم دور كبير في قيادة الجموع الإرهابية والتي لم تقتصر على أتباع بني أمية في الكوفة ؛ بل كانت هناك قوى إسناد جاءت من الشام لهذا الغرض وقد ذكر ابن أعثم (ت313هـ) أن عبيدالله بن زياد قد أعطى العطاء لأهل الشام وأمرهم بالإلتحاق مع عمر بن سعد، فقد جاء في الفتوح أن ابن زياد (نزل عن المنبر ووضع لأهل الشام العطاء فأعطاهم ونادى فيهم بالخروج إلى عمر بن سعد ليكونوا أعوانا له على قتال الحسين)(11)، وعندما جاء أهل الشام الى الكوفة فرح ابن زياد وابن سعد ومن معهم وأعجبتهم كثرتهم فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله (واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه السلام)...)(12) وهذه الرواية صريحة في أن أهل الشام كانوا يقاتلون جنباً الى جنب مع أتباع بني أمية في معركة الطف. وكان دورهم بارزاً في الإشتراك والمعاونة في قتل الإمام الحسين عليه السلام ؛ فقد ذكر ابن سعد (ت230هـ) مايشير الى دورهم في المعركة ( ودعا رجل من أهل الشام علي بن حسين الأكبر...فقال : إن لك بأمير المؤمنين قرابة ورحماً، فإن شئت آمناك وامض حيث ما أحببت)(13) ،وقد روى الصدوق (ت381هـ) في الأمالي (وأقبل عدو الله سنان بن أنس الأيادي، وشمر ابن ذي الجوشن العامري في رجال من أهل الشام...)(14).
إن هذه الأخبار والروايات تؤكد وجود قوات عسكرية من أهل الشام إنضمت الى جيش أتباع بني أمية من أهل الكوفة، وقد قرأنا الرواية السابقة كيف أن قادة الجيش قد إستهلوا فرحاً بهذه القوات الرديفة والتي زادت من تلك الجموع المحاربة وقد ذكر المؤرخون بعض أسماء الشخصيات البارزة منهم مثل نمير بن الحصين السكوني(15) وأبو الجنوب عبدالرحمن الجعفي وغيره (16).
ثم إن هناك شخصية بارزة كانت تتولى قيادة الرجالة أو المشاة، وهذه الشخصية هو شبث بن ربعي والذي كان يتزعم الخوارج في عصر الإمام علي عليه السلام وهذا الشخص كان الخوارج قد إنتخبوه لزعامتهم. لقد كان متلوناً فقد خرج على عثمان، وكان مع أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم خرج عليه وصار أحد قادة الخوارج، ثم خرج على الحسين عليه السلام، ثم أصبح مع المختار ثم خرج على المختار، ثم أصبح ضد الأمويين !
هذا الشخص عند التدقيق في مواقفه المتقلبة وشخصيته غير المتسقة،لاسيما إذا نظرنا الى سوابقه في زعامة الخوارج ومكاتبته للحسين عليه السلام ثم إيكال مهمة قيادة الرجالة إليه في جيش ابن زياد لمقاتلة الإمام عليه السلام نفهم في ضوء ذلك أن أهداف الخوارج في تلك المرحلة قد إنصهرت في قالب أهداف بني أمية في التخلص من أهل البيت عليهم السلام.
من عجائب ما رشحت به أقلام أهل الأنساب والتراجم أنّهم يثنون عليه ويقولون بأنّه كان شريفاً وأنّه كان ناسكاً من العباد وفارساً! وهل يستحق الأشعث الذي قاد لواء المشاة أو الرجالة قتلة الإمام الحسين عليه السلام أن يقال في ترجمته : كان شريفاً وكان ناسكاً؟!حيث كتبوا(وكان ناسكا من العباد فارسا وكان مع علي بن أبي طالب ثم صار مع الخوارج حيث قالوا لعلي: قد خلعناك وأمرنا شبثا.)(17)،( خرج أَهْل حَرُوراء فِي عشرين ألفًا، عليهم شَبَثُ بْن رِبْعيّ، فكَّلمهم عليّ فحاجَّهُم، فرجعوا.
وقال سُلَيْمَان التَّيْميّ، عن أَنَس قَالَ: قَالَ شَبَثُ بْن رِبْعيّ: أَنَا أوّل من حرَّر الْحَرُورِيَّةَ، فقال رَجُل: مَا فِي هَذَا مَا تمتدح به.
وعن مُغِيرَةَ قَالَ: أوّل من حكم ابن الكَوَّاء وشَبَث.)(18)، (خرج ثم تاب وكان شريفا)!(19)
وكما نلاحظ فإن شبث كان زعيماً للخوارج ولا أستبعد أن يكون الخوارج في ضمن الجيش الذي خرج لمقاتلة الحسين لأنّ هدفهم مشترك مع الجيش الأموي في عداوتهم لأهل البيت عليهم السلام.
ومن عجب أن يتهموا الشيعة بأنّهم قتلوا الحسين عليه السلام، وفي مقابل ذلك يبرؤون قتلته من دمه ؛ بل يزكونهم ويوثقونهم ويقولون عنهم بأنّهم ثقات وأشراف ومن التابعين أو من كبار التابعين وإليك مايقولونه عن عمر بن سعد الذي هو قائد الجيش الذي قتل الحسين عليه السلام وهو الذي كان قد عبأ النّاس لقتال الحسين فقد ذكر عَبْدِ اللَّهِ بن يسار عن أبيه أنّه (كان يندب النّاس الى الحسين)(20)،وأول من رمى معسكر الحسين (فَقَالَ: اشهدوا أني أول من رمى.)(21)، وهو الذي أمر بأن توطئ الخيل الجسد الطاهر لأبي عبدالله عليه السلام (ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه مَن ينتدب إلى الحسين فيُوطئه فرسه، فانتدب عشرة..)(22)
وبعد كل ذلك الدورالمباشر للشرير المجرم (عمر بن سعد) ؛ يأتينا العجلي ويوثقه ثم يدافع عنه ويقول لم يباشر قتل الإمام الحسين !!! ؛ لنقرأ مايقوله العجلي في ترجمته (عمر بن سعد بن أبي وَقاص مدنِي ثِقَة كَانَ يروي عَن أَبِيه أَحَادِيث وروى النَّاس عَنهُ وَهُوَ الَّذِي قتل الْحُسَيْن قلت كَانَ أَمِير الْجَيْش وَلم يُبَاشر قَتله)(23) عجباً للنصب والتعصب كيف يفعل بأهله (فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)(24).
هؤلاء وغيرهم من قتلة الإمام الحسين عليه السلام تم تعريفهم وتزكيتهم، وفي مقابل ذلك أهمل أهل السير والتراجم كثير من الشيعة الأوفياء الذين قتلوا مع الحسين عليه السلام، بل أكثر من ذلك إتهموا الشيعة بالخيانة على أننا لاننكر أو نكابر في أن بعض أهل الكوفة من المحسوبين على الشيعة شكلاً كانوا مع الجيش الأموي في وقعة الطف.
لقد دافعوا عن المجرمين الذين ركبوا كل كريهة ودنيئة ونقيصة، ونقرأ عليهم قوله تعالى (هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)(25).
إن الأمة التي قتلت الحسين عليه السلام هي أمة بلا أخلاق فقد داست على أخلاقها عندما رضت جسد الحسين بسنابك خيلها، وقطعت كل صلة لها بالإنسانية عندما حزت رأس الحسين، واثبتت أنّها أمة متوحشة تفتخر بقطع الرؤوس والطواف بها في البلدان. لقد كانوا بلا شهامة ولارجولة عندما إستقووا على الأطفال الصغار وروعوهم، وكانوا بلاكرامة وحياء عند سبيهم لنساء آل محمد ! ومع كل مافعلوه بالحسين وشيعته فقد خرجت آية النّهار مبصرة ومنتصرة حيث كشفت مظلومية الحسين عن الوجه القبيح والبشع لبني أمية وأتباعهم.
⭕توصيفات إستعملها الإمام الحسين عليه السلام في الجيش الذي أتى لقتاله
عند التدقيق في الأقوال التي صدرت من الإمام عليه السلام نحو الجيش الذي جاء لقتاله فإننا سنشاهد أن الإمام يقول عنهم بأنّهم (شيعة آل أبي سفيان) وأتباع بني أمية حيث ناداهم الإمام الحسين عليه السلام (ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون )(26).
وخاطبهم الإمام عليه السلام يوم العاشر من المحرم بعبارة (الناس) وليس بعنوان شيعته : ( أَيُّهَا النَّاسُ إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إِلَى مأمني من الأرض)(27).
وذكرهم في دعائه بعنوان (قوم دعوه لينصروه ثم عَدو عليه) حيث قال في دعائه وشكواه (اللهم إحكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلوننا)، وقال عليه السلام (اللهم إن مَتَّعْتَهم إلى حين فَفَرِّقْهم فِرَقاً، واجعلهم طرائق قِدَداً، ولا تُرْضِ الوُلاةَ عنهم أبداً، فإنهم دَعَوْنا لِينصرونا، ثم عَدَوا علينا فقتلونا)(28).
ووصفهم الإمام عليه السلام بـ (الأعداء)عندما إجتمع بأصحابه وأهل بيته في يوم التاسع من المحرم فقال (أَلَا وَإِنِّي لَأَظُنُّ يَوْمَنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ غَدًا، وَإِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ جَمِيعًا فَانْطَلِقُوا فِي حِلٍّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ)(29).
ووصف الإمام عليه السلام أولئك الذين نقضوا عهدهم بأنّهم (أهل سفاهة وضلالة) أما أولئك القادة المستبدون وقادتهم فهم (طواغيت الأمة وبقية الأحزاب) حيث قال عليه السلام (اسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا(30)، وتهافَتُّم إليها كتَهَافُت الفراش، ثم نقضتموها، سِفَهاً وضله فبُعداً وسُحقاً لطواغيت هذه الأمة، وبقية الأحزاب، وَنَبَذةِ الكتاب، ومطفئي السنن ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين(31)وعصاة الإمام وملحقي العهر بالسنن ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم الخالدون أفهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون)(32).
ونادتهم العقيلة زينب عليها السلام ونعتتهم بـ (أهل الكوفة وبأهل الختل والخذل) فقالت : (يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل، أتبكون فلاسكتت العبرة، ولاهدأت الرنة...)(33).
هذه الأقوال وغيرها تكشف على أن الجيش الذي أتى لمحاربة الإمام عليه السلام وقتله لاعلاقة له بالشيعة.
⭕مواقف وأقوال متبادلة لأصحاب الحسين وأعدائهم تدحض فرية تشيع قتلته
عند مطالعة أقوال أصحاب الإمام عليه السلام نشاهد أنّهم يتحدثون عن هوية أولئك الذين تم تعبئتهم لمحاربة الحسين عليه السلام ؛ فقد حاول بعض أصحاب الإمام عليه السلام أن ينصحهم في رعاية حق أهل البيت فقابلوه بالسباب،لأن ولائهم كان لبني أمية ؛ فقد خرج زهير بن القين ناصحاً لذلك الجيش المتوثب (فسبوه، وأثنوا عَلَى عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، ودعوا لَهُ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ لا نبرح حَتَّى نقتل صاحبك ومن مَعَهُ، أو نبعث بِهِ وبأَصْحَابه إِلَى الأمير عُبَيْد اللَّهِ سلما)(34).
ولنقرأ قول عمرو بن الحجاج وهو يحرض النّاس على قتل الإمام الحسين عليه السلام ويقول لهم بأنّ الإمام الحسين عليه السلام قد مرق عن الدين ! في عدم مبايعته ليزيد، حيث قال (يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، الزموا طاعتكم وجماعتكم، وَلا ترتابوا فِي قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: يَا عَمْرو بن الحجاج، أعلي تحرض الناس؟ أنحن مرقنا وَأَنْتُمْ ثبتم عَلَيْهِ؟)(35).
يوجد تضليل أموي للنّاس، وتعبئة ضد الإمام الحسين عليه السلام في ان مخالفته ليزيد (الفاسق)هي مخالفة للدين ولإمام المسلمين، ويبدو أن هذه الأفكار المنحرفة كانت شائعة في بعض الأمصار بين أتباع بني أمية دون غيرهم !!!
لقد كانت وراء تلك العداوة المركوزة في القلوب ضد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه تضليل كبير للنّاس ومطامع وأهواء وحمية جاهلية ؛ حتى أن بعضهم كان يقول للإمام عليه السلام الذي هو سيد شباب أهل الجنة : أبشر بالنّار ! فقد جاء عَبْد اللَّهِ بن حوزة التميمي حَتَّى وقف أمام الْحُسَيْن، فَقَالَ: يَا حُسَيْن، يَا حُسَيْن! فَقَالَ حُسَيْن: مَا تشاء؟ قَالَ: أبشر بالنار)!(36). أليس هذا هو الضلال المبين ؟!
وتأملوا في قول علي بن قرظة بن كعب الأنصاري وهو ينادي : (يا حسين ياكذاب ابن الكذاب)(37) وهل أن هذا الشخص ـ الذي يتهم الإمام بالكذب ولايعرف أهل البيت عليهم السلام ـ كان شيعياً ؟!
لقد كان قادة الجيش الأموي وجنودهم لايسمعون قولاً ولايرقبون إلاً ولاذمة ؛ فقد كانت قلوبهم غلف عن إستقبال دعوة الحق، وتمكّن الشر منهم فأستباحوا دماء المسلمين ؛ بل دماء أهل البيت عليهم السلام، فهذا نافع بن هلال يطلق عباراته في نعت شمر بن ذي الجوشن عندما رآه قد إنتضى سيفه (فَقَالَ لَهُ نَافِعٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَعَظُمَ عَلَيْكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ بِدِمَائِنَا، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مَنَايَانَا عَلَى يَدَيْ شَرَارِ خَلْقِهِ! فَقَتَلَهُ شَمِرٌ)(38)
وخرج الحر بن يزيد واعظاً لهم، لكنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم وقابلوه بالعناد (فحملت عَلَيْهِ رجالة لَهُمْ ترميه بالنبل)(39).
واستأذن برير بن خضير الهمداني من الإمام عليه السلام وكلمهم وقال (...وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه، وقد حيل بينه وبين ابنه [ابن بنت رسول الله]، فقالوا : يا برير، قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله)(40)
لقد ناشدهم الإمام الحسين عليه السلام بكلام يفيض بالرحمة والشفقة عليهم غير أنّهم تمادوا في غيّهم وقالوا (نحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً)(41)، (وَنَادَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْحُصَيْنِ الْأَزْدِيُّ وَعِدَادُهُ فِي بُجَيْلَةَ: يَا حُسَيْنُ أَمَا تَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ؟ لَا تَذُوقُ مِنْهُ قَطْرَةً حَتَّى تَمُوتَ عَطَشًا!)(42).
وهل هذا الشخص الذي يقول للإمام الحسين عليه السلام إن الصلاة لاتقبل منك هل هذا الشخص : شيعي ؟! حيث قال (لَهُمُ الحصين بن تميم: إنها لا تقبل، فَقَالَ لَهُ حبيب بن مظاهر: لا تقبل زعمت! الصَّلاة من آل رسول الله (ص) لا تقبل وتقبل مِنْكَ يَا حمار!)(43).
لنسأل هؤلاء الذين يتهمون الشيعة ظلماً وعدواناً هل هؤلاء الوحوش الذين يقولون للإمام الحسين أبشر بالنّار، وصلاتك لاتقبل، أو أولئك الذين يقولون : لن نتركك حتى تذوق الموت عطشاً الى غير ذلك من الكلمات هل هؤلاء شيعة ؟! إن شيعة الحسين عليه السلام هم أولئك الذين إتبعوه وقَدموا إليه وإستشهدوا بين يديه وليس أولئك الذين يقولون له أبشر بالنّار وصلاتك غير مقبولة ويقاتلونه و..و..الخ !!!
لقد كانت الأقوال التي ألقاها أصحاب الإمام الحسين على مسامع أعدائهم، وفي مقابلها تلك الأقوال النارية التي قذف بها عناصر من جيش يزيد نحو الحسين عليه السلام وأصحابه تكشف هوية تلك الفئات التي حملها الولاء لبني أمية ،والبغض والعداء لآل البيت عليهم السلام. لقد كان ولائهم لبني أمية واضحاً على أننا لاننكر وجود فئات أخرى من أهل الكوفة قاتلت الحسين عليه السلام تقودها المصالح الدنيوية المختلف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص405.
2ـ عند مطالعة النصوص التاريخية التي تتناول الفترة من سنة 41ـ60هـ نشاهد كثير الظلم الذي إستهدف الشيعة على وجه الخصوص حيث قاموا بتعذيبهم جسدياً ونفسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ولم يجدوا لهم من ذلك ملجئاً غير الهجرة والفرار ( روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة : (أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كُورة وعلى كل منبر يلعنون عليًّا ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة، وضم إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسَمَل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم). ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج11ص44، وقال الطبرسي نحو ذلك حيث ذكر (فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقين :الكوفة والبصرة، فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، يقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وصلبهم في جذوع النخل، وسمل أعينهم، وطردهم وشردهم، حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور، فهم بين مقتول أو مصلوب، أو محبوس، أو طريد، أو شريد.). الطبرسي، الإحتجاج، ج2ص17.
3ـ الطبرسي، الإحتجاج، ح2ص185. وذكر ابن أعثم الكوفي (وجعل زياد يتتبع شيعة علي بن أبي طالب فيقتلهم تحت كل حجر ومدر حتى قتل منهم خلقا كثيرا، وجعل يقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم، وجعل أيضا يغري بهم معاوية، فقتل منهم معاوية جماعة، وفيمن قتل منهم حجر بن عدي الكندي وأصحابه. وبلغ ذلك الحسن بن علي فقال : اللهم ! خذلنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالا عاجلا، إنك على كل شيء قدير !). ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج4ص316. هذه مقتطفات من المشاهد المرعبة التي كان يستخدمها بني أمية ضد الشيعة.
4ـ الصفدي، الوافي بالوفيات، ج16ص105.
5ـ الذهبي، المنتقى من منهاج الإعتدال، تحقيق محب الدين الخطيب، ص360.
6ـ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج3ص135.
7ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص392 ؛ ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، ج8ص184.
8ـ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج1ص466.
9ـ الدينوري، الأخبار الطوال، ص254.
10ـ أنظر : ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5ص89.
11ـ المصدر نفسه، ج5ص89.
12ـ الكليني، الكافي، تحقيق على أكبر غفاري، ج4ص147.
13ـ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج1ص470 ؛ ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (من طبقات ابن سعد)، تحقيق عبدالعزيز الطباطبائي ، ص73.
14ـ الصدوق، الأمالي، ص226، المجلس الثلاثون.
15ـ هذا الشخص هو(الّذي كان أمير يزيد بن معاوية على قتال أهل مكة). ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج2ص80، رقم الترجمة 1752. وأنّه من أهل حمص. أنظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج65ص158 ؛ وقال ابن الأثير إنّه : تولى قيادة جيش الشام بعد وفاة مسلم بن عقبة حيث تقدم الى مكة لمحاربة ابن الزبير وهو الذي حرق الكعبة. أنظر : ابن الأثير الجزري، أسد الغابة، ج5ص170، رقم الترجمة 4926.
16ـ أنظر : الطبري، تاريخ الطبري، ج4ص344 ؛ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج4ص77.
17ـ علاء الدين الحنفي، إكمال تهذيب الكمال، تحقيق ابو عبدالرحمن عادل بن محمد، أبو محمد أسامة بن إبراهيم، ج6ص205.
18ـ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج2ص308.
19ـ الذهبي، الكاشف، ج1ص477، رقم الترجمة 2231.
20ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص410.
21ـ المصدر نفسه، ج5ص249 .
22ـ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج4ص79.
23ـ العجلي، الثقات، تحقيق عبد العليم عبد العظيم البستوي، ج2ص166، رقم الترجمة 1343 .
24ـ سورة الحج ، الآية 46 .
25ـ سورة النساء، الآية 109.
26ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص425.
27ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص425 ؛ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج3ص170.
28ـ المفيد، الإرشاد، ص241.
29ـ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج3ص166.
30ـ الدَّبا : هو الجراد الذي يتحرك قبل أن تنبت أجنحته. أنظر : الفيومي، المصباح المنير، ج1ص189، مادة دبي.
31ـ عِضِين: جَمْعُ عِضَة، مِنْ عَضَّيْتُ الشَّيْءَ إِذَا فَرَّقْته وجَعَلتَه أَعْضَاء. ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث، ج3ص255، مادة عَضَا.
32ـ الطبرسي، الإحتجاج، ج2ص24.
33ـ المشغري الشامي، الدر النظيم، ص560.
34ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص426.
35ـ المصدر نفسه، ج5ص435.
36ـ المصدر نفسه ، ج5ص430.
37ـ المصدر نفسه ، ج5ص434.
38ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص442 ؛ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج3ص177.
39ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص428.
40ـ الصدوق، الأمالي، ص222 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص185.
41ـ الصدوق، الأمالي، ص223 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص186.
42ـ ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج3ص163.
43ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج5ص439.
https://telegram.me/buratha