نشرت مجلة MEES خلال شهر تموز 2013 ثلاث مقالات جديرة بالاهتمام عن الغاز كتبها Jensen وAissaoui وMerklein (أنظر قائمة المصادر). ومع تناول هذه الورقة لتبعات ما ورد في مقال Jensen فإن المقالين الآخرين يمثلان خلفية مناسبة وستتم الإشارة أليهما.
يتعرض مقال Jensen لاحتمال قيام اليابان باستيراد الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة بالإضافة لمصادر تجهيزها الحالية. فعند تَحوِّل التصريحات الرسمية، في أيلول 2012، بالتخلي عن كامل وحداتها الكهربائية النووية، ربما في عقد الثلاثينات القادم، إلى إجراء فعلي، وقرارها بفرض ضريبة كاربون في تشرين أول 2012، فإن كلا الاجرائين قد يقودان إلى أن تزيد اليابان نسبة الغاز الطبيعي المسال،LNG، المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية. إن ما ورد في المقال عن التطورات الممكنة في تركيبة مصادر التجهيز الاضافية لليابان، خاصة الغاز الحجري shale gas من الولايات المتحدة، وأثر ذلك على أسعار الغاز في اليابان (وفي الأسواق الآسيوية) ستكون له تبعات ينبغي على العراق دراستها واستخلاص العبر منها بسبب أن الأسواق الآسيوية هي أحد أهم الأسواق المحتملة لتصدير الغاز العراقي مستقبلاً. اختلاف آلية تسعير الغاز بين مناطق العالم يشير المقال ابتداءً إلى حقيقة تباين آلية تسعير الغاز في مختلف مناطق العالم (والتي أشرت لها أيضاً في: Merza, 2012). ففي الولايـات المتحـدة يجـري معظم التسعير من خلال سوق فورية (market spot) للغاز، بمعزل عن التسعير النفطي، في حين يرتبط معظم التسعير في آسيا بأسعار النفط الخام أو/والمنتجات النفطية بعقود طويلة الأجل. وتتبع أوربا نظاماً مختلطاً. ففي شمال أوربا هناك تسعير فوري ولكن في باقي أوربا يجري التسعير، من خلال عقود، بالارتباط بأسعار النفط الخام. وكان نتيجة هذا الاختلاف في آلية التسعير بين المناطق أسعاراً للغاز تراوحت، في 2012، من 2.74 دولار لمليـون وحـدة حراريـة بريطانيــة (م-و-ح-ب) في الولايـات المتحـدة (Henry-Hub, Louisiana) إلى 9.3-12.6 دولار/م-و-ح-ب في أوربا (تسعير فوري-عقود) إلى 16.7 دولار/م-و-ح-ب في اليابان. إن أهم أسباب هذا الاختلاف، حسب المقال، تعود إلى تكاليف النقل العالية للغاز الطبيعي المسال. ولكن، كما يتبين في المقال، لا يفسر فرق تكاليف النقل بين الولايات المتحدة والمناطق الأخرى كامل الفرق في الأسعار الفعلية بينها وتلك المناطق. لذلك يشير المقال إلى أسباب أخرى مثل البنية الاساسية/المؤسسية للسوق في كل منطقة والمدى الذي تستطيعه كل منطقة من الحصول على التجهيزات بسهولة. على سبيل المثال، أدت سهولة التجهيز، من خلال منظومة أنبوب الإتحاد الأوربي المفتوح open access EU pipeline system، إلى سوق تنافسي في شمال أوربا لا تختلف فيه الأسعار الفعلية عن الولايات المتحدة إلا بتكاليف النقل فقط. ولكننا نعتقد، كما سنبينه أدناه، بوجود سبب إضافي أساس يتعلق باختلاف معدلات كلفة الإنتاج في مصادر التجهيز المتعددة. الأسعار الفعلية والأسعار “التوازنية” وتصدير الغاز الحجري على أساس الافتراض الوارد في مقال Jensen أن تسعير Henry-Hub في الولايات المتحدة يمثل سعر “التوازن” للغاز، ومن خلال إضافة تكاليف النقل (لسعر Henry-Hub) إلى كل منطقة في العالم تم في المقال احتساب أسعار “توازنية” لهذه المناطق. ولقد تبين من الحساب أن الاسعار التوازنية المحتسبة لأوربا (عدا شمالها) وآسيا لا زالت تختلف عن الاسعار الفعلية فيها كما مبين في الجدول التالي: أسعار الغاز الطبيعي المسال (LNG) 2012 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانيةالفرق
“توازني”
فعلي
أساس التسعير الفعلي
0
2.7
2.7
فوري
(Henry-Hub) الولايات المتحدة
1.3
8.0
9.3
متوسط: فوري/عقود
أوربــــا
7.3
9.4
16.7
عقـود
اليابـــان
المصدر: الأرقام مستقاة من رسم بياني ورد في Jensen (2013). إن النتيجة المستخلصة في مقال Jensen، باستخدام أرقام الجدول، هي أن الفرق بين السعر الفعلي والسعر “التوازني” الذي يمثل (أي الفرق) “علاوة”، Premium، او “ريع” لا بد أن يدفع المشتري إلى تجنب دفع العلاوة/الريع من خلال الاستيراد من مصادر التجهيز الأرخص وخاصة الولايات المتحدة. وبهذا قد يدفع ذلك اليابان لسد حاجاتها الإضافية المتوقعة من خلال استيراد الغاز الحجري من الولايات المتحدة. وهذا استنتاج منطقي في حالة إمكانيته. ولكني أعتقد بوجود مشكلة في تحديد السعر التوازني خارج الولايات المتحدة في مقال Jensen. إن السعر التوازني كما يحدد في المقال بسعر Henry-Hub (زائداً تكاليف النقل) يقوم ضمناً على افتراض حالة من المنافسة التامة في صناعة غير استخراجية.[1] ففي مثل هذه الصناعة يؤدي التنافس في الأمد المتوسط/الطويل إلى إزالة أي علاوة/ريع من خلال استبقاء المنشآت الأكفأ ذات الكلف المتقاربة وخروج المنشآت الأقل كفاءة ذات الكلف الأعلى. ولكن في صناعة استخراجية كالنفط تبين من العقود المنصرمة أنه، بالرغم من التقدم التكنولوجي، لم يكن بالإمكان إزالة الفروق في هيكل كلف الحقول والمناطق المنتجة اللازمة لإشباع الطلب حتى في المدى المتوسط/الطويل. هذا بالإضافة إلى أنه بوجود العامل الاحتكاري النابع من محاولات الأوبك لتنظيم الإنتاج (منتج متبقي تجاه المنتجين العديدين الآخرين)، فأن السوق النفطية غير تامة التنافسية.[2] والنقاط التالية يمكن أن تثار في هذا المجال: (1) في سوق النفط/الغاز فإن السعر التوازني، أي الذي يقرره توازن العرض والطلب في المدى المتوسط/الطويل، لا يمكن أن يقل عن أرضية تساوي معدل الكلفة (average cost) في الحقل/المنطقة الحدية (أي أعلى الحقول/المناطق المنتجة كلفة) التي يحتاجها إشباع الطلب، بما فيه المضاربي (زائداً تكاليف النقل). ومعدل كلفة الحقل/المنطقة الحدية يمثل الكلفة الحديـة (marginal cost)للعرض (اي للصناعة ككل). على سبيل المثال، فإن أرضية السعر التوازني في سوق النفط لا يحددها معدل الكلفة المنخفض للإنتاج في الشرق الأوسط وإنما معدل كلفة الإنتاج في الحقول المنتجة الأعلى كلفة (النفط من المناطق البحرية، النفط الرملي، النفط الحجري، الخ)، بالذات أعلى معدل كلفة. لذلك فإن العلاوة/الريع الذي تحصل عليه نفوط الشرق الأوسط أكبر من ذلك الذي تحصل عليه المناطق البحرية، وهذه، بدورها، أكبر من الحقول الأعلى كلفة، وهكذا، إلى أن نصل إلى حقل/منطقة (ذات أعلى معدل كلفة يحتاجها الطلب) قد لا تحصل على علاوة/ريع إذا كان السعر أعلى من معدل الكلفة فيها بالعائد الاعتيادي فقط. (2) وبنفس القرائن يمكن النقاش بتواجد الريع في تسعير الغاز.[3] لذلك حتى في سوق دولية للغاز، مشابهة لسوق النفط، فإن العلاوة/الريع لا يختفي وذلك بسبب اختلاف معدل كلف الحقول المنتجة التي يحتاجها السوق لإشباع الطلب. ومما يدلل على هذا الأمر ان العلاوة/الريع لمنتجي الغاز تواجد قبل 2005 (السنة التي بدأ فيها إنتاج الغاز الحجري بالتزايد ومن ثم التسعير الفوري للغاز في الولايات المتحدة) وبعدها، ولم تقود المتاجرة بين المناطق إلى اختفاءه كما تفترض حسابات وتسبيب Jensen.[4] ومع ذلك تبقى حالة شمال أوربا، التي تختفي فيها العلاوة/الريع حسب حسابات Jensen، بحاجة إلى تفسير. (3) إن استمرار أسلوب التعاقد قد لا يفسره فقط عدم توفر آلية أخرى للتسعير (فالتسعير الفوري للغاز الطبيعي المسال متوفر في اليابان/كوريا الجنوبية) أو عدم توفر مصدر رخيص للتجهيز (بسبب ارتفاع تكاليف النقل) وإنما أيضاً مسألة الاستقرار التي توفرها العقود في تجهيز مضمون طويل الأمد. هذا إضافة إلى أن عقود النفط في اليابان (وغيرها من الأسواق الآسيوية) فيها آلية لتخفيف أثر تصاعد أسعار النفط على أسعار الغاز. ففي المعادلة الخطية المستخدمة في اليابان يرتبط سعر الغاز بسلة (كوكتيل) من النفوط بميل وحد ثابت. ويجري تعديل الميل و/أو الثابت لتخفيف الأثر. (4) إن زيادة الطلب على الغاز الحجري الأمريكي من باقي مناطق العالم، في حالة وجود كميات كبيرة منه، ربما ستقود إلى زيادة أسعاره أكثر مما تقود إلى انخفاض أسعار الغاز في باقي مناطق العالم. هذا إلا إذا كان الإنتاج من الضخامة وكلفة الإنتاج من الانخفاض بحيث تتوقف المصادر عالية الكلفة عن الإنتاج، في المناطق الأخرى، ويصبح معدل كلفة إنتاج الغاز الحجري (وكلف تسييله ونقله، الخ) هي الأرضية للسعر التوازني. وهذه مسألة غير متوقعة بمنظور الحاضر. أنظر: Merklein (2013), Helman (2013). درس مستخلص وتبعاته لتوجه التصدير في العراق إن الدرس الذي يمكن أن يستخلص من المقال، ومن مصادر أخرى، هو أن تغير هيكل الأسواق والتسعير فيها لا يحدث بسرعة حتى لو توفرت مصادر رخيصة للغاز/النفط. إذ لابد من حصول مجموعتين من التغييرات الجوهرية لحدوث ذلك: توفر الغاز الرخيص بكميات كافية يمكن نقلها الى المناطق المختلفة بحيث تنتفي الحاجة إلى مصادر عالية الكلفة. تغير البنية الأساسية/المؤسسية وحصول التقدم التكنولوجي الذي يسهل النقل ويخفض كلفه وإتاحته في الاسواق/المناطق المختلفة. وفي ضوء عدم اليقين من الحجم الذي سيبلغه إنتاج الغاز الحجري مستقبلاً، خاصة في الولايات المتحدة (Merklein, 2013, Helman, 2013) فإن من غير المتوقع أن ينمو إنتاجه في العقدين القادمين بحيث يقود إلى تغيير هيكل السوق بشكل جوهري وانخفاض الأسعار بشكل كبير. لذلك يُرجَح، من منظور الحاضر، استمرار هيكلية العقود طويلة الأجل وأسعارها المرتبطة بالنفط/المنتجات النفطية خلال العقد أو العقدين القادمين في السوق الآسيوية وأغلب الأسواق الأوربية. ومع ذلك فإن العراق وهو سيقوم بالتصدير مستقبلاً ينبغي أن يتحوط لاحتمال تغير هيكل سوق الغاز عما هو متوقع من منظور الحاضر، خاصة وأنه قد يحتاج إلى الدخول في عقود تصدير (بالرغم مما يبدو عليه الأمر الآن من قيام العراق بتوقيع عقد استيراد مع إيران). لذلك من المناسب أن يتبع سياسة متوازنة تقوم على ما يلي: (أ) عدم الدخول في عقود تصدير لا يمكن الإيفاء بها مستقبلاً، باحتمال عال، من ناحية الحجم أو التاريخ. على سبيل المثال، تتوقـع الاستراتيجيـة الوطنيـة المتكاملـة للطـاقة، INES، (MEES, 2013) أن يتمكن العراق من استغلال فائض الغاز المنتج عن الحاجة المحلية (بدلاً من حرقه) بما في ذلك التصدير، بحلول 2015. غير أن قيام العراق بالتوقيع على عقد لشراء الغاز من إيران لفترة أربع سنوات (على ما ورد في وسائل الإعلام:IOR, 2013 ) يفترض ضمناً عدم إمكانية تنفيذ ما ورد في الاستراتيجية الوطنية من استكمال لحد أدنى من البنى الأساسية/المؤسسية تتيح استغلال الغاز الفائض (بما في ذلك التصدير) بدلاً من حرقه بحلول 2015. (ب) أتباع تسعير محلي لا يؤدي إلى التبذير في الاستهلاك لدرجة تقود إلى المبالغة في استهلاك محلي قد يقضي على الفائض التصديري مستقبلاً (“الحالة المصرية“، أنظر: Aissaoui, 2013). (ج) دراسة الآثار المحتملة للمصادر المنافسة للغاز العراقي في السوق الدولية نتيجة لتوفر الغاز في المستقبل من مشاريع تصديرية ممكنة في الولايات المتحدة واستراليا وكندا وأفريقيا، الخ. *) باحث وكاتب إقتصادي عراقي المصــادر Adelman, M, De Silva, H, Koehn, M (1990) ‘User Cost in Oil Production’, MIT CEPR Working Paper, No. 90-020WP, October. Aissaoui, A. (2013) ‘Algeria’s Natural Gas Policy: Beware of the Egypt Syndrome’, MEES, 12 July. Helman, C. (2013) ‘Why America’s Shale Oil Boom Could End Sooner Than You Think’, Forbs, June 13. Iraq Oil Report, IOR (2013) ‘Iraq Inks Gas Supply Deal with Iran’, 23 July. Jensen, J. (2013) ‘Export of Shale Gas: Perspective from Japan’,MEES, 22 July. Merklein, H. (2013) ‘Shale Oil and Shale Gas’, MEES, 9 July. Merza, A. (2012) ‘Pricing and Profitability in the Gas Deal of Southern Iraq: Preliminary Evaluation’, Energy & Geopolitical Risk,Volume 3, No. 9 October. Middle East Economic Survey, MEES (2013), ‘Document – Iraq’s Integrated National Energy Strategy’, 17 June. merza.ali@gmail.com, July 2013. الهوامش[1] بالإضافة إلى الافتراض ضمناً بوجود كميات كبيرة جداً من الغاز الحجري، منخفض الكلفة، متاحة للتصدير.
[2] في ضوء اقتناعه بأن وصف النفط بسلعة قابلة للنفاد هو فكرة غير اقتصادية، يرى Adelman, et al (1990)أن السبب الوحيد لوجود علاوة/ريع في السوق النفطية هو سيادة الاحتكار فيها Monopoly. ومع أن ذلك قد ينطبق على صناعة غير استخراجية، ولكن في صناعة استخراجية فيها مجموعة انتاجية تنظيمية غير مهيمنة (أوبك كمنتج متبقي) لا يمكن أن يكون العنصر الاحتكاري وحده مسؤولاً عن تواجد العلاوة/الريع. فبالإضافة له يلعب تصاعد معدل الكلفة في الحقول/المناطق الحدية دوراً مهماً في هذا التواجد. كما اشير أليه في المتن.
[3] على سبيل المثال، في الجزائر فإن متوسط معدل الكلفة المقدر لصناعة الغاز (الوسط الحسابي لمعدلات الكلفة لجميع الحقول) هو 0.7 دولار/م-و-ح-ب ومعدل الكلفة في الحقل “الحدي”، حقل Timimoun، هو 4.7 دولار/ م-و-ح-ب. وهذا الأخير يمكن اعتباره الكلفة الحدية لصناعة الغاز في الجزائر، (Aissaoui, 2013). وفي حالة التصدير يحصل كل حقل على علاوة/ريع, يساوي الفرق بين سعر التصدير ومعدل الكلفة فيه.
[4] لقد توقع كثير من الخبراء منذ 2005 أن تؤدي وفرة الغاز الحجري shale gas وتسعيره الفوري في الولايات المتحدة إلى نشوء سوق دولية للغاز مشابه لسوق النفط الدولية. غير أن مقال Jensen، والمصادر المذكورة فيه، لا يرجح قيام مثل هذا السوق في المستقبل القريب.https://telegram.me/buratha