دراسات

اشكالية الديمقراطية في الفكر الإسلامي الحديث


جاسم الصافي يعتمد الإسلام على قواعد قيميه تشريعيه مصدرها الله جل جلاله ، وهو السلطة الوحيدة التي تطاع ولا توجد سلطة دنيوية تنوب عنه بل هناك نيابة عن الشعب ، ويسمي رجال الدين هذه القواعد بالإحكام الفقهي وهي أوسع من القوانين التشريعية الوضعية المتضمنة لقانون عام وقانون خاص ، فإضافة الى هذين القانونيين توجد أحكام للعبادات والسلوك والأخلاق ، وكذلك الأصول . ومن المعروف أن كل الأديان تزرع في أعماق الوعي الفردي مسالة ، وهي مشروعية السلطة والسياسة لذا من البديهيات أن يرتبط الدين بالسياسة بعد أن أصبح المشرع السياسي يتدخل حتى في ما نأكل وما نشرب ، والإسلام كمشروع سياسي له حقيقته التاريخية الأولى في أن يقوم الحكم على الاختيار لا الوراثة . وتعد حادثة السقيفة وان لم يكن الأمر بمعنى الديمقراطية ، ألا أن طريقة اختيار الحاكم كان له ميزة في تلك الحادثة حيث اشترط ثلاث أمور حددها المجتمعون وهي عدم انتقال الحكم وراثيا ، اختيار رأس الدولة وليس تعينه ، استحداث لقب خليفة. وان كان حديثنا عن الديمقراطية في الإسلام فلابد من الذهاب الى أصول الديمقراطية الغربية ، التي بدأت من العصر اليوناني حين نشأ المجتمع السياسي عند السفسطائيين ودعا ابيقروس من ( أن الدولة مفهوم عقلي يقوم على فكرة المنفعة المبنية على التعاقد ، ولا يمكن لها أن تكون رباط مقدس لخدمة العقيدة ). بعدها تطور هذا المبدأ التعاقد الاجتماعي على يد فلاسفة مثل هويس ولوك وروسو ، الذين اعتبروا أن الإرادة الفردية الحرة هي أساس نشأت المجتمع ، وهذا العقد الاجتماعي الذي يعد من أهم نظريات الديمقراطية الحديثة ، قد اعتمدت على المحنى التاريخية لمجتمعات الغربية ، وكذلك طبيعة الإنسان الذي لا يتنازل عن حريته بهذه السهولة ألا في مقابل منفعة اكبر ، وهذا العقد يؤمن بوجود حياة فطرية او حقيقة طبيعية كما يسميها لوك تطورت بين الأفراد حتى وصلت الى العقد الاجتماعي . وحين أعلن نيتشه وفاة الله ( تنزه عما يقولون ) وأمات الفلسفة التي هي مصدر القيم والأخلاق ، جاء جوزيف شومبتير ، واعتبر هذه القيم من الخرافات ، وان الديمقراطية هي مجرد تنظيم تأسيسي للوصول الى السلطة ، وأصبحت مفاهيم السياسة متجردة من الأخلاق ، بل ترسبت على ذات القيم مفاهيم النسبية والقياس ، مما دعا الى طرد الدين بعد أن صارت الأخلاق معيارية ، يحدد بقائها أو زوالها المنطق كما يقول جيرمي بنتام ، ولان الدين يعطي هذه القيم قداسة وثبات إذا فهو يشكل عبء وقلق على السياسي الذي مذهبيته السياسة بأخلاقها المعيارية . وقتها عاد للظهور سؤال قديم وهو : (هل أن المشاركة السياسية هي حق مكفول للجميع ؟ .. ام هي حكرا لمن يتمتعون بالحكمة ) ؟. وهذه هي نظرية النخبة أو الصفوة الديمقراطية ، التي حفرت تراثها التجربة الديمقراطية الحديثة ، حين أدرك الجميع أن المؤسسات السياسية لها من الإمكانيات لتزييف المشاركة الفعالة ، وتظليل الوعي عند الأفراد بل وشراء أصواتهم ، وهذه النظرية التيوقراطية اقرب الى الفكر الإسلامي في رأي البعض من المسلمين ، مع وجود بعض الخصوصية الثقافية والتاريخية التي قدمها الفكر الإسلامي ، حيث أعطى تنوع في الآراء لدرجة التباعد حول موقفه من الديمقراطية ، وهو ما جعله يسلك طريقين ، الأول هو موقف الأصوليين وهو رأي معارض وعلى رأسهم سيد قطب وأبي الأعلى الموردي والسيد كاظم الحائري والسبحاني والطباطبائي وغيرهم وهم لديهم ما يبرر موقفهم هذا ، وهو ليس بالرأي الحديث بل يرجع الى ايام الفكر اليونان ، حين قسم أفلاطون السلطات الى ثلاث أنواع وهي ( سلطة دكتاتورية وحكمها فردي وسلطة ديمقراطية وحكمها الشعب وسلطة أرستقراطية وحكمها النخبة ) ، والأخيرة هي الأجدر في فكر أفلاطون ، لأنها نابعة من رأي الحكماء ، ولان التشريع في الاسلام من الله عن طريق الكتاب والسنة ومن يطبق هذه السنة هم اهل الحل والعقد من علماء الامة وهنا السؤال ، من هم ، أو كيف يتم اختيار هذه النخبة ؟ .. هل عن طريق الشورى؟ . يقول سيد قطب ( حين تكون الحاكميه العليا في مجتمع لله وحده – متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية – تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرّر فيها البشر تحرّراً كاملاً وحقيقياً من العبودية للبشر وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية ، لأنّ حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع ، ولا حرية في الحقيقة ، ولا كرامة للإنسان... في مجتمع بعضه أرباب يشرّعون وبعضه عبيد يطيعون ) وهذا الرأي أساس في نظرية العقد الاجتماعي الذي يعتمد على الفطرة أو الإرادة الفردية الحرة معتبرا أن لها نصا أوليا لمنطلق هذا العقد ، بينما في الإسلام نجد النص القرآني أساس السلطة وتشريعاتها وقد ذهب كونفشيوس الحكيم الصيني إلى أن الحاكم مفوض من الله على الأرض ليحكم وفق عقد يحدد نصوص هذا التفويض أي لابد من تلك الضوابط الأولية . وأن سيد قطب ينظر إلى الأمر على جانب تشريعي وبهذا لا يختلف عن ما يقدمه سيد كاظم الحائري رغم الاختلاف الشكلي ، إذ يوضح السيد كاظم الحائري هذا الأمر من خلال نقطتين : الأولى هي ( إنّ الولاية العامة لله تعالى وحده لا شريك له ، وليس لأحد على أحد ولاية ، وإنما تستمد من الله ) . وثانياً إنّ المسلم يعتقد أنّ الله الخالق الحكيم وهو العليم بمصالح عبيده ، وأسلوب إشباع احتياجاته إشباعاً عادلاً منسجماً مع القوانين التكوينية ، لأنه خالق العالم والمجتمع والإنسان وهو أعلم به وبما يحقق كماله ، وعليه فلا معنى لتسليم أمور الشرع والتقنيين وتنظيم شكل الحكومة بيد الناس الذين يجهلون الكثير عن أنفسهم فضلاً عن جهلهم الواسع بالعالم وأسراره ) وهذا يرجع بنا الى ديمقراطية النخب لفريدو باريتو و جيتانو موسكا . أن موقفهم المعارضين للديمقراطية في الإسلام يرجع لأسباب ، أهمها(ان الحاكم سيحاول دائماً أن يفعل ما يرضي الناخب حتى وان كان يضر بالمصلحة العامة ، كما ويتطلب مثل هذا الأمر أن يكون الناخبون على درجة عالية من الرشد الفكري والثقافة حتى لا يقعوا فريسة للمزايدات الرخيصة ، إضافة الى هذا أن تغليب الأكثرية لا يعني تحقيق العدل) . أما موقف الإسلام التنويري أو العقلاني وهم كثر هذه الايام ، الذين يعتبرون ان الديمقراطية الأسلوب الوحيد الذي يحقق أكبر قدر من العدالة ومراعاة لحقوق الإنسان فنجد السيد مهدي الحائري يقول ( أنّ الحكومة لا تعني الحاكمية بل مشتقه من الحكمة بمعنى تدبير الأمور وان الحكومة بمنزلة الوكيل للمواطنين وليست شيئاً آخر وراء الوكالة ، والوكالة بدورها عقد جائز ، لهذا فهو يرى أن وظيفة الأنبياء لا ترتبط بالحكومة بل هي تبليغ الرسالة السماوية وإرشاد الناس إلى طريق الحق والخير وهدايتهم إلى الله . وهذا يوضح مبدأ أساسي وهو الفصل بين السلطات ، وكما نعلم أن فصل السلطات يعطي موازنة فيما بينها لتحقيق النظام وتعميم العدل في التوزيع وفي التصحيح كما ويعمل على استغلاق منابع الفساد لرقي الأمة ، لهذا كان أهم مبدأ هو الفصل بين السلطات واهم سلطة عندهم هي التشريعية كونها نص الهي منفصل عن الحاكم والإرادة العامة هي المسؤولة عن مراقبة تطبيق تلك الشريعة وليست هي مصدر تشريع ، بل زعم بعضهم أن الإسلام دين ورسالة ، لا علاقة له بالحكم والسياسية مثل الشيخ على عبد الرازق وغيره ، بينما يرد السيد الخميني ( قد ) على هذا بقوله ( حين رفع شعار فصل الدين عن السياسة وأصبح الفقه في منطق الجهلة هو الاستغراق في الأحكام الفردية والعبادية ، ولم يعد يسمح للفقه أن يخرج عن هذا الإطار ويتدخل في السياسة وشؤون الحكم ، عند ذاك أصبحت حماقة العالم في معاشرة الناس فضيلة . وعلى حد زعم البعض يصبح العلماء موضع احترام وتكريم الناس حين تستولي الحماقة على كيانهم . بينما كان العالم السياسي والعالم النشيط يعتر إنسان مدسوسا . ومن القضايا التي كانت منتشرة في الحوزات اعتبار كل من يسير منحرفا أكثر تدينا ، فيما أصبح تعلم اللغات الأجنبية كفرا وتعلم الفلسفة والعرفان ذنبا وشركا .. ولاشك عندي بأنه لو استمرت هذه السياسة لأصبح وضع العلماء والحوزات كوضع كنائس القرون الوسطى ...) ويرى البعض أنه لم يرد في القرآن الكريم أسلوب نظام الحاكم ، بل ورد التأكيد على العدالة في الحكم ، وكأن القرآن الكريم لا يرى في تعيين أسلوب نظام الحكم أنّه من شؤون الدين والوحي ، بل يرى أن توضيح القيم والمثل المرتبطة بالحكومة هي من شأن الوحي والدين . وأنّ الحكام يجب أن يعملوا على أساس العدل في الحكم ، والقرآن يعتمد هذا الأصل الثابت. وفي نموذج حي للنظام الإسلام هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية في انتخابهم للولي الفقيه ، حيث ينتخب الناس رجال مجلس الخبراء الذين ينتخبون بدورهم القائد الأعلى أو الولي الفقيه ممن تتوفر فيه شروط القيادة، هذا مضافاً الى أن الأفراد الذين يحق لهم الاشتراك في الانتخابات كلهم ممن بلغ سنّ الرشد العقلي والنضج العاطفي وتوفرت فيهم الشروط الشرعية ، ومن العلماء الذين يقرون انتخاب المرجع والقائد هو السيد الصدر الأول ( قد) ، بل أن القرآن الكريم أقرّ مبدأ الشورى بين المسلمين في قوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) أن هذا الجدل يعطي معنى واضح من أن تفسير النص وتغير الأحكام غير الثابت صار عاملا وفاعل برغم تحديات السلفيين وفتاوى التكفير وإمكانية التجديد وإعادة النظر في الفتاوى الماضية التي تبتني على التبعيض ، وهذا العمل يستلزم فقط تغيير في الآراء والفتاوى التي لا تتقاطع مع الأحكام الإلهية لهذا أخذت الديمقراطية في الإسلام شوطا مهما .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك