مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
منذ وقت ليس بقصير، تعمل الامم المتحدة في العراق، ومع أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية تشدد على نحو متزايد على أهمية الشراكات والتواصل مع شركاء جدد، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية المحلية، بغية بناء قدراتها لكي تستطيع مواجهة الأزمات الإنسانية، لكن هناك تساؤلات كثيرة وعلامات استفهام عن دور الامم المتحدة، لا سيما في تنمية المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العراقية.
والسؤال المطروح الآن هو هل حققت برامج الامم المتحدة أهدافها في تنمية المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية خلال مرحلة التحول الديمقراطي، وكيف يمكن لوكالات وبرامج الامم المتحدة، فضلا عن المنظمات غير الحكومية الاجنبية العاملة في العراق أن تحسن من سبل تمكين المنظمات غير الحكومية المحلية وتنمية قدراتها..؟
بدأ عمل الامم المتحدة بعد سقوط النظام السابق في 2003 بناء على طلب حكومة العراق لدعم جهود التنمية الوطنية على المستويات السياسية والانتخابية والإنسانية. وبحسب وزارة الخارجية العراقية (هناك 16 منظمةً وبرنامجاً ووكالةً وصندوقاً تابعة للامم المتحدة تعمل في العراق وهي: منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو)، منظمة العمل الدولية، المنظمة الدولية للهجرة، بعثة الامم المتحدة للمساعدة في العراق (يونامي)، برنامج الامم المتحدة الانمائي، منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، صندوق الامم المتحدة للسكان، برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية، مكتب مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، منظمة الامم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف)، منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، صندوق الامم المتحدة الانمائي للمرأة، مكتب الامم المتحدة لخدمات المشاريع، برنامج الاغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية..).
لقد أتفق فريق الأمم المتحدة القطري والحكومة العراقية عام 2010 على أول إطار عمل الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية للعراق والذي يغطي الفترة ما بين 2011-2014. ويُلزم إطار العمل الأمم المتحدة بتنفيذ برنامج عمل بالشراكة مع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص ومجتمع المانحين الدوليين. ويشمل إطار العمل خمسة أولويات: الحكم وحقوق الإنسان، والنمو الاقتصادي الشامل (بما في ذلك تطوير القطاع الخاص) وتوفير الخدمات الأساسية، والبيئة، وتطوير قدرات المرأة والطفل والشباب العراقي.
بناء عليه، ساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - إلى حد ما - في تعزيز العملية الديمقراطية في العراق من خلال دعمه للانتخابات البرلمانية الوطنية 2010 وانتخابات مجالس المحافظات 2013. ودعم مجالات مكافحة الفساد وسيادة القانون والعدل وحقوق الإنسان وإصلاح القطاع العام. كما قامت الامم المتحدة قبل 2010 بتنفيذ مشاريع وبرامج مختلفة من خلال التعاون والشراكة مع الحكومة العراقية ومع منظمات المجتمع المدني وعدد من الشركاء الدوليين، مثل قطاع التعليم، والمياه والصرف الصحي، والصحة والتغذية، والسكن والمأوى والامن الغذائي، وغير ذلك من المجالات المعنية بالتنمية وحقوق الانسان.
هذا المقال لا يُعنى بشراكة الامم المتحدة مع الحكومة العراقية، ولا بشراكة الامم المتحدة مع القطاع الخاص ولا بقياس النتائج التي حققتها هذه الشراكات منذ بدء التحول الديمقراطي 2003 لكنه يسط الضوء على جانب الشراكة بين الامم المتحدة والمجتمع المدني في العراق، وبالتحديد تنمية قدرات المنظمات غير الحكومية المحلية.
إنطلاقا من هذه الرؤية، نؤكد أن أنشطة وكالات الأمم المتحدة في إطار «تمكين منظمات المجتمع المدني في العراق» وفرت محفزات قوية لتزايد المنظمات غير الحكومية المحلية، من خلال تمويل المشاريع الخاصة بها، وتنفيذ المبادرات المجتمعية التي تُساعد على تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الفساد، وتنظيم العمل والمشاركة المدنية وغيرها. وبالاضافة إلى برامج الاتحاد الاوربي ووكالات التنمية الدولية العاملة في العراق مثل الوكالة اليابانية للتنمية الدولية، والوكالة الامريكية للتنمية الدولية، ناهيك دور مؤسسات الفعل السياسي التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية مثل المعهد الوطني الديمقراطي، والمعهد الجمهوري الدولي التي أسسها الكونغرس الأمريكي لدعم الديمقراطية خارج الولايات المتحدة الأمريكية. حيث مولت هذه المؤسسات الدولية العديد من مشاريع المنظمات غير الحكومية العراقية في مجالات الاغاثة الانسانية وحقوق الإنسان، وتنمية المجتمع المدني. ولم يقتصر الأمر على وكالات الامم المتحدة والوكالات الدولية الاجنبية ومؤسسات الفعل السياسي، بل ساهمت المنظمات غير الحكومية الاجنبية هي الاخرى في تمويل المنظمات غير الحكومية المحلية، وأصبحت حليفاً مهماً للكثير من المنظمات.
إذا كان الامر كذلك، فليس من الانصاف، أن نقلل من دور وكالات الامم المتحدة في مجال دعم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العراق، كما أنه ليس من المعقول أن نحمل برامج وصناديق الامم المتحدة مسؤولية بناء المجتمع المدني ومؤسساته، فهي مهمة يقوم بها أبناء هذا البلد بمعونة شركائهم الدوليين. وبالتالي، فكما أن نجاح تجربة المجتمع المدني في العراق تحسب للعراقيين أولا، فلا شك أن فشلها يتحمله العراقيون أولا.
نعم، يمكن أن نراجع قائمة الفوائد التي حققتها برامج الامم المتحدة في مجال دعم المجتمع المدني في العراق، وفيما إذا استطاعت البرامج والصناديق الاممية، أن تنمي قدرات المنظمات غير الحكومية المحلية، وتطور من قدراتها على مواجهة التحديات بشكل مستمر دون الحاجة إلى المعونة الخارجية، وفقا لرؤية الامم المتحدة لمفهوم (تنمية القدرات) الذي يعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإنه (العملية التي يقوم من خلالها الأفراد والمنظمات والمجتمعات باكتساب وتعزيز القدرات اللازمة والاحتفاظ بها لوضع أهداف إنمائية خاصة بهم وبلوغها عبر الزمن).
من المؤسف حقا، أن الإجابة على هذه التساؤلات لا تعطي انطباعا إيجابيا، فعند ملاحظة عدد الوكالات والبرامج والصنادق والمنظمات غير الحكومية الاجنبية التي عملت في العراق والاموال التي أنفقت على المنظمات غير الحكومية - منذ حوالي عشر سنوات- ومقارنتها بواقع المنظمات غير الحكومية المحلية، فان النتائج تبدو مخيبة للامال، وهي أشبه إلى حد ما بالنتائج التي حصل عليها المواطن العراق عند مقارنته بين التخصيصات المالية لوزارة الكهرباء وبين واقع الكهرباء في العراق!!.
يوعز المتابعون ضعف النتائج التي حصل عليها العراقيون من جهود برامج الامم المتحدة لتطور المجتمع المدني في العراق إلى أن الشراكات بين البرامج الاممية والمنظمات المحلية غالباً ما تأتي كرد فعل وتتشكل بواسطة التفاعلات المؤقتة التي تحدث عند الازمات، وأن برامج الامم المتحدة في مجال تنمية المنظمات غير الحكومية كانت أقرب إلى العشوائية من التنظيم، وأن كل وكالة من وكالات الامم المتحدة كانت تتعامل مع منظمات محددة تعتمد عليها في تقديم المشروعات وتنفيذها، بل مع اشخاص محددين!. ولا تزال معظم المنظمات غير الحكومية المحلية لا تستطيع الوصول إلى التمويل المؤسسي على نطاق واسع، وتلعب المنظمات المحلية دور المتلقي والمنفذ دائما.
فاذا ما توصلنا إلى نتيجة مفادها أن: وكالات وصناديق الامم المتحدة في العراق لم تسهم بشكل منظم بعملية تنمية وتطوير قدرات المنظمات غير الحكومية، وأن الحكومات العراقية لم تضع خطة استراتيجية من شأنها أن تعزز قدرات المنظمات المحلية عدا اقرار قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010، وما ترتب عليه من تأسيس دائرة لتسجيل المنظمات غير الحكومية، وأن المنظمات غير الحكومية لم تتمكن من اعانة نفسها بنفسها ولم تكون منذ تأسيسها منظمات مدنية قوية داعمة لحركة المجتمع المدني فان النتيجة المتوقعة أن أعداد المنظمات المحلية يتضاءل باستمرار، وأنها لم تعد تقوى على النهوض بنفسها، وبالتالي، لم تعد بالمستوى الذي يمكنها من إدارة الازمات أو المساهمة في حلها، فضلا عن المشاركة في التنمية المستدامة.
وبناء على هذا، فان قرار خفض المشروعات الاممية في مجال تمكين المجتمع المدني في السنوات القادمة مع ملاحظة ما تقدم سوف يضع المنظمات المحلية في أزمة حقيقية؛ ليس هذا فحسب، بل، أنه سيضع الوكالات والبرامج نفسها، في حرج شديد، لان زيادة أعداد المنظمات غير الحكومية المحلية في مجالات حقوق الإنسان والانتخابات والبيئة وقضايا المرأة لم تحصل إلا بعد أن ازدادت أعداد الوكالات والبرامج والصناديق والمنظمات الدولية وإلا بعد تخصيصات مالية لها.
لذا، ينبغي على وكالات الامم المتحدة وبرامجها وصناديقها إعادة النظر مجددا بمشروعاتها الخاصة بـ(تمكين المجتمع المدني) والمنظمات غير الحكومية، على مستوى البيئة المؤاتية، وعلى المستوى التنظيمي، وعلى مستوى ضمان تواجدها في المحافل الدولية. وتوجيه المعونات الاممية تجاه تنمية قدرات المنظمات غير الحكومية المحلية مع غض النظر عن المشروعات التي يراد تنفيذها في العراق، بحيث تكون المنظمات قادرة على الاستمرار في انشطتها ومواجهة التحديات والطوارئ بمفردها. كما ينبغي عليها إجراء تمرين مشترك لتقييم أداء قدرات المنظمات غير الحكومية بصفة دورية، إذ يمكن أن تكون نتائج تقييم القدرات بمثابة نقطة انطلاق لصياغة استجابة مناسبة لتنمية القدرات مع التأكيد على المحاور الآتية:
1- ضمان تواجد المنظمات غير الحكومية العراقية (الفاعلة) في فروع وبرامج وصناديق الامم المتحدة، وفي المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الاجنبية، بهدف تنمية قدراتها على التأثير في هذه المؤسسات، والاستفادة منها في الوقت نفسه في بناء وتنمية قدرات المجتمع المدني المحلي. مثل: منحها الصفة الرسمية في وكالات وبرامج وصناديق الامم المتحدة. فميثاق الأمم المتحدة قدم – عبر المادة 71 – للمنظمات غير الحكومية المشاركة من خلال الصفة الاستشارية والتنسيق مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وصنفها إلى ثلاث مستويات حسب علاقتها بأنشطة المجلس. ومن هنا فإن المادة 71 قدمت فرصا سياسية هامة للمنظمات غير الحكومية مثل الاعتراف الرسمي العالمي، والمشاركة في المؤتمرات الدولية الخاصة بالأمم المتحدة. الأمر الذي ساهم بدوره في تقديم حوافز لهذه المنظمات للتنظيم والعمل على المستوى الدولي. كما قدمت الوكالات المتخصصة التابعة للامم المتحدة العديد من الآليات الرسمية وغير الرسمية لمشاركة المنظمات غير الحكومية.
2- ضمان قدرة المنظمات غير الحكومية المحلية على التواصل الإيجابي مع مجتمعاتها المحلية، والترويج للقيم المشجعة لوجودها، وتفعيل أدوارها في المطالبة بحقوق المجتمعات التي تنتمي إليها، أو المساهمة في حل مشاكلها بهدف تعزيز دورها المجتمعي، لاسيما أن المنظمات غير الحكومية المحلية بدأت تغادر القرى والمحلات والنواحي باتجاه مراكز المحافظات مع احتمال اضمحلالها.
3- ضمان مشاركة ووصول المنظمات غير الحكومية العراقية إلى منافذ القرار السياسي، وفتح المجال أمامها للمشاركة في صنع السياسات وعمليات التنفيذ، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية من خلال تعزيز مبدا أن المنظمات غير الحكومية شريك مهم في تحقيق التنمية وتعزيز الحكم الرشيد، وأنّ وجودها ضروري للحكم على ديمقراطية الدولة، وعلى مسئوليتها، ومدى سماحها لمشاركة المواطنين، واعتبارها وسيلة لتحقيق التحول الديمقراطي كونها تمثل عنصرا هاما في تفعيل المجتمع وبناءه.
نعتقد أن وكالات الامم المتحدة وإن اختلفت معنا في تفاصيل هذا المقال فانها تشاطرنا الرأي – إلى حد ما- في النتائج النهائية التي من الممكن التي تؤول إليها المنظمات غير الحكومية. وأن الحكومة العراقية تدرك هذه الحقيقية جيدا، كما أن المنظمات غير الحكومية نفسها تعي أكثر من غيرها أن السنوات القادمة ستكون مصيرية ليست على إنشطتها وحسب، بل، على وجودها أيضا، مما دفعها إلى التفكير بشكل جدي في مرحلة ما بعد توقف المشروعات الدولية، فكان المخرج هو الدعوة إلى تبني برنامج شراكة منظمة وفعالة ومستديمة بين السلطات العراقية والمنظمات غير الحكومية من خلال تبني أول وثيقة سياسات في العراق تسمى (ميثاق تعاون السلطات العامة مع المنظمات غير الحكومية) بهدف تمكين المنظمات غير الحكومية من الوسائل اللازمة لتوسيع نطاق إنشطتها بما يخدم مصالح كل العراقيين.
آمل أن تدرك وكالات الامم المتحدة بالخصوص برنامج الامم المتحدة الانمائي هذه الحقيقة، كما آمل أن تدرك المنظمات غير الحكومية أن وجودها في الوسط الاجتماعي لا يجب أن يكون وجودا عابرا أو استثنائيا، مع دعائي أن يأخذ (ميثاق التعاون) مساره الصحيح.
تحرير علي عبد سلمان1/5/140205
https://telegram.me/buratha