دراسات

الشهيد الصدر وبرمجة العقل الإقتصادي الإسلامي


طيب العراقي

 

ألف الشهيد محمد باقر الصدر كتابه (اقتصادنا) عام 1972م، وقد طبع مرات عديدة وترجم إلى لغات إسلامية وأصبح مرجعاً للدراسات الاقتصادية في الجامعات وعدّ أفضل كتاب يحتوى للمقارنة بين الأنظمة الإسلام، وأثبت بالبراهين الدامغة تفوق الإسلام على جميع الأنظمة في وضع الحلول الناجعة للمشاكل الاقتصادية.

ولقد كتبه ليطرح من خلاله المذهب الاقتصادي في الإسلام، وتطرق في هذا الكتاب إلى تحليل لواقع الأمة الإسلامية ومدى قابلية المجتمع المسلم لتقبل المذاهب الاقتصادية المستوردة والتفاعل معها وبرهن أن المذهب الاقتصادي في الإسلام هو العلاج الوحيد للقضاء على التخلف الاقتصادي في البلاد الإسلامية.

الاقتصاد الإسلامي:

في كتابه "اقتصادنا" يعد الصدر اكتشاف المذهب الاقتصادي في الإسلام الخطوة الأولى على طريق بناء مجتمع يتبناها ويطبقها حتى تستأنف الأمة مسيرتها الحضارية. وقد بدأ الصدر كتابه بعرض للاقتصادين الاشتراكي والرأسمالي، وبعدما أتم عملية التفكيك المعرفي لكليهما مؤكدا أن كلا منهما لا يصلح كنظام اقتصادي للبشرية بحكم انطلاقه من منطلق خاطئ، ثم عرض الاقتصاد الإسلامي بخطوطه العامة، وعملية اكتشاف المذهب، ثم طبق ذلك على أحكام الاقتصاد الإسلامي من خلال مسألتي الإنتاج والتوزيع.

وفي مجال الاقتصاد الإسلامي فإن الصدر قبل أن يشرع بالتطبيقات الفقهية للمذهب الاقتصادي في الإسلام يعالج مسألة "خداع الواقع التطبيقي" في عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي.

وهذه النزعة المنهجية تلازم عمل الصدر حتى في أدق التفاصيل، فالحكم الفقهي عنده ليس مفردة ناشزة عن بقية المفردات، بل لا تجد معناها إلا بوضعها في إطارها الكلي وضمن علائقيتها مع بقية المفردات، فهو يرى أن الوقائع لا يمكن تكرارها كما هي لأن عالم الزمان والمكان والشروط الموضوعية التي تحكم أي واقع متحولة ومتغيرة ضرورة، وعليه فإن الإنسان الذي يعيش ذلك الواقع لابد له عن التأثر بخصائصه، فتكون تجربته التطبيقية مقيدة بالروح الحاكمة على ذلك الواقع، وهذا ما يؤكد نسبية الواقع التطبيقي.

ويرى الصدر أنه لابد من المزاوجة بين النصوص والواقع التطبيقي للاقتصاد الإسلامي في عصر النبوة على أن تكون القيمومة والحاكمية للنص الثابت، لأن النصوص التشريعية للنظرية أقدر على تصوير المذهب من الواقع التطبيقي، لأن التطبيق نص تشريعي في ظرف معين، وقد لا يستطيع أن يعكس المضمون الضخم لذلك النص ولا أن يصور مغزاه الاجتماعي كاملا، فيختلف إلهام التطبيق ومعطاه التصوري للنظرية عن المعطى الفكري للنصوص التشريعية نفسها. ومرد هذا الاختلاف إلى خداع التطبيق لحواس الممارس الاكتشافية نتيجة ارتباط التطبيق بظروف موضوعية خاصة.

الجانب الاقتصادي:

كتب السيد الصدر مكتشفاً «اقتصادنا» ومبرمجاً «صورة تفصيلية عن اقتصاد المجتمع المسلم».

ويحتل كتاب "اقتصادنا" للإِمام محمد باقر الصدر موقعاً علمياً مرموقاً، وقد أثبت مؤلفه قدرة عالية في مناقشة النظريات الاقتصادية في الماركسية والرأسمالية.

حيث أظهر المذهب الاقتصادي الإسلامي، وبين أحكامه الاقتصادية المبثوثة في الأحاديث النبوية وتقريرات الفقهاء.

وطرح قوانين الاقتصاد التي تنظم المجتمع بشكل واضح، وجوهر خطابه الاقتصادي يتشكل من هدفين:

أـ وفرة الانتاج.

ب ـ عدالة في التوزيع.

إن مجمل طرحه الاقتصادي يقوم على التفاعل الحي بين هاتين المسألتين الحيويتين.

ويمكن جمعهما في أصل واحد:

تكييف الوجود لصالح الإنسان بواسطة التشريع.

ولنسمعه يقول: «إن الاقتصاد الإسلامي يتفق مع كل المذاهب الاجتماعية في ضرورة الاهتمام بالإنتاج وبذل كل الأساليب الممكنة في سبيل تنميته وتحسينه وتمكين الإنسان الخليفة من السيطرة على الارض.. ويقوم بتوزيع الثروة.. على أساسين:

أحدهما: العمل.

والآخر: الحاجة.

ويستأصل كل اشكال الانتاج الرأسمالي».

وعند المقارنة بين النظم الاقتصادية يُلاحظ: أن أشكال الإنتاج الرأسمالي تكيّف الوجود لصالح «فرد»، فيما أشكال الإنتاج الماركسي تكيّف الإنسان لصالح الوجود، أما الإسلام فهو القادر على تكييف الكون لصالح الإنسان.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران كتب الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر كتابه:

خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، حيث ربط فيه بين الاقتصاد والحياة.

فمبدأ الخلافة العامة الذي نادى به الإسلام يؤمن بأن الله تعالى هو المالك الحقيقي الوحيد للكون وكل ما فيه من ثروات وأنه قد استخلف الإنسان على ما يملك ليتصرف الإنسان في الأمانة التي يتحملها وفقاً لأوامر الله الذي استخلفه على الكون وائتمنه على كل ما يحويه من خيرات وطيبات.

وتحدث عن الإنتاج وأهميته في الاقتصاد الإسلامي، حينما يطرح الإسلام تنمية الإنتاج فإنه يضعها ضمن إطارها الحضاري الإنساني ووفقا للأهداف العامة لخلافة الإنسان على الأرض.

من هنا يختلف عن المذاهب الاجتماعية المادية في التقييم والمنهج اختلافا كبيرا فالنظام الرأسمالي مثلا يعتبر تنمية الإنتاج هدفا بذاتها بينما الإسلام لا يرى تجميع الثروة هدفا بذاته وإنما هو وسيلة لإيجاد الرخاء والرفاه وتمكين العدالة الاجتماعية من أن تأخذ مجراها الكامل في حياة الناس وشرطا من شروط تحقيق الخلافة الصالحة على الأرض وأهدافها الرشيدة في بناء مجتمع التوحيد.

فالإنتاج لخدمة الإنسان وليس الإنسان لخدمة الإنتاج.

 

وتلاحظ إنسانية الاقتصاد الإسلامي وارتكازه على الإيمان بملكية الله العامة، وخلافة الإنسان عنه هو وحده الذي يبرز تقاسم الثروة المنتجة بين الأفراد والجماعة بالمنطق القرآني القائل "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"

وعن التوزيع: فإنه يقوم على أساسين أحدهما العمل والآخر الحاجة.

وعن مسألة التبادل: يمنع من ادخار النقد واكتنازه، ويتجه العمل لمنع أي كسب تولده الأثمان والإحتكارية للنقد بما في ذلك الفوائد الربوية.

وعند الاستهلاك وضع الإسلام قيوداً على الإنفاق لإشباع الحاجات وذلك بتحريم الإسراف وتحريم التبذير والإسراف.

وعن مسؤولية التوازن الاجتماعي فهي تعني:

أولاً: توفير حد أدنى من اليسر والرفاه لكل أفراد المجتمع.

ثانياً: التحديد في الإنفاق والمنع من تجاوز مستوى المعيشة بصورة حادة المستوى.

ثالثاً: الحيلولة من احتكار الثروة وتكدس الأموال في أيدي طبقة خاصة والسعي من أجل توفير إمكانات العمل وفرص الإنتاج للجميع.

وعن مكانة الاقتصَاد الإسلامي يشير الشهيد الصدر بأن الاقتصاد جُزء مِنْ كُل: وبالتالي يجب أن نعي الاقتصاد الإسلامي ضمن الصيغة الإسلامية العامة، التي تنظم شتى نواحي الحياة في المجتمع.

والاقتصاد الإسلامي مترابط في خطوطه وتفاصيله، وهو بدوره جزء من صيغة عامة للحياة، وهذه الصيغة لها أرضية خاصة بها.

وتتكون التربة أو الأرضية للمجتمع الإسلامي، ومذهبه الاجتماعي من العناصر التالية:

أولاً: العقيدة، وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، التي تحدد نظرة المسلم الرئيسية إلى الكون بصورة عامة.

وثانياً: المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء، على ضوء النظرة العامة التي تبلورها العقيدة.

وثالثاً: العواطف والأحاسيس التي يتبنى الإسلام بثها وتنميتها، إلى صف تلك المفاهيم، لأن المفهوم ـ بصفته فكرة إسلامية عن واقع معين ـ يفجر في نفس المسلم شعوراً خاصاً تجاه ذلك الواقع، ويحدد اتجاهه العاطفي نحوه.

لا نستطيع في عرضنا هذا، أن نبرز جميع أوجه الارتباط في الاقتصاد الإسلامي، وأوجه الارتباط والتفاعل بينه وبين سائر ما يتصل به من خصائص وعناصر إسلامية أخرى، وإنما نقتصر على نماذج من ذلك كما يلي:

1- ارتباط الاقتصاد بالعقيدة، التي هي مصدر التموين الروحي للمذهب، فإن العقيدة تدفع المسلم إلى التكيف وفقاً للمذهب، بوصفه نابعاً من تلك العقيدة، وتضفي على المذهب طابعاً إيمانياً وقيمة ذاتية، بقطع النظر عن نوعية النتائج الموضوعية التي يسجلها في مجال التطبيق العملي، وتخلق في نفس المسلم شعوراً بالاطمئنان النفسي في ظل المذهب، باعتباره منبثقاً عن تلك العقيدة التي يدين بها. فقوة ضمان التنفيذ، والطابع الإيماني والروحي، والاطمئنان النفس.

2- ارتباط الاقتصاد الإسلامي بمفاهيم الإسلام عن الكون والحياة، وطريقته الخاصة في تفسير الأشياء، كالمفهوم الإسلامي عن الملكية الخاصة وعن الربح. فالإسلام يرى أن الملكية حق رعاية يتضمن المسؤولية، وليس سلطاناً مطلقاً، كما يعطي للربح مفهوماً أرحب وأوسع مما يعنيه في الحساب المادي الخالص، فيدخل في نطاق الربح ـ بمدلوله الإسلامي ـ كثير من النشاطات التي تعتبر خسارة بمنظار آخر غير إسلامي.

3- ارتباط الاقتصاد الإسلامي بما يبثه الإسلام في البيئة الإسلامية من عواطف وأحاسيس، قائمة على أساس مفاهيمه الخاصة، كعاطفة الأخوة العامة، التي تفجر في قلب كل مسلم ينبوعاً من الحب للآخرين، والمشاركة لهم في آلامهم وأفراحه

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك