محمد عبد الجبار الشبوط ||
ليس محمد باقر الصدر(١٩٣٥-١٩٨٠)، الذي نستذكر هذه الايام واقعة استشهاده على يد طاغية العصر صدام حسين، مؤلفا عابرا ولا رجل دين تقليديا، ولا فقيها عاديا يضاف الى قائمة الفقهاء الطويلة، انما هو صاحب رؤية حضارية متقدمة ومتكاملة ورافع راية عالية في معركة ضد التخلف الذي تعاني منه الشعوب الاسلامية ودعوة مفتوحة من اجل النهضة درس الصدر العلوم الاسلامية، وتفوق على اقرانه، ونال درجة الاجتهاد وهو شاب لكنه قرر ان يستخدم علمه الفقهي من اجل النهوض بالمجتمعات المتخلفة وانقاذ العالم الاسلامي من الضياع والتشتت والتبعية والتخلف ولهذا نجد اليوم ان كتاباته المختلفة والمتعددة تشكل صرحا معرفيا عظيما في اطروحة النهضة والتقدم، حاول صدام حسين القضاء عليها، دون جدوى، لكنه ربما استطاع اجهاضها بالتصفية الجسدية المبكرة جدا لهذا العقل المبدع الحضاري الجبار، لان عطاء الصدر الفكري لم يستنفد اغراضه ولم يستخرج كل مكنوناته وممكناته يوم اعدامه في التاسع من نيسان عام ١٩٨٠ ذلك ان السيرة الفكرية والفقهية للسيد الصدر تشي بانه ينطوي على عقل دائم التفكير والانتاج، في اطار علاقة جدلية بين النص الديني الالهي الذي تخصص بدراسته، وبين الواقع المعاش الذي عقد العزم على انقاذه من التخلف والنهوض به والانضمام الى ركب المجتمعات المتقدمة، وذلك وفق منهجية الفهم الحضاري للقران والاسلام التي شكلت البنية التحتية لاجتهاده الفقهي
كان "الشرط الاساسي لنهضة الامة" هو الشغل الشاغل لعقل الصدر، وهذا هو عنوان الافتتاحية التي كتبها في العدد الاول لمجلة "الاضواء" النجفية الصادر في ٩ حزيران عام ١٩٦٠ واذا كان الصدر كتب في الفقرة الاولى لهذا المقال:"ان الشرط الاساسي لنهضة الامة -اي امة كانت- ان يتوفر لديها المبدأ الصالح الذي يحدد لها اهدافها وغاياتها ويضع لها مثلتا العليا ويرسم اتجهعا في الحياة فتسير في ضوئه واثقة من رسالتها مطمئنة الى طريقها متطلعة الى مل تستهدفه من مثل وغايات، مستوحية من المبدأ وجودها الفمري وكيانها الروحي"، فان كل كتاباته الاخرى، مثل فلسفتنا واقتصادنا والاسس المنطقية للاستقراء والاسلام يقود الحياة والتفسير الموضوعي للقران وغيرها، انما كانت تفصيلا وتفريعا لهذا الاصل الذي يؤدي الاخذ به الى السير في طريق النهوض الحضاري والقضاء على التخلف
ولما كان العقل الصدري يتحرك فكريا في اطار القران والنصوص المنقولة عن النبي والائمة والاجتهادات الفقهية لمن سبقه من الفقهاء من الشيعة والسنة، فقد كان عليه ان يؤسس لطريقة في فهم النصوص توصله الى مبتغاه وهو توظيف هذه النصوص وما تنطوي عليه من افكار ومفاهيم وهذا هو موضع بحث "اقسام الدلالة" في المشروع النهضوي الحضاري للصدر وفي سياق تطوره الفكري انتبه الصدر الى قاعدة طرحها العلامة محمد جواد مغنية في كتابه المهم "فقه الامام الصادق" وكتب الصدر في ضوئها مقالته المهمة "الفهم الاجتماعي للنص"، وهو خطوة متقدمة الى الامام تأتي بعد فهم "الدلالات اللفضية الوضعية" للنص، و"الدلالات اللفضية السياقية" له ولكنه تقدم خطوة جبارة اخرى الى الامام في محاضراته عن تفسير القران حين طرح منهجية "التفسير الموضوعي" للقران الكريم وفي ثنايا هذه المنهجية طرح الصدر منهجية خامسة لم يسمها لكنه شرح مضمونها، وهي ما تجرأتُ على تسميتها "الفهم الحضاري للقران" ويمكن ان نفهم عناصر هذه المنهجية من خلال كلام الصدر كما يلي:
اولا، الحداثة وهي تعني توظيف ثقافة العصر في فهم القران، او فهم القران من خلال ثقافة العصر قال الصدر: ان المفسر "وظيفته "دائما وفي كل مرحلة وفي كل عصر ان يحمل كل تراث البشرية الذي عاشه يحمل افكار عصره ويحمل المقولات التي تعلمها في تجربته البشرية ثم يضعها بين يدي القران" لتكون "نتائج" هذا التفسير "مرتبطة دائما بتيار التجربة البشرية"
يتبع
https://telegram.me/buratha