دراسات

دراسة / البيئة السياسية والأمن الوطني العراقي


أ.د عبد الجبار احمد عبد الله ـ كلية العلوم السياسية ـ جامعة بغداد  /    أ م. د. احمد محمد العوادي ـ مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية جامعة بغداد

منشور في العدد ٤٧-٤٨ من مجلة حوار الفكر الفصلية الفكرية الصادره عن المعهد العراقي لحوار الفكر

سنحاول معالجة موضوع الورقة من خلال مجموعة محاور وبالتتابع

أولاً: ما هي طبيعة العلاقة بين البيئة السياسية والأمن الوطني:

لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما علاقة تصارع وتضاد بل علاقة تعاون وتكامل وتأثير وتأثر وسبب ونتيجة، وهي بالمحصلة الأخيرة تشكل علاقة عضوية حيوية يمكن أن تأخذ أبعادا عديدة، والبيئة السياسية تخص نوع النظام السياسي وطبيعة المؤسسات القانونية والدستورية وماهية شرعيتها إلى جانب الاستقرار السياسي وطبيعة الإيديولوجيات السائدة وقدرة الدولة على التدخل والحركة وطبيعة مؤسسات الدولة العاملة.

كذلك تشمل نوعية الاقتصاد وطبيعته وماهية الموارد المتوفرة ومدى توظيفها واستثمارها بالشكل السليم، والجانب الاجتماعي من حيث طبيعة التكامل والتماسك المجتمعي والبناء والتكوين الاجتماعي، ما بين متماسك منسجم أو منقسم، ويشكل عنصرا مهما وحساسا في البيئة الداخلية، وبالأخير ماهية الموارد المائية والحياتية الموجودة وهي عامل مهم ومؤثر في تحديد البيئة السياسية من حيث الأمن المائي أو الغذائي والبيئي.

أما الأمن الوطني فمن نافلة القول أن الأمن ظاهرة مجتمعية ومركبة ونسبية ومسالة وجود أو بقاء والحفاظ على مصالح عديدة جوهرها الدولة والمواطن.

والأمن الوطني (القومي) هو تامين كيان الدولة ومصالحها وقيمها ضد الأخطار التي تهددها داخليا وخارجي، أو تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها وغاياتها الوطنية

والتلازم العضوي مابين الاثنين يدفعنا للقول بان وجود بيئة سياسية سليمة يدفع بالضرورة لوجود سياسية أمنية سليمة، ونقصد سياسة للأمن الوطني سليمة وصحيحة، كذلك الحال فان وجود سياسة واضحة للأمن الوطني منطلقة من أسس مؤسساتية يمكن أن تدعم البيئة السياسية وتسهم في بناء إستراتيجية واضحة للأمن الوطني.

ويمكن أن تكون العلاقة علاقة تبعية بمعنى في حال وجود بيئة سياسية بعقلية التصلب والانغلاق والتشدد والاستبداد فانه من المحتم أن تقود لسياسة امن وطني ترتبط بهذا النمط وتتحول المصلحة الوطنية والجوهرية ليس كمؤسسة سياسية وقانونية، بل مؤسسة أشخاص ومصالح ضيقة وعند ذلك سيتم اختزال البيئة وسياسة الأمن بمصالح ضيقة وتكون المؤسسات الأمنية مبنية على أساس الولاء وليس الكفاءة مع تأكيدنا على إن الولاء لا ضرر فيه ولا عيب إذا كان للوطن لكنه حينما يكون للأشخاص فهذا عيب كبير0

أما إذا كانت البيئة السياسية نتاج التعددية السياسية والحزبية واحترام حقوق الإنسان وحرياته، فانه من المحتم أن تقود إلى سياسية امن وطني تتجاوز حدود المصالح الشخصية والحزبية الضيقة وتكون العلاقة مابين البيئة والأمن علاقة تعاون تام.

 

ثانيا: الأولوية للسياسة أم للأمن:

 

بغياب التحديد الواضح لنوع السياسة ونوع الأمن سنكون أمام معادلات مغلوطة في تحديد الأولوية. فإذا كان يقصد بالسياسة إدارة شؤون الحكم والرعية، وان الأمن هو الدفاع عن امن الرعية والحفاظ على مصالحها فان الأولوية ستكون متداخلة متفاعلة  وفي أوقات تكون الارجحية للسياسة والفعل السياسي على الفعل الأمني وأحيانا أخرى تكون الارجحية للفعل الأمني على الفعل السياسي.

والحالة الصحيحة هو أن يتمازج الفعل السياسي مع الفعل الأمني وينتج لنا فكرا استراتيجيا، وحينما نقول فكرا استراتيجيا نقصد به هو ذلك الذي يجعل كل الأدوات والوسائل السياسية والأمنية بإمرته وامتلاك رؤية واضحة في إدارة شؤون الدولة بكل مفاصلها في إطار مستقبلي واضح وليس انفعالي مازوم.

وفي إطار الفكر الاستراتيجي ستزول المعالجات الأمنية التقليدية مثلما ستزول المفاهيم السياسية التقليدية لصالح سيادة مفهوم جديد للسياسة والأمن والمتمثل بالأمن الإنساني والذي طرح في عام 1994 من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويركز على الفرد كغاية أساسية معتبرا إن الأمن عملية عالمية النطاق لاتقتصر على دولة ما مع تحديد التقرير سعبة صيغ للأمن الاقتصادي الغذائي الصحي البيئي الشخصي والمجتمعي والسياسي.

وفي إطار هذا الفهم سيكون محور الاهتمام هو مجابهة تحديات الحرية من الحاجة وتحديات الحرية من الخوف كما هو التمييز بين امن الدولة وامن الأشخاص وحدود التعامل مابين الاثنين مؤكدين إن الآمن الحقيقي هو امن الشعب. ونحب أن نؤكد هنا إلى ضرورة تحديد مايخص السياسة الامنه وامن السياسة وكلاهما يعتمد على التخطيط الاستراتيجي، ووضع الخطط والبرامج الشاملة واللازمة لحماية المصالح الجوهرية وبالتحديد في بعدين:

 

 أولا: البعد الموضوعي: ويخص حماية القيم.                      

 ثانياً: البعد الذاتي: وهو غياب الخوف على تلك القيم من أي هجوم، والأمر يقتضي أيضا القول إذا كان جوهر سياسة الحكم وهدفها الأول والأساس هو تحقيق الأمن، فان الأمر يقتضي أن لانشغل أذهاننا في الفهم الضيق للحكم والفهم الضيق للأمن ولنشيد مفهوما واسعا لهما، والمعادلة التي نحتاجها هي:                                

·        تفعيل سبل تمكين السياسة لخلق امن موضوعي وتمكين الأمن بالوسائل السياسية الصحيحة.

·        إن السياسة الامنة هي تلك التي تعتمد على تكاملية التخطيط والصناعة والإعداد والتنفيذ والمتابعة وان السياسة الأمنية الصحيحة هي تلك المنطلقة من رؤية واضحة لصناع القرار. أما امن السياسة فيتحقق بالعمل على وفق قواعد صحيحة ومقبولة

·        إن دلالة المعالجة الأمنية المؤطرة برؤية سياسية واحدة لابد لها من الابتعاد عن هدف الحفاظ على مصلحة الإنسان وعدم المفاضلة بين مصلحة الدولة ومصلحة المواطن إلا في الحالات الضرورية جدا.

·        إن صنع السياسة وقواعدها تختلف عن قواعد صنع الأمن وسبله، فالسياسة هو نتاج عمل مؤسسات صنعتها واضحة قانونياً ودستورياً، أما الأمن فبعض معالمها واضحة ومعلومة وبعضها الآخر غير معلوم، ولكن من الضروري جدا ان ترتبط المعلوم بالهدف السياسي للسياسة.

ثالثا: الاستقرار السياسي أم الاستقرار الأمني.

من الضروري جدا تحديد الهوية الحقيقية للاستقرار/ هل هو الاستقرار الأمني أم السياسي أم ماذا؟

ولتحديد هذه الهوية يمكن تحديد أكثر من معادلة :

·        إن أي استقرار سياسي سيقود لاستقرار امني على مستوى الجزء والكل فان الاستقرار السياسي الداخلي سيقود لوجود رؤية سياسية للتعامل مع التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية.

·        ان الاستقرار السياسي الدائم هو نتاج لاستقرار عمل المؤسسات السياسية والدستورية واتفاق القوى السياسية والحزبية على المصلحة الوطنية العليا والذي من شانه ان يوحد الرؤية في كيفية التعامل مع آليات تحقق الاستقرار الأمني.

·        إن الاستقرار السياسي الحقيقي هو نتاج تكاملية العوامل كافة لتحرير المواطن من الحاجة والخوف ولحماية كيان الدولة والقيم السائدة. وان اي تصارع أو تنازع في تحديد لرؤية سيسهم في مضاعفة التهديدات والتحديات أو مضاعفة الكلف الناتجة عن عدم وجود سياسة امن وطني واضحة أو إستراتيجية سياسية شاملة.

·        إن درجة الاستقرار السياسي هي اشمل وأوسع من الاستقرار الأمني فقد تتحقق الأداة العسكرية للأمن بمعنى غياب تفجير المفخخات والتهديد بها ولكن الأوسع هو معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والبيئية.

·        ان الاستقرار السياسي تحتاج الى تكامل العلاقة مابين المواطن والسلطة أما الاستقرار الأمني فهو مبني على أداة الكراهية.

وهنا نتساءل كيف نطلب المواطن العطشان والجائع أو المؤجر؟ والعاطل؟ أن يكون منه مواطناً صالحاً؟ في ظل سياسة غير صالحة باتفاق الأحزاب والقوى المتحاصصة.

·        إن السياسة المنطلقة من المحاصصة تنتج معالجات أمنية محاصصاتية (وزارة الدفاع لمكون ووزارة الداخلية لمكون آخر وهكذا)، وما أحوجنا هنا إلى أن نفصل السياسة عن الإدارة.

·        ان الاستقرار الأمني ينبغي ان لايكون على حساب الاستقرار السياسي وضرورة ان تكون المعالجات الأمنية في إطار الأمن الشمولي وليس الجزئي التقليدي، امن يوائم مابين القابليات والقدرات والوسائل والغايات.

·        ان منطق التهديدات والتحديات والمخاطر الخارجية قد تعددت وتنوعت ولايمكن ان نتحدث عن امن داخلي من دون امن خارجي والعكس صحيح.

 

رابعاً: واقع حال البيئة السياسية والأمن الوطني العراقي :

منذ عام 2003 وحتى اليوم مر العراق بمجموعة مراحل واتسمت كل مرحلة منها بسمة محددة وهي كما يلي:

·        البيئة السياسية العراقية كانت بيئة منقسمة متصارعة لأسباب مذهبية وتحولت إلى بيئة منقسمة متنافسة لأسباب سياسية وهذا يعكس نوع من أنواع التطور الايجابي نوعا ما.

·        إن البيئة السياسية العراقية بيئة مخترقة إقليميا ودوليا وتدخل كل دول العالم كان واضح في الشان العراقي مع اختلاف أسباب التدخل وطبيعته مابين دولة واخرى ولكن في المحصلة النهائية ادى هذا التدخل الى فقدان كثير من مقومات السيادة والاستقرار.

·        الى جانب 2010-2012 فان مرحلة بداية التخلص من عصابات داعش الارهابية حقق تحول في هذه البيئة اذ ان منطوق الاختراق الاقليمي والدولي بدأ يتحول الى منطوق امكانية تحقيق التخادم او التوافق او الاتفاق وادراك هذه الدول ان ضياع العراق واستقراره يعني ضياع امن واستقرار المنطقة بمجملها. هذا التحول في الفهم والادراك والذي قوبل بفهم عراقي لقواه السياسية وصناع القرار بضرورة تجاوز الانقسامات والاحتقانات وبدء صفحة جديدة لتحقيق الاستقرار السياسي الداخلي والولوج في الانفتاح على دول الجوار، وبما يحقق المصحلة العراقية العليا ومن المؤمل ان يقود هذا الانفتاح الى جانب تجنب فكرة مفادها ان التقارب مع المحيط العربي يعني التباعد عن المحيط غير العربي او ان التماثل مع المحيط غير العربي يكون على حساب التباعد مع المحيط العربي، لان العراق لا يستطيع ان يقترب من جهه ويقترب من جهه اخرى مايخدم العراق هو التقارب الاستراتيجي المتوازن وبما يحقق المصلحه العراقية العليا والابتعاد الوحيد المقبول عن سياسة المحاور لان الوضع الجيوبولتيكي العراقي حسب راينا المتواضع يمنعنا من ذلك.

·        اشر الإعلان الرسمي بالقضاء على عصابات داعش نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، المرحلة القديمة تمثلت في ان العراق كان ساحة لتصفية الصراعات سواء مابين الكتل السياسية على المستوى الداخلي والذي انتج لنا سياسات خارجية متعددة وليس سياسة خارجية واحدة او التصارع الاقليمي والدولي والذي اضعف من الاستقرار السياسي واشغل العراق بالهاجس الامني اكثر من اي شان اخر والذي انتج لنا حالات خلل اثار سلبية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية,

اما المرحلة الجديدة، فهي تؤشر أن العراق أصبح قيمة اقتصادية استراتيجية لدول العالم كافة، فبدلا من التصارع الرسمي وغير الرسمي في الساحة العراقية تحول الى تسابق للحصول على مشاريع واستثمارات في الساحة العراقية، وهنا يمكن لصانع القرار أن يلعب دورا مؤثرا في كيفية إيجاد التوافق والاتفاقر عبر فكر استراتيجي جديد يرتبط برؤية الدولة للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمن الوطني العراقي، مع التأكيد على ضرورة التوازن في توزيع الاستثمارات والمنافع الاقتصادية وللدول كافة من دون تمييز والمسالة الثانية الأهم هو ان هذا الاستقرار السياسي المشفوع بجعل العراق قيمة اقتصادية هو خدمة المضمون الاجتماعي العراقي، وهذه الفرصة السانحة الوحيدة لتقديم سياسة عراقية ناجعة مستقلة وليست تابعه للتدخل الإقليمي والدولي وسياسة أمنية ناجعة لاترتبط بالبيئة المكوناتية والمحاصصاتية، بل بمنطوق المواطنة. ونعتقد ان هناك تحديات عديدة ولا نخجل ان قلنا انها خطيرة لا زالت تواجه الدولة العراقية، والتي تحتاج الى دوام الاستقرار السياسي واستمرارية الاتفاق السياسي، وليس التوافق بالقدر الذي يسمح لمواجهة تلك التحديات، ونعتقد أن السبيل الأفضل لمواجهتها هو اعتماد رؤية مصحوبة بتخطيط استراتيجي مرتبطة بالأمن الشامل الإنساني.

 

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك