جاسم الصافي
كان دور الحركات والأحزاب الإسلامية في بداية ظهورها يعتمد على التكتيك الدفاعي سواء ضد الاحتلال العسكري قديما أو ضد الأيديولوجيات الوافدة على مجتمعاتنا حديثا
وفي ثلاثينيات القرن المنصرم ظهرت بدايات لمفاهيم الحريات والديمقراطية والتي طفت على سطح البنيان الاجتماعي آنذاك، سياسات مؤدلجة سواء بالتبعية الاستعمارية أو الأيدلوجية الحزبية متمثلة بثلاثية الفكر الحزبي (الشيوعي والقومي والإسلامي) ولم تكن لهذه الأحزاب رؤية وحدوية اجتماعية في الارتباط والولاء في ما بينها لتتمكن من التغلب على التكتل العشائري أو الطائفي، كون هذه الأحزاب جاءت من هموم البيئة التكوينية للفرد والمتأثرة بالعرق أو الطائفة لتتحول إلى طائفية حزبية حتى يومنا هذا، فهي لم تجد لها شراكة تكيفيه مع الأخر في ألإطار الوطني، بل تجذرت في ثقافتها تخوين الأخر وإقصائه . وهذا ما خلف صراع تزاحمي طوال التاريخ الوطني الحديث حتى وصل التفكير بتلك التنظيمات إلى امتلاك القوة حسب ما جاءها في التعاليم السلطانية الموروثة خصوصا في الفقه السلفي والتي تتناغم مع أطروحة (نيتشه) القائلة: (أن القوة هي مصدر الأخلاق في المجتمع) وهذا ما جعلها تخلط بتعمد مابين القومية والإسلامية ليشكل رصيد يحوط الفكر الجمعي وتجد من خلاله أفقا أعمق للحراك والمراوغة والمصاحبة في انقلاب عسكري مثل ما حصل في اغلب الأنظمة العربية حيث تعزز دور الجيش ليصطبغ بالأيدلوجية الحزبية .
وهذا ما حصل في العراق حين تسلم عبد الكريم قاسم الحكم بمعاون الشيوعية والقومية وكذلك الموافقة الإسلامية الخجولة ألا أن حصاد هذا النجاح تملكه الشيوعي والقومي اللذان صب نقديهما السياسي والاجتماعي على المؤسسة الدينية حتى أدركت الأخيرة خطورة القادم وخصوصا حين واجههم المنع الشرعي في العمل السياسي وبالذات فتاوى التحريم للتنظيمات الحزبية، ظنا منهم بالقصور أو التقصير الذي سيقع فيه المريدين لعدم فهمهم التشريع (تأويل النص) وهذا ما يجعل المسلم منحازا في تحزبه للتنظيم السياسي أكثر من التكلف التشريعي فيخلق الفرقة والتناحر بحسب رأي البعض من العلماء الرافضين للعمل السياسي ، وفي اعتقادي أن السبب يكمن في مناخ المؤسسة الدينية التي فرضت على رجالها عدم الخروج لما هو ابعد من مساحتها المسيطر عليها أي (العبادات والمعاملات)، وهذا يأتي من ضبابية المناخ التربوي وخداع المرحلة التي تعيشها المؤسسات بشكل عام والذي يرتبط بالتقليد النصي والخطاب التاريخ (التراثي) والذي يعتبر المصدر للتشريع في اغلب المذاهب الإسلامية، في حين يتطلب الفكر السياسي رؤى تفاعلية تندمج مع الحراك والتطور الفكري بالصورة التي تضمن أصالة المذهب، وفي الوقت نفسه تتمكّن من استيعاب حاجات العصر ومتطلبات الفكر، لهذا يمكن القول أن الاعتراض لم يكن على هيكلية التكتل السياسي وإنما على الانحراف في الفهم والتطبيق للشريعة، وكذلك لظهور (الأنا) الحزبية التي لا يمكن تذويبها او إشراكها مع الدين كون حالة التنظيم ذات طابع إيماني يوازي الاعتقاد الديني وهو ما يحدث الإفراط أو التفريط، إلا أن تلك المرحلة كسرت قالب التحريم هذا، حينما وجد رجال الدين أن المجتمع أمام تحديات توجب التحصين من القادم الذي يتطلب خطابا نهضويا يستهدف البنية الفكرية، توازي ما هو قادم من الغرب، لهذا فتح ميدان التنظيم السياسة كي لا تخرج الحركات والأحزاب خارج صلاحيات المؤسسة الدينية وهكذا بقيت تلك الأحزاب الى يومنا هذا وهي في حاجة الى ذلك الغطاء التشريعي في عملها التنظيمي وتصديها الجبهوي مما جعلها في نظر البعض مقيدة أو غير مرنة وتوصف بالجذرية أو الراديكالية، ولنذكر هنا نقطة مهمة لتوضيح هذه المسالة، وهي أن المثقف الأول في عمليات الإصلاحات السياسية قد تخرج من المدارس الدينية والتي كان همها الأول هو الإصلاح من اجل المواجهة كما هو حال الأفغاني والميرزا محمد حسين النائيني ومحمد عبده وحسن البنا والشهيد الأول محمد باقر الصدر والإمام الخميني والشهيد محمد باقر الحكيم والشهيد الصدر الثاني، وهو ما خلط الفقه الديني مع الفقه السياسي وهذا يعني أن كل الإصلاحيين كانوا مثقفين انتقاليين إذ لم تكن عندهم معارضة سياسية بقدر ما هي حركات أصلاحية أو تأسيسية، لهذا نجد أن تنظيماتهم تشجرت اجتماعيا وسياسيا بألوان وأطياف تربط المرحلية الاجتماعية والسياسية لتكون جملة تاريخية لا يمكن بترها من التاريخ الكلي للحركات الإسلامية الحديثة، وبسبب هذا نجد تشجر التنظيمات السياسية الذي قد أوقعها امام أسئلة مهمة تعيق عملها السياسي وهي:
1ـ الغطاء الشرعي لعملها السياسي
أ ـ نجد أن حزب الله العراقي انشق من لواء المجلس الأعلى الإسلامي الذي كان يؤمن بولاية الفقيه وكذلك حركة حزب الدعوة للشهيد عبد الزهرة عثمان (عز الدين سليم)عن لواء الحزب الأم ولنفس السبب
ب ـ تضارب الفقه الديني والفقه السياسي
مثل انشقاق حزب الدعوة العراقي بين تقليد المرشد الإيراني السيد علي خامنئي وتقليد السيد محمد حسين فضل الله كون الأول له ولاية الفقيه والثاني لا يجوز لنفسه هذا الأمر إذ إن المرجع الأعلى ليس له قواعد وضوابط واضحة للترشيح وهذا ما يجعل من المستحيل أن يوكل الأمر السياسي للفقيه الأعلم كونه غير واضح الحضور في كل زمان
2ـ الحرج الذي تلاقيه تلك الأحزاب أمام المتغيرات السياسية السريعة والتي تتطلب التكتيك اللحظي كما هو في تسلم حزب الدعوة قيادة الحكومة في العراق إذ وجد الحزب نفسه بعيدا عن منهجه بل يمكن القول أن زعيم الحزب (نوري المالكي) اختطف حزب الدعوة من الفكر الإسلامي التقدمي إلى أحضان الفكر الليبرالي الرأسمالي العلماني وهو محاولة لتقليد التجربة التركية بفارق قلب الديمقراطية بالشمولية
3ـ مواجهة العمل السياسي الذي يكون بطبيعة الحال مغاير لما في العمل ألتنظيري وخصوصا أن هذه الأحزاب تعلمت لغة المعارضة ألمهمشة من قبل السلطات الحاكمة (الدكتاتورية) مثل الدعوة والأخوان والمجلس الأعلى وهذا ما يترك فجوة التواصل ألجبهوي مابين السلوك التنظيري والتطبيقي الذي يعيق آلية الوصول الى الأهداف ألمتوخات من تنظيرات تلك الأحزاب ولهذا نجد تفشي ظاهرة التنظير الفكري والتحليل السياسي تثير التناقض بين الفصائل بدل التقارب في العمل السياسي وخصوصا أن عقل المتلقي لا يستوعب النقد المبالغ (التفكيكي) لقصور في تاريخ الوعي العملي لهذا النقد
4ـ تركيبية المؤسسات الدينية التي يتشتت فيها المراكز وبالتالي القرار، وهذا ما يجعل الحزب انتقائي للمرجع (حسب الملائمة الحزبية) وهو ما يسقطه من أعين أنصارها الذين يعتمدون في إدارة شؤونهم الدينية على التقليد وهذا قد يوقعهم في إشكالات شرعية مثل ما حصل عام 1997 مع الآصفي و الحائري والذي أثار خطوط حزب الدعوة ـ خط الشيخ الآصفي (حزب الدعوة الإسلامية/ ولاية الفقيه)، خط الدكتور خضير موسى جعفر (حزب الدعوة/ تنظيم العراق)، خط السيد هاشم ناصر محمود ـ خط إبراهيم الجعفري (حزب الدعوة الإسلامية)، خط البصرة (الدعوة الإسلامية) والذي تحول إلى حركة الدعوة الإسلامية بقيادة عبد الزهرة عثمان (عز الدين سليم).
https://telegram.me/buratha