برزت خلال العامين الماضي والحالي جملة قضايا على الساحة الدولية ، تفاوت تعامل الدول معها بدرجات مختلفة وباساليب متعددة ترجع الى نوعية مراكز صناعة القرار في تلك البلدان وطبيعة صنع القرار فيها ودرجة اهمية تلك القضايا ومدى تماسها مع المصلحة العليا للبلدان، حددت في ضوئها مراكز الفواعل في النظام الدولي وفقا للقدرات والامكانيات والعقل الذي يدير وينتج القرار من اجل تثبيت ستراتيجيات في التفاعلات الخارجية.
وبموازاة ذلك ظهر فاعلون نشطون جُدد في تحديد هذه القضايا ، مقابل تراجع لأدوار دول كانت مؤثرة على مسارات متعددة من اجل قيادة الشرق الأوسط.
هل يمكن ان يكون العراق فاعلا مهما في المنطقة وفقا لعمل 130 يوماً؟
بعد التصويت على حكومة السيد عبد المهدي شهد العراق تطوراً ملفتاً على مستوى العلاقات الخارجية والتعامل الخارجي مع القضايا الحساسة وعاد العراق الى دور التوازن في العلاقة وتعدى ذلك الى المحاولة الحثيثة للعودة كفاعل اساس في المنطقة عبر لعب دور الوسيط في بعض الملفات والراعي لاخرى والداعم والمعين لبعض الانظمة العربية التي تحاول بعض الاطراف اكتساحها عبر الهبات والمساعدات المالية والاقتصادية والتبادل التجاري والمعلوماتي.
يعاب على حكومة عبد المهدي البطء في التنفيذ خصوصا البرنامج الحكومي الذي اقره مجلس الوزراء وعدم الاهتمام بالراي العام ومراكز صنع القرار ، مما يجعل الرؤية منقوصة لديها وهو ما يشكل خطرا في استشراف المقبل خصوصا ما يتعلق بما يعبر عنه مؤسساتيا (رضا الجمهور) وسخطهم في عموم العراق وفي البصرة بالتحديد.
وعلى مستوى العلاقات الخارجية اهتمت الحكومة كثيرا بتوازن العلاقة مع الولايات المتحدة وبرزت حكمتها في قضية التواجد الامريكي وما انتشر من خروج القوات وتجوالها في مناطق محددة خارج اسوار المعسكرات المشتركة.
ايران والسعودية صراع غير المتكافئين
على المستوى الاقليمي "تعاظم النفوذ الاقتصادي للجمهورية الاسلامية في ايران، بعد الإفراج عن الأموال الإيرانية المُجمدة التي بلغت 100 مليار دولار، وهو ما انعكس على تدفق الاستثمارات الإيرانية عقب رفع العقوبات في العديد من الدول أبرزها سوق العقارات في دبي، وتركيا، وعمان، والعراق، بالإضافة إلى اختراق اقتصادات الدول العربية ذات الموقع الحيوي الجيوستراتيجي مثل السودان والجزائر وموريتانيا، بجانب كونها ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم"، بحسب فريق عمل بحثي متخصص.
ويتبين من خلال متابعة السيطرة الايرانية على ممرات تدفق الاقتصاد مثل خليج عدن ومضيق باب المندب فضلا عن التحولات السياسية ذات الانعكاسات الاقتصادية في سوريا والعراق،يتبين ان ايران تعد المؤثر الاول في المنطقة.في مقابل ذلك شهد الجانب العسكري الايراني تطورا في انتاج الصواريخ والمعدات العسكرية والتحالفات والانشطة العسكرية والامنية عبر التنسيق مع قوى مهمة مثل روسيا والصين وتركيا وقطر.
والاهم في الامر والذي يعد ( توازناً ستراتيجياً) طورت ايران من مهارات قواتها البحرية وقدراتها القادرة على غلق مضيق هرمز- حسب مسؤولين ايرانيين- عند اي تعرض لها او لمصالحها، وهو ما يمثل تهديدًا إستراتيجيًّا،لتدفق الطاقة وامنها في العالم برمته.
المعادل الستراتيجي لايران في المنطقة هي المملكة العربية السعودية وهي رغم الازمة المالية التي تسببت بارباك اقتصادي كبير وتراجع احتياطيها ، الا انها بقيت نشطة في السعي لتطوير ترسانتها العسكرية عبر اكبر صفقة تسلح في المنطقة من الولايات المتحدة الامريكية وتشكيلها (التحالف العربي الاسلامي) بقيادتها من اجل استهداف اهدافا معينة تقع في طريق ستراتيجيتها للتحكم بالمنطقة وتسيد القرارات العربية ،وعلى مستوى الفواعل غير الرسمية دعمت المملكة تنظيمات مسلحة في سوريا في مقدمتهم (احرار الشام) من اجل قلب النظام وتغيير التوازن مع ايران ، وبرزت استراتيجة المملكة الجديدة في قيادة الحرب على اليمن ، والإمدادات المالية التي ترسلها المملكة للجماعات المسلحة في سوريا واليمن.
السودان بدورها تضخمت كفاعل رئيس في التحالفات الستراتيجية بالشرق الاوسط ،وازداد دورها حيث برزت كمُتحكم رئيس في اكثر الملفات حساسية ، واهمها في صراع الساعين للهيمنة على الشرق الاوسط. من تحالفها الستراتيجي مع ايران الى تركيا وفيما يتعلق بصراعات القرن الافريقي نجد دورا هاما للسودان في موضوع سد النهضة الإثيوبي, وتقوم بدور الوسيط بين إثيوبيا والسعودية؛ في تسهيل الاستثمارات السعودية داخل إثيوبيا، والتي وصلت قيمتها إلى 13 مليار دولار، بجانب الوعود الإثيوبية للسودان بتوفير الطاقة الكهربائية مجانًا، والتوتر القائم بين مصر والسودان يجعل من السودان لاعبًا فاعلًا في هذه الأزمة، يُملي شروطه علانية مقابل سعي مصر لتحييده.
سلطنة عُمان الدويلة الهانئة على ضفاف الخليج الازرق تعمل بسرية تامة على ان تكون جسرا يربط كل المتخاصمين بدء من ايران والغرب وازمة سوريا واليمن ومرورا بوساطة بين العرب واسرائيل وليس انتهاء بوساطة بين امارات الخليج المتصارعة على الزعامة الخليجية وكل ذلك عبر دبلوماسية النأي بالنفس عن المحاور ومناطق الاشتباك.
فيما شهدت ادوار بعض الدول تراجعا ملحوظا في التاثير الدولي حسب تقييمات مختصين مثل مصر وتركيا
فمصر لم تعد الفاعل الاساس في القضية المصرية وتراجع دورها لحساب السودان في ازمة النيل وسد النهضة.
فيما عد مراقبون الوضع التركي الخارجي (هشاً) ومتراجعاً بعد الازمات الداخلية وخسارة الاخوان في مصر وتونس. وعدم حسمها المعركة لصالحها الى الان في سوريا رغم استنفارها لذلك.
مهيمنان ضد الهيمنة
وبشكل ملفت نجحت الصين وروسيا في التعملق في منطقة الشرق الاوسط وتشبيك مصلحتيهما من الباسيفيك الى الخليج حتى افريقيا.
فروسيا الحالمة بالسيطرة على المياه الدافئة وحفظ موقعها الستراتيجي في طرطوس والساعية قبل كل هذا الى تصميم نظام عالمي متعدد الاقطاب لا تكون فيه الولايات المتحدة الا لاعبا كباقي اللاعبين، تباين تعاملها مع كل قضية بشكل يختلف عن الاخرى، ففي سوريا بدت روسيا محركًا فاعلًا في مجريات الملفات المتعلقة بمستقبل سوريا السياسي والاقتصادي والعسكري؛ حيث عملت على تعميق تحالفاتها مع النظام السوري[1] وحافظت على علاقات ودية مع النظام التركي المناهض للأسد، كما عمقت علاقاتها السياسية مع طهران الحليف الأكبر للنظام السوري، وجاءت سلسلة الاجتماعات والمؤتمرات في أستانة وسوتشي بجانب محادثات جنيف ليكلل الوجود الروسي بالنجاح. وظلت تعمل من اجل تحقيق هدفين رئيسين هما تحدي الهيمنة الامريكية وتقليم اظافرها والابقاء على نظام الاسد الحليف المهم لها.
اما ما يتعلق بايران فساندتها روسيا في اهم الملفات وفي مقدمتها الملف النووي ساعية لتشكيل تحالف متماسك معها من اجل خلق القطبية المتعددة في النظام العالمي ووقف التمدد الامريكي.
وفي العراق كان الدور الروسي واضحا في مواجهة داعش عبر الخبراء او التسليح بعيدا عن "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية.وكان الكرملين قد وقع عام 2012 على صفقة مع الحكومة العراقية تصل قيمتها إلى 4 مليار دولار، في صفقة عدت أكبر صفقة ت بدفعة واحدة فى عهد بوتين، ما جعل العراق ثانى أكبر مشتر للأسلحة الروسية.
وحتى السعودية الحليف الاول للولايات المتحدة في المنطقة فان روسيا غازلته وتوصلت الى اتفاق عام 2017 لتوريد نظام الدفاع الجوي المتقدم (S-400)، وأنظمة (Kornet-EM)، وراجمة الصواريخ (TOS-1A)، وراجمة القنابل (AGS-30)، وسلاح (كلاشنكوف AK- 103) وذخائره.[2]
في قبال كل ذلك تقوم الصين بتنفيذ سياسة ذات مسارات مختلفة ومتنوعة في أفريقيا الغنية بالموارد ومنطقة الخليج، وتمارس دورا لا باس به في شرق البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا. وما مشروع حزام طريق الحرير الذي شمل 16 دولة الا محاولة جادة من بكين للحد من الهيمنة الامريكية وسعي حثيث لاقتناء الموانئ الاستراتيجية في منطقة البحر الأبيض المتوسط .
رغم عودة القوات العسكرية الغربية إلى المنطقة تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة داعش فإن هذه العودة تعد خطوة تكتيكية خجولة تعول على الشركاء المحليين وتخدم أهدافا آنية على صعيد التنافس السياسي داخل الولايات المتحدة، وأخرى على المدى المتوسط على صعيد توازن القوى داخل منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يعني ظهور فراغ نفوذ متزايد في المنطقة لم نشهد مثيله منذ انهيار الدولة العثمانية.
بطبيعة الحال، لن تتمكن روسيا أو الصين من ملء هذا الفراغ لعدم قدرتهما على تحمل أعباء بناء وتشغيل الدولة الإمبراطورية التي عجزت عنها الولايات المتحدة وعجزت عنها بريطانيا ، مما يعني أن التنافس على ملء فراغ النفوذ في المنطقة سيكون محصورا بين إيران وتركيا وكذلك إسرائيل.
يتأكد ذلك خاصة بعد خروج مصر من ساحة التنافس الإقليمي كقوة فاعلة وقادرة على قيادة دول أخرى لأسباب عديدة، أهمها تفاقم تناقضاتها الداخلية والتراجع المستمر لقدراتها الاقتصادية، الأمر الذي تركها عرضة للتقلبات السياسية في الدول المحيطة بها بدل أن تكون هي الموجه والمشارك في صناعة الأحداث السياسية بالإقليم.
واخيراً ماذا المهم في الموضوع هل سيستثمر العراق هذه الفرص الهائلة للعودة مجددا بعيدا عن منطق المتفاعل ليستقر في منطقة الفاعل الرئيس وهو ما يدعمه الموقع والثروات والوضع الدولي المهتز نسبياً؟؟
[1] - الناصر دريد سعيد ولقمان حكيم رحيم، دوافع التدخل الروسى فى الأزمة السورية، مجلة جامعة التنمية البشرية، المجلد 2، العدد 4، ديسمبر 2016م، ص ص 75-106.
[2] - طه عبدالواحد، روسيا القوة العالمية وقيادة بوتين، جريدة الشرق الأوسط، العدد 13911، بتاريخ 29/12/2016م.
https://telegram.me/buratha