طيب العراقي
لاشك أن القضية الفيلية، وما نتج عنها من مظلومية واسعة، تعرض لها أبناء هذه الأمة، كان من مؤداها سحق آمال الفيليين؛ بالعيش بحياة إنسانية حرة كريمة، شأنهم شأن سائر الأمم النابضة بالحياة.
مراحل تطور أي قضية، تختلف باختلاف طبيعة مكوناتها ومسبباتها، وبصفة عامة فإن هناك قضايا وكوارث فجائية لا تمر بمراحل معلومة، وبالتالي يصعب التنبؤ بحدوثها، وهناك ايضاً قضايا، اصبح من الممكن رصد مؤشراتها منذ البداية ومتابعتها اول بأول.
من الممكن القول أن مراحل تطور القضية الفيلية كقضية وطنية كبرى، تحمل ابعادا إنسانية صارخة، مرت بعدة مراحل بصفة عامة، تتلخص بـ :
1- مرحلة الميلاد
تبدأ القضية الوليدة في هذه المرحلة؛ في الظهور لأول مرة على شكل احساس، بوجود شيء ما يلوح في الأفق، وينذر باقتراب وقوع خطر مجهول المعالم والاتجاه والحجم؛ وهذا ما حصل في بداية تشكل الدولة العراقية، في عشرينيات القرن الماضي، حينما قسم النظام الحاكم العراقيين الى تبعيتين، الأولى هي العثمانية التركية، والثانية الإيرانية، دون أن يرسخ مفهوم التبعية الوطنية العراقية،
2- مرحلة النمو والاتساع: كنتيجة للمرحلة الاولى، وعدم معالجتها في الوقت المناسب، فإن القضية تنمو وتدخل في الاتساع، حيث يغذيها محفزات ذاتية، مستمدة من ذات القضية ومحفزات استقطبتها القضية وتفاعلت معها وبها، فقد استمر أعتماد منهج أعتبار جنسية دولة الإحتلال التركي للعراق معيارا للمواطنة.
3- مرحلة النضج: تعتبر هذه المرحلة من اخطر مراحل القضية، ويندر ان تصل القضية الى هذه المرحلة الا اذا قوبلت باللامبالاة من قبل متخذ القرار في مراحلها الأولى ومتى ما وصلت القضية الى هذه المرحلة فإن الصدام امر لا مفر منه،ونضجت مظلومية الفيليين، حينما اعتبرت السلطات الحاكمة البعثية جميع الفيليين بأنهم ليسوا عراقيين، بعدما أضيف البعد الطائفي الى القضيةن لأن الفيليين شيعة، وهو المذهب المخالف لمذهب الحكام.
4- مرحلة الصدام المباشر: حيما يقدم الطرف القوي على أستخدام وسائل القوة في الصراع، وهذا ما فعله النظام الطائفي البعثي مع الفيليين، عندما هجرهم قسرا خارج وطنهم، بعدما أعدم في سجونه قرابة ثلاثين ألفا من شبابهم، وترك الباقين في عراء حقول الغام، بعدما صادر أملاكهم وعقاراتهم، وسلمها لأزلامه المجرمين.5
5- مرحلة تفكيك القضية: تبدأ القضية بالانحسار والتقلص بعد الصدام العنيف الذي يفقدها جزءاً مهماً من القوة وهناك بعض القضايا تتجدد لها قوة دفع جديدة عندما يفشل الصراع في تحقيق اهدافه، وتلجأ الأجهزة المتنفذة الى تمييع أصل القضية وتفكيكها الى عناصر بسيطة، في محاولة للقفز عليها، 6
6- -مرحلة الاختفاء أو ما بعد القضية: تصل القضية الى هذه المرحلة عندما ينجح الطرف الأقوى،بإفقاد القضية قوة الدفع المولدة لها أو لعناصرها، حيث تتلاشى مظاهرها وينتهي الاهتمام بها، ويغيب الحديث عنها الا عندما يذكرها التاريخ، وهذا ما فعله النظام البعثي، ,استمر عليه النظام القائم، الذي حول القضية الفيلية من قضية جقوق وطنية، الى قضية إنسانية.
ثانياً: اساليب مواجهة القضية الفيلية وأرتداداتها.
اسلوب التعامل مع القضية الفيلية يختلف باختلاف المواقف واختلاف السياسات والامكانات وكذلك ظروفها، لذا فهناك ثلاثة اساليب عامة للتعامل مع القضايا هي:
1-الاسلوب القهري/
يقصد به استخدام القوة لإجبار الخصم على التراجع عن موقفه ويتضمن هذا الاسلوب عدم الرضوخ لمطالب الخصم مهما كان حجم التهديد ، لذا فهو يعتمد على قدرة الأجهزة الأمنية على تحمل الخسائر وايقاع العقاب الرادع على الخصم، وهذا لم يكن ممكنا للفيليين، لأنهم أخرجوا من ساحة الصراع، وتحولوا الى ضحايا مقهورين، غير قادرين على القيام بأي فعل من أجل قضيتهم، تجاه النظام الصدامي البعثي، نظرا لفقدهم ساحة الصراع، وأستمر النظام القائم بساسات تغييبهم عن ساحتهم الوطنية.
2-الاسلوب التفاوضي: يعتمد هذا الاسلوب على التفاوض اساساً لحل القضية والاصل أن المفاوضة والمساومة هي الاستعداد للتنازل عن بعض المواقف مقابل تنازل الخصم عن بعض مطالبه...وهذا لم يحصل مع النظام البعثي، كما لم يحصل مع النظام القائم، لعدم وجود نوايا سليمة وحقيقية للحل، لأن العقلية تجاه المواطنة بقيت ذاتها ولم تتغير لأن الجهات الرسمية التي تعاطت مع موضوع المواطنة هي نفسها ذات الجهات البعثية.
3-الاسلوب التنازلي: يعني الرضوخ الى مطالب الخصم في سبيل انهاء القضية وتحمل كافة الخسائر المترتبة على ذلك والحقيقة أن هذه الأساليب الثلاثة قد تختلط في بعض القضايا، فتبدأ الاجهزة الرسمية في التفاوض مع مدبري العملية لكسب الوقت ثم تلجأ الى حسم الموضوع عن طريق استخدام القوة، وهذا ما عمل عليه النظام الصدامي والنظام اقائم الذي أعطى الأذن الطرشاء لمطالب الفيليين الوطنية.
ثالثاً: استراتيجيات المواجهة
من جانب آخر فإن هناك عدد من الاستراتيجيات قد تتناسب وبعض القضايا وهذا لا يعني تفضيل احدهما على الاخرى، وانما ايجاد بدائل تتلائم مع الطبيعة المتنوعة للقضايا:
1-استراتيجية العنف (Violence)/ يتم استخدام هذه الاستراتيجية في الأحوال التالية:
•المواجهة مع القضايا المتعلقة بالمبادئ والقيم.
•الانتشار السريع للازمة في عدة اتجاهات.
والتكتيك المستخدم هو التدمير الداخلي والخارجي للازمة.
2-استراتيجية وقف النمو (Growth Stopping Strategy)/ تقوم هذه الاستراتيجية عل مبدأ قبول الأمر الواقع وبذل الجهد لمنع التدهور وضمان عدم الوصول الى درجة الانفجار، وتستخدم هذه الاستراتيجية في مواجهة قوى ذات حجم ضخم ومتشعب والتكتيك المستخدم هو التعامل بذكاء مع مدبري القضية والاستماع لهم وتقديم بعض التنازلات التكتيكية مع تهيئة الظروف للتفاوض المباشر
3-استراتيجية التجزئة (Segmentation Strategy)/ تقوم هذه الاستراتيجية على محاولة التحليل الدقيق والشامل للقضايا ذات الكتلة الكبيرة وتحويلها الى اجزاء أو قضايا صغيرة يسهل التعامل معها وتركز هذه الاستراتيجية على :
•ضرب الروابط المجمعة للقضايا لتجزئتها
•تحويل العناصر المتحدة الى عناصر متعارضة
والتكتيك المستخدم هو خلق نوع من التعارض في المصالح بين الأجزاء المكونة لتحالف القضية مع دعم القيادات المغمورة وتقديم اغراءات.
4-استراتيجية اجهاض الفكر ((Thought Abrwarding Strategy/ حيث ان الفكر الذي يقف وراء القضية في صورة قيم واتجاهات معينة يمثل تأثيراً على شدة القضية ، فإن هذه الاستراتيجية تقوم على اجهاض هذا الفكر والتأثير عليه لكي يفقد اهميته وبالتالي التأثير عليه. والتكتيك المستخدم هو التشكيك في عناصر القضية والتحالف مع بعض الفئات المرتبطة بشكل ضعيف مع ذلك الفكر.
5-استراتيجية تصعيد القضية (Crisis Forwarding Strategy)/ وتهدف الى الاسراع بدفع القوى المشاركة في صناعة القضية الى مرحلة متقدمة كي تظهر خلافاتهم وتسرع بوجود الصراع بينهم. وتصلح هذه الاستراتيجية في تكتل قوى غير متجانسة من اجل صناعة القضية.
والتكتيك المستخدم هو التظاهر بعدم القدرة على المقاومة وتقديم تنازلات تكتيكية تكون مصدراً للصراع عند مناقشة كيفية الاستفادة منها.
6-استراتيجية تغيير المسار (Change of Route Strategy)/ تهدف هذه الاستراتيجية الى التعامل مع القضايا الجارفة التي يصعب الوقوف امامها، وتركز على محاولة ركوب عربة قيادة القضية والسير معها لأقصر مسافة ممكنة ثم تغيير مسارها وتحويلها الى مسارات بعيدة عن اتجاهات القضية.
على قادة الفيليين التنادي الى ملتقى جاد يطرحون فيه تصوراتهم ورؤاهم لحل القضية الفيلية، وأن يحددوا الأستراتيجية التي يتعين عليهم سلوكها لحل قضية أمتهم، من بين الستراتيجيات المطروحة ، كلا أو جزءا..وأن يكون ملتقاهم بعيدا عن وجود عناصر النظام القائم أو أحزابه، وذلك لأنهم تحولوا الى خصوم مع الفيليين، ولأن النظام القائم هو الوريث الشرعي للأزمة للمشكلة الفيلية، التي فاقمها بعدما أهمل حلها حلا جذريا، طيلة السنة عشر عاما المنصرمة.
..............................
https://telegram.me/buratha