د. سعد سادر الدراجي / باحث
S_saad72@yahoo.com
أن الثورات والحركات المقدسة، قد ابتدأت في الحقيقة بالأنبياء العظام، وقد ورد ذكر تلك الثورات، والحركات المقدسة، وجهاد الأنبياء المقدس في القرآن الكريم، حيث وردت قصص الانبياء (موسى وإبراهيم ونوح وهود ولوط وصالح وشعيب وخاتم الأنبياء محمد (صلوات الله عليهم جميعا))، بأنهم قاموا في سبيل مكافحة عبادة الأصنام والنضال ضد الظلم والاستبداد والجهل والتعصب والإسراف والتبذير والإفساد في الأرض والفحشاء والامتيازات الاجتماعية الوهمية، وهو بالضبط ما نبغي الوصول اليه من خلال تنمية جيل الشباب المسلم المؤمن وخلق منه جيلا رساليا يجسد اخلاق الانبياء(عليهم السلام ) واخلاق اهل البيت ( عليهم صلوات ربي اجمعين) وتحويلها الى واقع ملموس وعملي لتحقيق التكامل الامثل في مجتمعاتنا.
وقد واصل الأوصياء والأئمة من أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) هذه المهمة لتترجم في الواقع في أعمال وممارسات وعلاقات، ولهذا كانت القيم الأخلاقية هي المحور الأساسي في حركاتهم، وقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته المباركة المفاهيم والقيم الأخلاقية الصالحة، وضرب لنا وأصحابه وأهل بيته أروع الأمثلة في درجات التكامل الخلقي . وقد سلك الإمام الحسين (عليه السلام) الطريق نفسه الذي سلكه الأنبياء، لكنه بالطبع واجه ظروفا غير تلك التي واجهت الأنبياء والسبب في سيره على خط الأنبياء والصالحين الذي دعا إليه الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) وقدم نفسه الطاهرة قربانا، هو الانحراف الذي حدث في ذلك الوقت على يد الحكام، والعزوف عن اتباع الحق، والأقوال الواردة في تاريخ عاشوراء خير دليل على ذلك، إذ قال (عليه السلام) وهو يخاطب الجموع من حوله ناصحا لهم باتباع الحق والرجوع عن الباطل: "آلا ترون أن الحق لا يعمل به، وان الباطل لا يتناهى عنه..." وامثالها الكثير، والتي تدعو إلى ضرورة التمسك بالقيم الإسلامية والعمل بها، لقد أراد الإمام أن يسجل اعتراضه، وعدم رضاه ومطالبته بالعدالة والحق (وبالتالي نشر راية الإسلام) بواسطة سيل من الدماء التي تدفقت من بدنه وأبدان أهله واصحابه، والتاريخ يثبت لنا أن الخطب والأقوال التي تسجل بالدم لا يمكن أن تمحى من الوجود أبدا، ذلك إنها تعبر عن خلوص نية، وعمق إرادة، وكمال إخلاص، وصفاء فكر .
وإننا في هذا الزمان – كما كان الناس قبلنا – بحاجة إلى فكر نوراني ملهب ورشيد في آن واحد كفكر الإمام الحسين (عليه السلام)، وإلى الانفتاح الإنساني الواسع على شخصيته عسى أن نستفيد من مخزونه الروحي والقيمي والثقافي واستثماره في معالجة قضايانا الكئود، وحل إشكاليات الإنسان العميقة في هذا العصر، فلم يعد الحسين(عليه السلام) مجرد ثورة وحركة جهادية، بل هو مشعل نور متوهج ومتألق في كل شيء، وإذا كان الناس قد أفرطوا في حب الحسين والتأثر بمواقفه السياسية والجهادية، فإننا نطالبهم بالإفراط في اتخاذه قدوتهم في المعرفة والأخلاق والإصلاح الاجتماعي والأدب والتربية الجهادية والانتصار على شهوات الذات، والمبالغة في الارتباط بكل جانب من جوانب حياته المضيئة، (فالإنسان المؤمن وغير المؤمن بحاجة إلى معرفة ( الحسين الثائر) والحسين (المصلح الاجتماعي ) والحسين (الرسالي ) وبحاجة لروح الحسين ( العرفاني ) والحسين (الشاعر) والحسين ( المربي ) والحسين ( المرشد الأخلاقي) والحسين ( السياسي ) المتمكن، والحسين (المجاهد المقاتل) الذي لا يأبه ( الموت ) ولا يخافه .
اهمية الاستفادة من ثورة الامام الحسين ( عليه السلام)
وتأسيسا على ما تقدم فأن أهمية الاستفادة من ثورة الامام الحسين (عليه السلام) في بناء مجتمع صالح وجيل شبابي قادر على التاثير والتغيير الايجابي في المجتمع تتجلى من خلال:
1- أهمية القيم في حياة المجتمع، للدور الذي تلعبه في تكامل البنية الاجتماعية وانسجام أفراد المجتمع وتماسكهم في ما يواجههم من تحد مصيري في عالم اصبح فيه لموقف المجتمع الموحد أهمية كبيرة لبقائه وديمومته.
2 - إن بذر القيم التربوية التي هي قوام منهج الإسلام الشامل في نفوس الشباب، هي الضمان لتحقيق أهداف التربية الإسلامية، ومن هنا فتحديد الأهداف لا بد أن يراعي صفة الشمول التي تكتسبها تلك القيم، بحيث تتكامل فيها النواحي العقدية مع النواحي المنهجية، وهذه مع النواحي الأخلاقية، وفي غياب هذا التكامل تذهب الجهود المبذولة هدرا وتنتهي إلى بناء مهزوز وطريق مسدود.
3 - ترتبط القيم التربوية في أمة من الأمم ارتباطا صميما بثقافتها، وعليه فإن فصل القيم التربوية الإسلامية عن إطارها الثقافي السليم ودمجها في مناخ من الازدواجية الثقافية، أو تركها تحت طائلة الغزو الثقافي يعرضها للذوبان وينزع منها الفعالية في صياغة الشخصية الإسلامية القوية وصنع الواقع الحضاري السليم.
4 - تبصير المجتمع المسلم –الشباب على وجه الخصوص- بالقيم التربوية الإسلامية التي يحتاج المجتمع الإسلامي إلى تعزيزها وتنميتها وذلك من اجل إعداد الإنسان إعدادا صحيحا قادرا على مواجهة متطلبات المرحلة المقبلة.
5 - إن الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية (بمفهومها الحضاري الشامل)، لابد أن يحتدم في الاتجاه الإيجابي الفعال الذي ينتهي إلى تحرير الثقافة الإسلامية والقيم المنبثقة منها من أجواء الثقافة الغربية القائمة على أسس ومقومات مناقضة لأسس الإسلام ومقوماته التي منها الربانية والثبات، فالثقافة الإسلامية تعبر عن أسس قائمة على القيم الدينية والأخلاقية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومن ثم فإن الهدف من مثل هذا اللون من ألوان التعليم هو بناء الإنسان المسلم الراسخ الإيمان بالله، الذي لا يتعدى حدود الله، بل يحاول أن يفهم ظواهر الكون، خارجية أو داخلية، في ضوء قدرة الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء .
وبذلك يمكن تجسد القيم والمفاهيم في النهضة الحسينية المقدسة وتحويلها إلى منظومة ثقافية واسعة، وحركة عقلانية منظمة تطل على شخصية الإمام الحسين ( عليه السلام) من جوانبها جميعها دون تركيز على ( الجانب المأساوي ) وحده، بل ينبغي تفحص تراث الإمام الحسين (عليه السلام) في الفكر والعلم والتربية والأخلاق والقيم والأدب والشعر والعرفان الروحي، والإصلاح الاجتماعي، والنشاط السياسي، وأن تعقد حوارات بين هذا التراث والواقع الإنساني، فتستنطقه الأمة في قضاياها الإنسانية المعاصرة، وتستمد منه معرفة مستنيرة قادرة على مواجهة إشكاليات العصر.
- محمود العذاري، القيم الأخلاقية في النهضة الحسينية، شبكة الشيعة الإسلامية.
- المطهري، مرتضى، الملحمة الحسينية، الدار الإسلامية، 1990، 3/333-343.
- المطهري، مرتضى، الملحمة الحسينية.
- عبد المجيد بن مسعود، القيم الإسلامية التربوية في المجتمع المعاصر، (كتاب الآمة-67)، 2004، ص70
https://telegram.me/buratha