دراسات

جدليّة العلاقة بين الإدارة والقيادة

2986 2019-03-03

علي عبد سلمان

 

 إذا كان مفهوم " القيادة " قد لازم البشرية منذ قديم الزمان ، فإن مفهوم " الإدارة " لم ينشأ إلا  منذ بضع عشرات من السنين . وقد حفـّز نشوؤه العلماء للبحث والتفكير الدائمين في ماهية كل من القيادة والإدارة والعلاقة بينهما في جدلية تكاد لا تنتهي . فمال البعض الى الاعتقاد أن كلّ قائد ناجح هو بالضرورة مدير ناجح ، ورأى آخرون أن المدير الناجح هو قائد ناجح لما بين المدير والقائد من صفات مشتركة ومقوّمات لا بدّ من توفـّرها لكليهما ، بينما خالف البعض الرأيين السابقين قائلاً إنه ليس بالضرورة أن يكون كل قائد مديرا ولا كل مدير قائدا .

وقد تنوّعت التعريفات الموضوعة لكل من مفهومي الإدارة والقيادة

تعريف الإدارة؛ بأنها " النشاط المسؤول عن اتخاذ القرارات وصياغة الأهداف ، وتجميع الموارد المطلوبة واستخدامها بكفاءة ، لتحقيق نمو المنظمة واستقرارها ، عن طريق مجموعة من الوظائف أهمها : التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والتقويم " . وتمّ التأكيد على أن الإدارة "مجموعة متكاملة من الخبرات والمهارات والقدرات أغلبها مكتسب بالتعليم والتدريب والمران العملي ، وقليل منها فطري موروث . وهي إلى جانب ذلك علم وتقنية " .

" القائد : " شخص يستعمل نفوذه وقوته ليؤثـّر في سلوك الأفراد من حوله وفي آرائهم وتوجهاتهم ، ويقودهم نحو انجاز أهداف محدّدة " . مع التأكيد أن القيادة مهارة يمكن تعلـّمها شرط توافر الاستعداد الفطري والموهبة اللازمة لذلك ، والتي تنشأ مع الانسان منذ ولادته . إذن هناك صفات ومهارات فطرية قد يكون منشؤها الوراثة وعوامل تكوينية أخرى ، ومهارات وصفات مكتسبة عن طريق التقليد والتعلـّم والتدريب والممارسة الموجّهــــة .

وفي الوقت الذي يعتبر تحقيق الأهداف المعيار الوحيد لإثبات نجاح المدراء ، فان قدرة القادة على التأثير في الآخرين وتوجيههم نحو انجاز المهام في الوقت المناسب لتحقيق الآهداف المبتغاة ، هي التي تجعل منهم قادة فعّـالين .

ولقد تعددت أنواع الإدارات مع تطوّر المجتمعات البشرية ، وبخاصّة بعد ظهور الصناعة والتكنولوجيا الدقيقة ، وتنوعت بتنوع المهام والوظائف والأهداف..

فنشأت علوم خاصة بإدارة الوقت ، وادارة التغيير ، وإدارة الأزمات ، وإدارة الضغوط ، وإدارة الأفراد ، وغير ذلك من جزئيات العملية الإدارية الشاملة المتكاملة . كما تعدّدت أساليبها وأشكالها أيضاَ، فنشأت " الإدارة بالأهداف "  التي تعتمد على اشراك جميع العاملين في تحديد الأهداف القابلة للقياس وفي وضع المعايير ، والعمل فريقاً واحداً ويداً بيد من أجل تحقيق هذه الأهداف برقابة ذاتية حقيقية أساساً . وقد اعتبرت الإدارة بالأهداف لفترات طويلة أهم نظريات الإدارة على الإطلاق ، وما يزال لها أنصار كثيرون في مختلف أرجاء العالم .. وهناك أيضاً نظرية " الإدارة الموقفية " التي تمكّن المدير من اتخاذ الموقف والقرار المناسبين في كل حالة على انفراد وفي الوقت المناسب ، دون التقيّد برؤية مسبقة تحدّ من حريّة التصرّف ، انطلاقاً من أن المشكلات الإدارية ليست معادلات رياضية ذات طرق وحلول متشابهة .

أما أحدث نظريات الإدارة فيمكن أن نطلق عليه " الإدارة بالجودة " ، وهي تركز اساسا على تحقيق الجودة الشاملة والتحسين المستمر في جميع جوانب العملية الإدارية ، وتسعى لتحقيق أعلى درجات الجودة في المنتج والخدمات والنشاطات المختلفة المتعلقة بالفرد والجماعة . وتعرف " الجودة " أيضاً بأنها " فعل الأشياء الصحيحة بصورة صحيحة من أوّل مرّة في كلّ مرّة " ، ويتمّ تشبيه ذلك بعمل النجّار أو الخياط ، الذي يقوم كلّ منهما بقياس لوح الخشب أو قطعة القماش أكثر من مرّة قبل أن يشرع بعمليّة القصّ مرّة واحدة فقط ، حيث لا مجال بعد ذلك لتدارك الخطأ إلاّ على حساب الجودة المطلوبة . ويعرف " التحسين المستمرّ" بأنّه " فلسفة تهدف إلى تطوير العمليات والأنشطة المتعلقة بالآلات والمواد والأفراد وطرق الإنتاج بصورة مستمرة ، وهي إحدى ركائز منهجية إدارة الجودة الشاملة " . وقد نشأت هذه الفلسفة في اليابان ، واعتمدت طريقة Kaizen ( كيزن ) التي تتلخص بإجراء التحسينات المستمرة في كل المجالات وفي جميع الأوقات .

ونتيجة هذه التطورات الهائلة في علم الإدارة ، وجب على المدير أن يتمتع بالصفات القيادية التي تؤهّله لإنجاز العملية الإدارية بجزئياتها وأبعادها المختلفة ، وهو ما يطلق عليــه " القيادة الإدارية " . فالمدير ( أياً يكن مستواه الوظيفي ) ينبغي أن تتوافر لديه القدرة على التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة والتقويم ، حتى يكون مديراً ناجحا فعّالاً ، وتزداد درجة نجاحه بارتفاع مستوى هذه القدرات والمهارات لديه ، والتي يجب أن يعكسها على مرؤوسيه ، بالقدوة تارة ، وبالتعليم والتدريب المستمرّين في معظم الأحيان . وهذا هو الفرق بين المدير التقليدي الذي يطبّق التعليمات والأنظمة الإدارية ويتابع تنفيذ الخطط والبرامج ويهتم بالانضباطية في مؤسسته ، وبين المدير القائد المبدع الذي يعتبر كلّ ما سبق جزءا من مهامه الأساسية ، لكنه لا يتوقف عندها ، بل يطبق القيادة الإدارية التي تعني تحفيز الآخرين وتطوير قدراتهم والتأثير بسلوكياتهم ومواقفهم وآرائهم ..

وبعد ، فهل كلّ مدير قائد ؟ وهل كل قائد مدير ؟ تلك هي الجدلية التي تختلف بشأنها الآراء ، لكنّي أعتقد بأنه ليس كل مدير قائداً ناجحاً ، ولا كلّ قائد مدير ناجح .. فكلما تعززت الصفات والقدرات القيادية لدى المدير ، وكلّـما فهم القائد العملية الإدارية وتعامل معها وفق شروطها وأصولها ، دون أن يلغي أدوار الآخرين أو يحدّ منها ، كلّما تجسّدت بنجاح صورة المدير القائد ، والقائد المدير . وهذا ما نحن بحاجة ماسّة إليه في ظلّ سيادة الشخصانية الفردية، وعدم احترام المؤسسية والعمل الجماعي ، وسيادة روح الانضباط الجامد على حساب الفعل المؤثر والإبداع في العمل ، والتحسين المستمر في جميع المجالات . وذلك يعني ضرورة الاختيار الدقيق للمدراء بمختلف مراتبهم بعيداً عن المحسوبيات والهوى ، وبناء على الكفاءة والخبرة والمقدرة في المقام الأول . فكم من مدير لا يتمتع بالصفات القيادية أورث العمل اخفاقات تصعب معالجتها ، وكم من قائد لا يتمتع بالمهارات الذهنية والإنسانية والفنية اللازمة ، تبوّأ موقعه في غفلة من الزمان ، فكان عمله وبالاّ على مؤسسته ، ناهيك إذا كان قائداً لشعب ووطن

جاء في القول المأثور: " التعلّم يجعل الناس أسهل قياداً ، لكنه يجعل من المستحيل سوقهم. من السهل حكمهم ، ولكن من المستحيل استعبادهم " ، وشتـّان ما بين القيادة والسّـوق، فأنت " تستطيع أن تسوق الحصان إلى نبع الماء ، لكنّك لا تستطيع إجباره على الشرب"

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك