د. سيف الدين زمان الدراجي* ||
· إنقاذ الأرض مسؤوليتنا فعليها ما يستحق الحياة
·
القت مخاطر التغيرات المناخية بظلالها على طبيعة العلاقات الدولية- الثنائية والمتعددة الأطراف- ومستقبل النظام العالمي. حيث تُشكل تلك المخاطر تهديداً عالمياً على الأمن والأزدهار والإستقرار، لاسيما بعد فشل التوصل الى اتفاق موحد يشتمل على سياسات واضحة لمواجهة تداعيات ذلك. وهو ما دفع المجتمع الدولي إلى تحديد إطار العلاقة المحورية ما بين سياسات الدول الخارجية والأمن المناخي.
يعرف الأمن المناخي بأنه " مفهوم مواجهة الخطر المرتبط بالتغيرات المناخية والتي تؤثر على الأنظمة البيئية وتُهدد الأمن البشري".
تشير التغيرات المناخية إلى التكوين المُفرط لغاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن النشاط البشري، بالإضافة إلى الغازات الدفيئة. حيث يزيد غاز ثاني أوكسيد الكربون من كمية الطاقة الشمسية المنعكسة والتي تظل عالقة في الغلاف الجوي للأرض، مسببة "تسخين تدريجي للهواء والمحيطات وسطح الأرض". أما الغازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي، فهي تعمل على "إمتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض، وتقلل من ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء متسببةً بظاهرة الإحتباس الحراري".
إن عواقب ازدياد الاحتباس الحراري العالمي- لاسيما في الدول التي تعاني من تضاؤل في مواردها الطبيعية وضعف في توفير إحتياجاتها الإنسانية من الماء والغذاء، وفشل في نظامها الصحي نتيجة لعدم قدرتها على مواجهة الأمراض والأوبئة، فضلاً عن تلك الدول التي تعاني في الأساس من نزاعات وصراعات مُسلحة، أو خرجت للتو منها- ستؤدي إلى حدوث تغيرات جيوسياسية و أزمات دولية لا يمكن السيطرة عليها، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الهجرة النظامية وغير النظامية، والنزوح غير التطوعي، وما يتصل بهما من تحديات أمنية وإنسانية.
أشار عدد من الباحثين إلى أنه بحلول عام 2100 سترتفع درجة حرارة الأرض بمقدار يتراوح ما بين 1-5 درجة سيليزية، مُسببة خللاً في النظام البيئي وارتفاعاً في مستوى المياه قد يصل ما بين 5-7 متر، وهو ما قد يتسبب بغرق بعض الدول منها على سبيل المثال "بنغلادش" الأمر الذي سيتسبب بأزمة كبيرة وكارثة إنسانية ليس على الدولة ذاتها فحسب، بل على الدول المجاورة لها " كالهند والنيبال وميانمار".
لقد ركزت المداولات الأخيرة لمجلس الأمن الدولي على مخاطر التغيرات المناخية من حيث تقلص الموارد الطبيعية، و شحة المياه والغذاء، و تطور النزاعات السكانية، لتنتقل من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني ومن ثم الدولي. كما قد يتسبب ذلك في ازدياد حالات الفقر التي قد يتم إستغلالها من قبل المجموعات الإرهابية التي تعُد هذه المجتمعات بيئة خصبة لتنامي نشاطاتها وتجنيد عناصرها.
كذلك أصدر البنك الدولي تقريراً حدد فيه الدول الأكثر عُرضة للتغيرات المناخية كالجفاف والتصحر وإرتفاع منسوب البحار والفيضانات والعواصف وانعدام الأمن الغذائي، والتي تتفاقم مع ازدياد النمو السكاني وفشل الدول في وضع استراتيجيات وخطط التعامل مع هذه المتغيرات. وهو ما دفع مجلس الأمن الدولي إلى التشديد على مساعدة الدول الضعيفة للتكيُف مع التغيرات المناخية، و تبني سياسات خارجية موحدة لحث الدول على "خفض الانبعاثات العالمية لمواجهة التأثيرات المتصاعدة لازمة المناخ على السلم والأمن الدوليين".
تُشير عدد من التقارير إلى أن مُعالجة المخاطر الأمنية لتغير المناخ تتطلب إدارة ما لا مفر منه وتجنب ما لا يمكن ادارته، من خلال:
أولاً: تعزيز التعاون الدولي والعمل على بلورة سياسات خارجية تتناسب والتحديات الكبيرة التي ستواجه العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا على وجه الخصوص، مع التأكيد على دور دبلوماسية المناخ في حل المشاكل العالقة مع دول الجوار، من خلال الحوار البناء و ضمان شراكات دولية بأبعاد جيوإستراتيجية. بالإضافة إلى تطوير السياسات الرامية إلى التخفيف من آثار التغيرات المناخية التي تتوافق مع أولويات الأمن الدولي.
ثانياً: ضرورة التركيز على إدراج تحديات التغيرات المناخية وتأثيرهاتها على الأمن الوطني والقومي، وتحديد سياسات الدول الخارجية وأمنها المناخي في الإستراتيجيات الوطنية. وتخصيص الموارد اللازمة لإدارة تأثيرات التغيرات المناخية على الغذاء والماء وأمن الطاقة. فضلاً عن تأثيراتها الجيوسياسية.
ثالثاً: تطوير القدرات المدنية والعسكرية، و تهيئة الرأي العام المجتمعي، للمساهمة في الحد من مخاطر الكوارث البيئية من خلال تعزيز فهم أوسع للتعامل مع الضغوط الناتجة عن التغيرات المناخية و إنعكاساتها على عوامل إستقرار الدول ومقومات أمنها المجتمعي.
في الختام، لابد من التاكيد على إن إستشعار الخطر الذي يُهدد البشرية جمعاء نتيجة للتهديدات الناجمة عن التغيرات المناخية، سيساهم في رسم سياسات خارجية ودفاعية موحدة للتصدي للمخاطر الأمنية التي تنطوي عليها، وتطوير القدرات التحليلية لتقييم تلك التهديدات، وتقديم رؤى وإستراتيجيات وخطط تنفيذية للتصدي لها.
*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي. رئيس مركز المدى للدراسات الدولية.
https://telegram.me/buratha