رياض البغدادي ||
لقد كان عدد الكراريس والكتب المتوفرة لدى المجاهدين في العراق ، مثلا ، ابان الثمانينات محدودا ، ولا نبالغ في قولنا ان المؤمنين كانوا يحرصون على هذه الكراريس حرصهم على حياتهم ،ولانها كانت قليلة ، ولان عملهم ونشاطهم كان واسعا قياسا الى ما تتطلبه المرحلة وقياسا إلى عددهم و مهماتهم المطلوبة كانوا يضطرون الى حفظ كثير من هذه الكراريس على ظهور قلوبهم، لكي يستطيعوا ان يتصلوا بالجماهير ويكسبوها لصفوف الحركات المقاومة بمأمن من عيون السلطة المعادية ، ولا بأس أن نشير الى كراس كان مشهورا في تلك المرحلة وهو كراس ( الاسلام يقود الحياة ) كان الكثير من المجاهدين يحفظون مقاطع طويلة من هذا الكراس وكانوا يثقفون عليه عن ظهر قلب ، كما كان المجاهدون يبتكرون الوسائل لكي يخفوا كتب ونشرات احزابهم الاسلامية وادبياتها بمأمن ومنأى عن عيون السلطة المجرمة في اشد حالات هجماتها القاسية ، ولكي يحولوا دون تلف تلك الأدبيات و تلك الكتب ، و كان الكثير من المجاهدين يضطرون إلى اتلاف بعض الكتب او بعض الكراريس ، وكانوا يحتفظون بالبعض منها ، رغم انهم كانوا يعرفون أن ذلك قد يعرضهم الى عقوبات لم يكن مداها معروفا ، ولكنها كانت قاسية جدا وقد تصل في اكثر الاحيان الى الاعدام...
الان نجد ان اخواننا المؤمنين لا يجدون من يتحداهم لكي يحرصوا على قراءة ادبيات المقاومة و كتبها ، ولا نقول على اقتنائها ، لانها مهما تفاوتت درجة توفرها كثرة او قلة ، لا تثير لديهم كبير اهتمام فهي موجودة في الانترنت وهي تعطى اليهم بشكل دائم وقت ما يطلبون ، وقد نبالغ اذا قلنا ان الكثير من الاخوة المجاهدين يخجلون من اقتنائها وكأنهم يرتكبون فعلاً منكراً ، لماذا هذه الظاهرة ، اذن ، اضافة الى ما اسلفنا ، وما أسميناه بالمسألة النفسية ؟ كيف تعالج ؟ وهل من حاجة الى تأكيد الضرورات المبدئية والعملية للفكر والثقافة الدينية والجهادية لاية حركة اسلامية وقد أشرنا الى ذلك في بداية حديثنا ؟ وما هي مستلزمات سبل المعالجة لا نقول لخلق ثقافة جهادية وانما لترسيخ وتعميق هذه الثقافة وتوظيفها لصالح جبهة المقاومة ، منطلقة من موقع قانونية عملها في العراق ؟
نستطيع أن نُجمل دوافع هذه الظاهرة عبر جملة أمور ، لا ندعي انها هي كل شيء ، الا ان موضوعا من هذا النوع لا يحتمل تفصيلات كثيرة :
اولا ـ العدد الكبير والغفير من المجاهدين الذين لم يستطيعوا أن يدركوا أهمية الثقافة والوعي الجهادي ، ازاء حالة واقعية موجودة امامهم ، وهي حالة اللا تحدي كما يتصورون .
ثانيا ۔ ان بعض دوافع الانتماء اصلا الى المقاومة بعد دخول داعش ودونما محاولة لاتهام احد ، او اطلاق صفات سلبية على المنتمين الجدد ، هي ليست ذات الدوافع التي كانت ، او التي ساهمت في زج المجاهدين السابقين الى جبهة المقاومة ، لسنا بالتأكيد مع النظرة المنغلقة التي تبقى على كيانية جامدة ، محكوم عليها بالموت ، ولكننا لا بد أن نشير الى ان الدماء الجديدة المطلوبة ينبغي أن تكون دماء ( متعوب عليها ) ، او متعوب على اختيارها - اذا جاز التعبير- كي تستطيع ان تكون اسهاما حقيقيا ، واضافة فعلية ، لكى تستمر روح المقاومة والجهاد واذا كان انتماء الجدد لبعض الدوافع التي لا تنبع جميعها من القناعات الكاملة بمنهج المقاومة والجهاد ومنطلقاتها الفكرية والمبدئية ، وهذا طبيعي في الانتماء لاية حركة ثورية في البدايات ، فان ذلك يمكن أن يكون مع اي حزب ، وفي مرحلة العمل السري ، الا أن الفرق وهو جوهري ، ان المعارك الاقتحامية - ابان العمل السري - اكثر قدرة على صهر المجاهدين وابقاء العناصر ذات الصلة الحية بالمقاومة والمقتدرة ، وافراز العناصر المتهافتة والمترددة خارجه ، أما في فترة العمل العلني فان المقاييس ينبغي أن تكون مختلفة ، وينبغي أن تكون التحديات الجديدة هي ليست التحديات السابقة ذاتها ، لانها غير موجودة أصلا .
(يتبع)
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha