كثرت الأحاديث حول حرية المرأة وهل ان هذا الموضوع انتقل فعلا بالمجتمعات نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة في مفاصل الحياة بين تلك الممنوحة للمرأة وبين النخبة من الرجال او الطبقات الحاكمة التي تسيطر على مقاليد الامور من خلال احكامها على السيطرة و الامساك بفرص العمل وتقاسم الثروات والموارد الاقتصادية في المجتمع. ومن ثم فان قضية المرأة تحتاج فهما جديدا يتجاوز مسألة الشعارات والأهداف السطحية، بل يجب الانتقال الى صياغة اقتصادية - سياسية لعقد العلاقة بين الفرد وسلطاته الحاكمة وتحديدا الى العلاقة مع تكييف الدولة وفهمها لقضية العدالة بين مواطنيها اولا والى العلاقة بينها وبين النساء والفئات المحرومة كأمثال ذوي الاحتياجات الخاصة والاطفال وضحايا الارهاب وضحايا الحروب وما الى ذلك. لذلك ارتأيت ان اطل اليوم عليكم من نافذتي « الهمس الصاخب» لابحث معكم كيفية تحويل قضية الاخر ولاسيما المرأة إلى قضية عدالة اجتماعية من خلال منهجة وصياغة الموازنة العامة باطار موازنة النوع الاجتماعي. راجية ان أكون قد أسهمت ولو قليلا في طرح مفهوم جديد وجانب واقعي لقضية المرأة وحقوقها للعيش في ظل مجتمع يمنح ادارة واعية لعملية الانتاج وادارته الاقتصادية.
إن الدول التي عالجت العديد من الأزمات بذكاء، هي تلك الدول التي وجهت استثماراتها نحو زيادة دخل النساء، واعترفت بالحاجة إلى تخصيص الموارد على جميع المستويات بما في ذلك تعزيز القدرات، ووضعت السياسات المراعية للنوع الاجتماعي للتوصل إلى الاستفادة الكاملة من الأثر المضاعف لمشاركة النساء. لقد تعهدت الحكومات بتحقيق المساواة والتنمية والسلام لجميع النساء في كل مكان، وذلك منذ خمسة عشرة عاماً مضت في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة. وكان لإعلان بيجين الذي يُعتبر نقطة تحول هامة، أثر عميق وواسع النطاق. فقد كان الموجه لصنع السياسات مثلما أوحى بإصدار قوانين وطنية جديدة. فقد بعث برسالة واضحة إلى النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، بأن تحقيق المساواة وإتاحة الفرص أمامهن تُعد من الحقوق غير القابلة للمساس بها. ولا يزال إعلان بيجين ملائماً اليوم كما كان عند اعتماده. ويُعد الهدف الثالث من الأهداف الإنمائية للألفية، والذي يُعنى بـِ «تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» أساسي بالنسبة لتحقيق جميع الأهداف الأخرى. فعندما تُحرم المرأة من فرصة تحسين أحوالها وأحوال مجتمعاتها فإننا نخسر جميعاً. وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، دعونا ننظر بعين ناقدة لإنجازات أل (15) سنة الماضية، حتى يمكننا البناء على ما ثبُت أنه فعّال، وتصحيح ما لم يكن فعّالاً. ودعونا نعمل بتصميم متجدد من أجل مستقبل يضمن المساواة في الحقوق، وتكافؤ الفرص، والتقدم للجميع (رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة لعام 2010). علماً بأن شعار اليوم العالمي للمرأة لعام 2010 هو:
حقوق متساوية، فرص متساوية: تقدم للجميع.
ماذا نقصد بالموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي..؟
الى « الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي بشكل عام «(Gender Responsive Budgets GRB)” يشير الى الموازنات الحكومية التي تصاغ استناداً إلى تقدير الاختلاف في أدوار واحتياجات النساء والرجال في المجتمع. وترمي هذه الموازنات إلى تجسيد احتياجات المرأة خلال جميع مراحل عملية وضع السياسات، بما في ذلك أثناء التخطيط لإعداد الموازنة والتنفيذ والمتابعة والتقييم. إن الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي، أو الموازنة الحساسة للنوع الاجتماعي، أو موازنة النوع الاجتماعي أو موازنة المرأة، هي ليست موازنة منفصلة للمرأة، ولكنها موازنة تُخطط، وتُنفذ، وتُتابع وتُقيّم بطريقة حساسة للنوع الاجتماعي ومستجيبة لاحتياجات المرأة والرجل معاً. إن إعداد الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي: هو أسلوب صُمم لتضمين البعد النوعي في كل مراحل دورة الموازنة، بهدف تحليل الآثار المختلفة لسياسة الدولة المالية فيما يتعلق بالمصروفات وكذلك بالإيرادات على المستويين المركزي والمحلي وأثرها على كل من النساء والرجال، كما يتضمن هذا الأسلوب مقترحات لإعادة دراسة الأولويات الخاصة بالإيرادات والمصروفات، آخذاً في الاعتبار الاحتياجات المختلفة للنساء والرجال. وباختصار فإن الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي، تتصف بأنها:
• اولا: ليست موازنة منفصلة للمرأة
• ثانيا: تشجع الاستخدام الأكثر فعالية للموارد لتحقيق المساواة بين النساء والرجال وبلوغ التنمية البشرية
• ثالثا: تعمل على استخدام الموارد المتوافرة لتحسين نوعية حياة الرجال والنساء بشكل متساوٍ.
• رابعا: تسمح لأي بلد باستثمار كافة موارده البشرية (نساءً ورجالاً) للمحافظة على قدرته التنافسية.
• خامسا: تُساعد في التعرف على الفجوات في توزيع الموارد العامة.
• سادسا: تُساهم في تحديد الاحتياجات وفق الأولويات لكل من المرأة والرجل.
• سابعا: تعمل على إعادة تخصيص الموارد بحيث تستجيب لاحتياجات مختلف فئات السكان.
• ثامنا: تُساهم في إعطاء اهتمام خاص لحالة المرأة الأكثر حرماناً وتهميشاً واحتياجاً.
• تاسعا: تُساهم في تحقيق الإنصاف والعدالة النوعية وتكافؤ الفرص.
وقد ساهمت منظمات عدة، ومن بينها منظمات تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات مانحة، ومنظمات غير حكومية دولية ووطنية، وبخاصة صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة «اليونيفم» في إيجاد الاهتمام وبناء القدرات وتعزيز الالتزام بإدماج النوع الاجتماعي في عمليات الموازنة العامة في أكثر من (30) بلداً في أنحاء العالم. وهنالك حالياً أكثر من (15) بلداً قد ادخل بشكل منهجي منظم مبادئ توجيهية للموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي، وعُني ببناء قدرات موظفي التخطيط والموازنة على استخدام منظور النوع الاجتماعي في عمليات التخطيط وإعداد الموازنة التي يقومون بها، كما حرص على إنشاء آليات لمتابعة النتائج التفصيلية تبعاً لكل جنس. ومن بين الدول العربية التي قطعت شوطاً في هذا المجال مصر والمغرب. من خلال مراعاة منظور النوع الاجتماعي عند رسم السياسات والتخطيط العام، وأهمية اعتماد منظور النوع الاجتماعي عند وضع الموازنة العامة للدولة والموازنات الخاصة بالمؤسسات، ونظراً لأهمية نشر وتبني مفهوم «الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي» فكراً وتطبيقاً في مؤسساتنا الوطنية الرائدة ومن خلال الشراكة الفاعلة مع المؤسسات الوطنية الرسمية المعنية ، للوصول ,تنفيذ مشروع متكامل لغايات التوجه الى الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي (المستجيبة لاحتياجات المرأة والرجل معاً)، بهدف نشر الوعي بأهمية تبني هذا المفهوم وبناء الكفاءة الفردية والمؤسسية للوزارات والمؤسسات المعنية وإنشاء الهياكل المؤسسية التي تضمن تبني المشروع واستدامته تمهيداً لإدماج هذا المفهوم في سياسات وإجراءات إعداد الموازنة العامة وتطبيقه ضمن مراحل إعداد الموازنة العامة ، من خلال الدعم الكامل من قبل الاطراف ذات العلاقة .. وانطلاقاً من أهمية هذا الموضوع في الحرص على مأسسة المنهجيات التي تسعى إلى تمكين المرأة وتطوير أوضاعها في محافظات العراق وفق منحى علمي - عملي، فيتحتم التعاون في تنفيذ هذا المشروع بين الشركاء اجمع، مجالس المحافظات واللجان البرلمانية والوزارات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والمختصين في السياسات الاقتصادية وعلم الاقتصاد الاجتماعي والخبراء ذوي العلاقة..
ماذا يهدف المشروع..؟
تحويل السياسة والخطة إلى مخصصات مالية معتمدة ضمن الموازنة السنوية يمكن قياس •
مردودها ومدى تحيزها
وقياس الكشف والتحديد للأنشطة المخصصة للمرأة والرجل ضمن الموازنة وفقا لأية نسب ومدى •
إسهامها في تضييق الفجوة النوعية بين الرجال والنساء
التحقق من مدى كفاية المخصصات لتحقيق الأهداف المعلنة •
التحقق من مستوى مصداقية السياسات ومدى استجابتها لاحتياجات المواطنين •
رفع كفاءة الإنفاق وقياس فاعليته •
تحقيق قدر أعلى من الشفافية والرقابة والمساءلة وذلك يستلزم القيام بالاتي:
1. حصر المخصصات المالية المرصودة للبرامج والمشاريع الخاصة بالمرأة.
2. تحليل مدى كفاية المخصصات المالية الحكومية المرصودة للبرامج والمشاريع الخاصة بالمرأة، مقارنة بما تضمنته: اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والأهداف الإنمائية للألفية والأجندة الوطنية من بنود تتعلق بحقوق المرأة.
3. تعريف المحددات التي تعيق تنفيذ الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي (المستجيبة لاحتياجات المرأة والرجل معاً)
4. تحديد طرق التدخل في الاستراتيجيات والخطط الوطنية، وفي استراتجيات وسياسات إعداد الموازنة العامة وبرامجها، بما يكفل مأسسة واستدامة تنفيذ موازنة مستجيبة للنوع الاجتماعي ومراعية لاحتياجات المرأة والرجل معاً. سعياً لإدماج هذا المفهوم في سياسات وإجراءات إعداد الموازنة العامة وتطبيقه ضمن مراحل إعداد الموازنة العامة في الأردن لعام 2011، والتي تشمل موازنات الوزارات والمؤسسات والدوائر الرسمية المختلفة، وحتى الدعم الحكومي الموجه لمنظمات المجتمع المدني أيضاً.
نطاق العمل
يتضمن نطاق العمل للمشروع الوزارات والدوائر الحكومية التي تُعنى بالمرأة بشكل رئيس اضافة الى وزارة الدولة لشؤون المرأة، وهي:
1. وزارة الصحة.
2. وزارة التربية والتعليم.
3. وزارة التعليم العالي.
5. والشؤون الاجتماعية وزارة العمل.
6. وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
7. وزارة المالية بما فيها دائرة الموازنة العامة ودائرة ضريبة الدخل والمبيعات.
خطوات إجرائية لضمان التنفيذ الفاعل للمشروع:
• تشكيل لجنة توجيهية عليا ولجنة فنية من اللجنة الوطنية ودائرة الموازنة العامة والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، لمتابعة تنفيذ المشروع.
• تعزيز قدرات كوادر دوائر الموازنة والتخطيط في الوزارات السبع المعنية من خلال عقد ورش عمل تدريبية.
• تحليل الموازنة من منظور النوع الاجتماعي فى كل من قطاعات: التعليم ما قبل العالي والعالي، والصحة, والتنمية الاجتماعية, والعمل، إضافة إلى التخطيط والتعاون الدولي وضريبة الدخل.
• تحليل السياسات المالية العامة من منظور حقوق المرأة، تماشياً مع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والاستراتيجية الوطنية للمرأة.
• مراجعة قانون الموازنة العامة للدولة بما يتفق مع الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي.
• تحليل خطوات إعداد الموازنة العامة.
• تضمين بلاغ إعداد مشروع قانون الموازنة العامة للدولة الذي يصدر سنوياً ما ينص صراحة على مراعاة احتياجات النوع الاجتماعي في الموازنة العامة. مع إلزام الجهات المختلفة بتوفير البيانات المصنفة حسب النوع الاجتماعي.
• تنظيم برامج تدريبية مخصصة لأعضاء لجان إعداد الموازنة العامة، مع ضمان مشاركة المراقبين والمسئولين الماليين بالجهات المختلفة في البرامج التدريبية، على أن يسبق البرنامج التدريبي فترة إعداد الموازنة العامة.
• عقد جلسات توعوية متخصصة للبرلمانيين والبرلمانيات حول الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي.
• عقد جلسات توعوية لأعضاء المجالس المحلية في المحافظات المختلفة حول الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي (المستجيبة لاحتياجات المرأة والرجل معاً(
• تنظيم حملات توعوية لمنظمات المجتمع المدني حول أهمية وضرورة دمج احتياجات المرأة في الموازنة العامة للدولة.
• تطوير النماذج/ الجداول الحالية لمصروفات الموازنة العامة موزعة وفقا لأبواب الموازنة بالطريقة التي تضمن عملية تحليل البيانات حسب النوع الاجتماعي
• تحليل جانب الإنفاق من منظور مقدار الاستفادة العائدة على المرأة والرجل، ومدى المنافع المتحققة عليهما معاً.
• تحليل وقياس أثر الإنفاق الفعلي من خلال الاستعانة بالمسوحات الميدانية للمستحقين/ ات.
ان قضية المرأة على وجه التحديد والعدالة الاجتماعية عموما ليست مسالة كمالية او قضية طارئة تدخل حيز الشعارات او « الديكور السياسي» ، انما هي نهج لبناء المجتمعات واستراتيجية حقيقية للتنمية المستدامة التي على الدولة ان تنتهجها وصولا الى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مصحوب بمعدلات تنمية بشرية متناسبة واهداف ذلك المجتمع الى النمو والتطور.
Salam Smeasim (PhD)
salam_bha2004@yahoo.com
ــــــــــــــــــــــــــ
تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha