كان بحث الإنسان مستمرا عن الخلود ، لكن زمن التعقل أوقف هذا التفكير واستسلم ذلك الإنسان للقضاء والقدر أو بالطبيعة المحكمة بقوانين حتمية مثل الموت ، ولكن هذه الفكرة بقيت تدغدغ مشاعره بفضاء يورم ألانا الإنسانية لتوجهه نحو الفردانية وتفضيل الفرد على المجتمع ، لهذا صار هذا الإنسان نصف اله وأحيانا اله كامل يحي ويميت الى أن استعاض عن فكرة الخلود تلك بفكرة أخرى هي الإنسان الأعلى ( السوبر مان ) الذي مازال راسخا في مستقبله البعيد أو في أمانيه المعطلة ، ولم تهمه أي قيم تغلف إنسان المستقبل هذا ، لان المهم أن يمتلك القوى والسرعة . وكان هذا من أهم الأمور التي ادلجة التعصب ، الذي تجنح بالعقيدة المتطرفة والغلو الفكري والاستبداد السلطوي ، كل هذا بهدف السيطرة والاستحكام على الآخرين وأشاعت ثقافة الكراهية والنظم الدكتاتورية ، لان التعصب فكر يستغلق على الوعي بمحتوى تطرفي ، يطالب من مريديه تنفيذ أوامره ونواهيه من غير نقاش أو جدل ( نفذ ثم ناقش ) ومثل هذا الفكر يمتلك محاور عديدة لا تقتصر على العقائد الدينية أو المذاهب الفكرية بل يشمل حتى العلوم بمخلف قراءاتها ، وقد أثبتت التجربة التاريخ أن ما يحرك التعصب هو حالة الإفراط أو التفريط بقيم وتعاليم اجتماعية ( أي المأثورات ) أن كانت عقائدية ( روحية ) أو فكرية ( مادية ) فهي التي تنميه سريعا حتى يتجاوز المألوف من دون تريث ، فيفسر ويقدم اجتهادا وقنا عات جديدة تكون سبب في انتشار وعيا تعصبيا زائف ولكنه يصبح مطلب اجتماعي لتجاوز محنة المرحلة التي يظهر بسببها ، بعدها ينكشف لهذا الفكر وجه اكبر من طموحاته التي جاء بها في أول الأمر .
ولنتذكر معا الأحداث التي مرة في القرنين الفائتين وما تمخض عنهما من تعصب فكري وانحياز أيدلوجي مثل الماركسي والفاشي والنازي والسلفي التي تطور الصراع فيها الى حرب عالمية ثالثة يسميها الغرب ( الحرب على لإرهاب ) .
أن هذه الأفكار المتطرفة لم تبدأ بشخص مثل هتلر أو ستالين أو موسوليني ولا حتى في أسامة بن بلادن وإنما تواجدت في مشجر بدأ مع بداية التاريخ البشري ونتقل إلى نتشه و هيجل و فخته ووضحت في أراء هوستن ستيوارت شمبرلين اللذين اعتبروا أن التاريخ هو من صنع الصفوة الممتازة من البشر وهذا ما أشار أليه ابن تيمية وابن القيم اللذان انتزع من التاريخ فقها نصوص حرفيه لابتدع مذهبا غريب لا يمتلك قراءة للعمق الإنساني الذي جاء به الإسلام ، وهؤلاء مهما تباعدت أمكنتهم أو أزمنتهم أو حتى ظروفهم الحضارية يؤلفون فضاء عقلي واحد ، هو التطرف الفكري الذي استمد مزاجه من شخصياتهم التي اعتبرت أن الإصلاح يأتي من النخب أو الطبقي أو الزعامات الدكتاتورية ، إذ يقول ابن حنبل ( من غلب بالسيف حتى صار خليفة ، وسمي أمير المؤمنين ، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الأخر أن يبيت ولا يراه إماما عليه ، برا كان أو فاجرا ، فهو أمير المؤمنين ) كذلك نجد هذه ألآراء موجودة عند برجسون و سوريل و باريتو لنظرية الزعامة الدكتاتورية ، والتي يبينوا فيها فائدة الوثبة وهي تحدث من اثر القوة المتجمعة في نفس الزعيم ، ومن خلالها تستطيع الطبيعة أن تنقل الإنسان من مستوى الى مستوى ارفع بعد أن تستعين بعامل أخر يسميه سوريل و باريتو ( عامل الأسطورة ) وهو الأوهام التي تشد أزر الإنسان وتهون عليه الشدائد في سبيل تحقيق أحلامه ، وهذا ما يعتقده ابن تيمية الذي استعاض عن تلك الأسطورة بالنص المقدس فهو يقول أن الإمامة تقوم على أساسين هما: (القوة والأمانة) وهذا جاء بناء على نصوص قرآنية قد ورد ذكر القوة ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) من هنا نرى ابن تيمية يربط النص بجسور تشابكيه توهم المتلقي بنص عاجز عن تجاوز ألان والبعد النزولي للنص فجمع صفات الولاية في صفتين هما القوة والأمانة ، رغم أن هذا الرأي يخالف باقي فقهاء أهل السنة الذين يشترطون صفات عديدة في الأمام واعتبر فقهاء السلفية الوهابية ( أن القوة في التغير باطلة ، ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية . وقد يكون الإمام عادلا أو غير عادلا ، ولكن ليس لأحد من أزالته ) ويقول أحمد ابن حنبل في هذا ( أما الفاجر القوي ، فقوته للمسلمين ، و فجوره على نفسه وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه و ضعفه على المسلمين ) وهذه مغازله واضحة للسلطة ، إذ كيف يصبح الظالم والفاسق إماما أو حاكما ، أن مثل هذه الفكر استخدم في أيامنا هذه لإباحة قتل ألبرادعي كونه شارك في مسيرة التغير مع أخوته الثوار المصرين .
ولنرجع الى السلفية التي ذكرت في القران الكريم بشكل غير محمود ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) لهذا نجد كلمة الصالح تأتي تصحح لهذا الذم ولكن معنى السلف الصالح يأتي لغرض أخر وهو الفترة الزمنية المرتبطة بزمن الخلفاء الأربعة لهذا نجد السلفية لها اتجاهان ، هما سلفية نصوصية وسلفية عقلية ، ومن ابرز أئمتهم السلفية النصوصيه هو أبو عبد الله احمد بن حنبل الذي كان ظاهرة عباسية حين تصدى لفكر المعتزلة آنذاك وقتها انتشار منهجه وصار الفكر السلفي النصوصي تيار فكري محافظ همه تحصين السنة والحفاظ على النص والموروث من فكر المعتزلة العقلاني وتبلور على أثرها الفكر ألاعتقادي وظهر له رواد مثل ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب والسنوسي والأفغاني ومحمد رشيد رضا .
أن الفكر السلفي بعد ابن حنبل تحول إلى نزاع مذهبي ، فبعد أن كان منهاج ليجمع الدين في أمرين هما رفض الشرك ورفض البدع التي طرأت على الدين ، أي حصر العلم والمعرفة بظواهر الكتاب والسنة بالنص الحرفي بمعنى النقل والرواية من غير العقل والدراية ، تحول بعدها الى عقاب وتعصب مذهبي يرون الشرك فيه عند جميع المسلمين ، ولا يقبل في هذا غير اجتهادهم الفقهي ، الذي لا يتوازن مع النصوص الجزئية والمقاصد الكلية للتشريع الإسلامي فيقع أنصاره في التشدد والتعصب مع باقي المسلمين وهذا ما يمكن أن نلاحظه في قول ابن القيم عن الأمام احمد بن حنبل من أنه ( أمام أهل السنة على الإطلاق ... وان أئمة الحديث والسنة ، بعده ، هم إتباعه إلى يوم القيامة ) وهذا النص لا يحتاج تعليق عن تضارب مع منهجية الوحدانية الذي تدعيه الوهابية ، مثل هذه النصوص توضح أن المذهب الوهابية يكفر من يشاء ويدخل في الإسلام من يشاء وهذا الفكر يتقارب من الفكر الشمولي المتجبر كما في النازية والفاشية ولكنه جاء بتجهيز شكلي للنص لا بفكر عقلي للعقيدة .
والدعوى الوهابية لم تكن تيارا فكريا بل كانت قوانين وسنن استحكم عليها متشددون ربطوا تصورات علم التوحيد بالواقع السياسي والاجتماعي حين كانت الجزيرة تعيش صرا عات قبلية و ( أميرية ) جعلت من أفرادها في فقرا وجهلا قادهم الى التوسل والتقرب لما هو ارحم من الحكام ، وحين جاءت الوهابية لم تعمل على إنصاف الفرد من الأمراء بل كفرتهم مقابل تقديس الأمير ، وبعد ان انتقلت هذه الدعوى من بلدة العيينة إلى الدرعيه مقر آل سعود تعهد الأخير بالدفاع عن الدعوى ونشرها ومن لا يقبل بها يكون السيف هو من يقنعه إضافة الى أن هذه الدعوى وزعت من خلال الوهابية على الوافدين إلى الحجيج الذين كانوا في حاجة الى منهجية جمعوية من خلال قوى المذهب وخصوصا ان اغلب المسلمين في العالم تعيش الجهل بمختلف أشكاله ، فكان هذا من أهم عوامل انتشارها وخصوصا بعد ما منع سدنة الوهابية ( الأمراء ) حجاج بيت الله من الحج أن لم تنفذ تعاليمهم كما حصل للمصريين أيام محمد علي وكذلك ما حصل للشيعة والمتصوفة حتى وقت قريب .
أن الفكر الوهابي قد انتهجت السلفية النصوصيه ليبتدع له مذهبا أن لم يكن دينا جديد ، يمكنه من تسلق النص ليخدم حركتها السياسة التي تحافظ بذلك على سلطة السدنة ( الاميريه ) وتظهرها بمظهرها الشرعي ، ولمن يتتبع هذه الركائز يجد القياس الشكلي الذي وضعه هذا التشريع في قوالب تساوي ألزماني والمكاني من دون أن يحركها اجتهاد أو تفسير يواكب العصر ، لان هذا الأمر يحجز النص في بعض العقول ( النقلية ) وهذا ما يعود بالنفع على السلطة التي من خلالها تشرع وتعاقب وتقتل بسيف الله ورسوله والشيخ .... أن مثل هذه الأصول تدور حول المأثورات فقط وتنكر بذلك استخدام الرأي والقياس والتأويل والعقلانية معتبرة أن مثل هذا الأمور من المنكرات التي تفسد الدين .
أن من يتتبع المرحلة التاريخية لمحمد بن عبد الوهاب يجد انه يؤسس لفكر شمولي بطريقة تقليدية كانت قد توافقت مع المحيط البدوي الذي كان يعيشه أهل الجزيرة في تلك الأيام ، فقد شرع الغزو الذي يعتبر من أعلى قيم البداوة التي يحن أليها إنسان البادية مع أعطاء مزايا قدسية لظل الله الحاكم بعباده ، لهذا كانت علاقة محمد عبد الوهاب بأمير العيينة (عثمان بن معمر) وكذلك اتفاقه مع أمير الدرعية ( محمد بن سعود ) الذي تتوج بعد سلسة طويلة من الصراعات باستيلاء ( عبد العزيز بن سعود ) على الرياض ، وكان محمد عبد الوهاب مدركا أنه لا يمكن أن يكون قائد على أولئك الأمراء في نجد وباقي البقاع لان هذا سيجعله ندا وخصما لهم ويحكم على دعوته بالفشل ، ففضل الاتفاق معهم على مبايعتهم بشرط نصرت مذهبة ، فكانوا سدنة هذا المذهب الوهابية وأيضا مؤسسي للمملكة العربية الوهابية وليست للمملكة العربية السعودية
https://telegram.me/buratha