الكاتب قاسم العجرش
لم يتم التركيز على تاريخ وجغرافيا الشبك، ولكن على نموّهم الحديث والتغيرات التي حصلت لتركيبة الشبك الاجتماعية وخاصة تحت التأثير الدامي للسياسات اللاحقة للحكومات العراقية وكذلك على التباين الحاصل في اللهجة التي يتكلمون بها . وتبقى المعلومات المستقاة غير مكتملة لأسباب عديدة وان كان ذلك لا ينفي وجوب الاهتمام الحالي بالشبكويظل الأمل ان يتوسع البحث ويمتد التمحيص في هذا الأمر في المستقبل القريب نادرا ما تجد بلاد مثل البلاد التي أخذت اسمها من اسم نهريها العظيمين تحتوي هذا التنوع الديموغرافي ، ولعل اشتمالها عليهما ـ أي على النهرين دجلة والفرات ـ هو الذي أغرى العديد من الأقوام على ان تتخذها موطنا دائما لها ، ولعله أيضا هو السبب الذي أضفى عليها هذا التنوع الكبير من القوميات والأديان والجماعات العرقية ، ويرى الباحثين ان ازدحام منطقة بلاد مابين النهرين بهذه الجماعات البشرية كان وما يزال عامل بناء إنساني وخدم التقارب بين الجماعات البشرية وأنتج خليطا من البشر هو الذي اكتسب على الدوام اسم الشعب العراقي ، ولعلنا سنتوصل إلى حقيقة مفيدة في هذا الشأن مؤداها إننا كلما اتجهنا جنوبا مع مجرى النهرين يقل التنوع الديموغرافي وتزداد أوجه التشابه بين السكان، وابتداء من جنوب بغداد التي تعتبر المثال الكامل على الامتزاج لكونها مركز الحكم ، فان جنوبها لا يشتمل إلا على لون واحد تقريبا ،ويرى الباحثون ان سبب استقرار الجنوب الديموغرافي يعود إلى عوامل عديدة، أهمها الجغرافية الواحدة فهنا سهل لا يصلح إلا لسكنى نوع يستطيع العمل بظروفه الصعبة والمتمثلة بقدرة فائقة على التعامل الدائم مع فيضان النهرين الذي كان والى خمسينيات القرن الماضي يتكرر كل عام ابتداء من شهر نيسان ، فيما نأى النهران عن تهديد المناطق الواقعة شمال بغداد لارتفاعها عن مستواهما مما جعل تلك البقاع مكانا ملائما للسكنى أكثر من جنوب بغداد ، وهكذا تتزاحم الأقوام هناك حيث لا فيضان مع وفرة بالمراعي وحيث معدل سقوط الأمطار أكثر بكثير منه في الجنوب ، هناك الزراعة الديمية التي لا تحتاج إلا لجهد قليل وبالجنوب تكون الحاجة اشد لجهد بشري وعضلي وحيث الري بالواسطة ، ومن بين من استوطن في المناطق العليا من حوض نهر دجلة قوم عرفوا بالشبك، وهم أيا كانوا قومية أو دين أو طائفة ومع قلة عددهم نسبة إلى بقية المكونات ، فإنهم مكون ايجابي وأصيل من مكونات الشعب العراقي، وتتمثل ايجابيتهم بان التاريخ لم يذكر لهم مواقف أدت إلى زعزعة السلم والأمن الاجتماعي في البلاد ، وهم حريصون على أداء دور إنساني في بناء هذا البلد ، وهم إلى جانب هذا وذاك فلاحون مهرة متكسبون من عرق أيديهم المتغضنة بحقول الحنطة الواسعة التي يزرعونها في سهل نينوى ، ومعظمهم عرف ان طريق الحق يتمثل بإتباع منهج أهل البيت عليهم السلام كمنهج للسلوك وطريق للحياة فاعتنقوه، وترضع الأمهات الشبكيات ولاء أهل البيت عليهم السلام لأبنائهن مع أول ثدي لصغارهن ويهدهدنهم ببكائيات زينبية شيقة فينام الصغير الشبكي على حب أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، ومن اجل هذا الولاء تحمل الشبك مآسي أغلق التاريخ دونها سجلاته وبقيت طي الكتمان وربما لا يعرف عن حجم مظلوميتهم احد سواهم فأصبحت المظلومية الدائمة جزءا من الموروث الشعبي لهذا المكون، ومعها ورثوا الصبر الذي اكتسب طابعا تراجيديا نظر إليه الآخرين على انه كتمان ، وهو ما أسبغ عليهم هالة من القداسة قلما يكتسبها شعب ، فاتهموا لقداستهم تلك بالباطنية وهم من الباطنية بعاد. ونعتقد أننا في مقاربتنا هذه لا نسعى لبحث انثر بولوجي عن هذه الجماعة بقدر ما نسعى لإضمامة صغيرة تنير بعضا من ديجور الظلام الذي أحيط بها إما عمدا أو إهمالا أو تقصيرا من أبنائها ، وربما كانوا عامدين حقا لأنهم هكذا جبلوا .ليس هناك سوى نزر يسير من المعلومات عن تلك الجيوب الصغيرة من المجاميع العرقية المتباينة والمنتشرة على حوافي كوردستان العراق والممتدة من منطقتي تلعفر والموصل مروراً بكركوك إلى خانقين وما حولها ، والوصول إلى الأعداد الحقيقية للشبك الموزعون على حوالي ستون قرية متفرقة إلى جانب بضعة آلاف يسكنون مدينة الموصل نفسها في الوقت الحاضر و لغياب أي إحصاء حديث موثّق عنهم ، أمر صعب، ولعل رقم مائة ألف نسمة يقترب من الصحة ، وقد أوردت الحكومة أعدادهم ضمن الإحصاء السكاني لعام 1960 فبلغت بهم خمسة عشر ألف نسمة ضمن خمسة وثلاثون قرية ، على أن الانكليز أوردوا سنة 1925رقماً يقارب العشرة آلاف نسمة (1).. وقد لوحظ تقليدياً ان الشبك استوطنوا قرى صغيرة شرق الموصل ، تمتد حتى أسكي كلك على الضفة الغربية لنهر الزاب الكبير ، وقد جاوروا بشكل مباشر قرى مسيحية وأخرى تقطنها قبائل الباجلان واختلطوا مع الباجلان اختلاطاً مباشراً بحيث سكنوا قرى مشتركة في كثير من الأحيان وكذلك جاوروا التركمان والعرب والى الشمال قليلاً الأيزيدية كذلك .
وقد شاب اغلب الدراسات السكانية الحديثة عن الشبك بعض الإبهام والغموض ، فأحد الباحثين الأجانب ( ريج) قد ذكر ان سكان القرى الواقعة على طريق اربيل ـ الموصل والتي مر بها هم روزبيان وباجلان ذوي الأصل الكوردي ، وان كانت هاتين العشيرتين وثيقتي الصلة بالشبك ، ولكنه لم يذكر أي شيء عن لهجتهم المحلية أو معتقداتهم الدينية ، وذكر باحث آخر هو أوستن هنري ليارد والذي أمضى فترة طويلة في تنقيبات في منطقة الشبك أنهم ينحدرون من سلالات كوردية عاشت في إيران ، وقد تمكن باحث آخر من إحصاء خمسمائة عائلة شبكية ضمن القبائل القاطنة في أرجاء الإمبراطورية العثمانية ، وذكر ان منهم من التزم المذهب الشيعي في العبادة ، بينما اعتنق آخرون المذهب السني ، وذهب آخرون لاعتناق الديانة البابية، وكذلك قسم منهم أسمى لنفسه نبياً جديداً هو ألبير ، ولكن ألبير في الحقيقة هو لقب لأعلى مرجع ديني لديهم، وفي جميع الأحوال اعتبر جميع هؤلاء الباحثين الشبك وجيرانهم الأقربون الباجلان ، اعتبروهم كورد بالأصل .وهذه التجمعات العرقية كالشبك والباجلان والصارلية والكاكآئية وأهل الحق وكذلك الأيزيدية تشترك في صفة دينية خاصة تتصف بها جميعا، وهي تفاوت المراتب بين رجال الدين للطائفة الواحدة ، وهذا التخصص الديني الذي يمّيز رجال الدين عن سواهم يعتبر العامل الأساس للترابط القائم للإفراد ضمن كل مجموعة من هذه المجاميع ، وبهذا الشكل يظهر التشابه بين هذه المجموعات وبين الطائفة المعروفة بالصوفية على الرغم من ان معتقداتهم وطرائق ممارساتهم للشعائر الدينية تعتبر مزيجاً من معتنقات الإسلام ومعتقدات ما قبل الإسلام ، وما عدا الأيزيدية الذين يتكلمون اللهجة الكرمانجية أو البحدينانية الكوردية فان كل مجموعة من هذه المجاميع تتميز بلهجتها المحلية الخاصة بها وأغلبها يتحدث بلهجة ترتبط بشكل أو آخر باللهجتين الكَورانية أو الهورمانية أو لهجة ماجو ( بتضخيم الجيم ) كما هو الحال بالنسبة للشبك وكما يسميها أصحابها والناطقين بها وعلى الرغم من ذلك فأن التباين في المعتـقدات الدينية واللهجات المحلية من جهة وعلاقة هذه التجمعات ببعضها جهة أخرى لم يثر الاهتمام الذي يستحق لدى اغلب الباحثين.خلفية تاريخية :ان الكثير من الغموض لا زال يحيط بتاريخ الشبك ، ولعل السبب في ذلك هو نشوؤهم أصلا في مناطق خارج المراكز الرئيسية للعالم الإسلامي ، وقد حاول الكثير من الباحثين ربط أصول الشبك وغيرهم من التجمعات العرقية الصغيرة في شرق تركيا الحالية وشمال العراق وغرب إيران بعصور ما قبل الإسلام ، ولكن ظهورهم كمجموعات عرقيّة متميّزة يجب ان ينظر إليه على خلفية الفترات المضطربة بين غزو المغول وتوطّد الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر الميلاديين ، وهذه الفترات تميزت بغياب الاستقرار السياسي وسرعة تعاقب السلالات الحاكمة والفراغ النسبي للقوة في أرجاء عديدة من مناطق النفوذ ، ولذلك وعلى المستوى المحلّي فقد ظهرتْ مجاميع بشرية اتصّفت بتمايز عرقي وديني ولغوي ، وهذه الظروف هيأت المناخ الخصب لظهور أشكال لتنظيمات اجتماعية جديدة وتفتح معتقدات دينية مختلفة . ولقد كانت القبائل التركية التي ابتدأت الدخول إلى المنطقة في القرن العاشر الميلادي سنيّة المذهب ومشبعة بروح الجهاد ، على الرغم من كون معتقداتها الدينية الحقيقية هي عبارة عن خليط من مبادئ الإسلام وشعائر سكان آسيا الوسطى مع نفحات من الديانة المسيحية ، ولقد كان هناك اختلاط تام بين هذه القبائل وبين فلاحي الأناضول المسيحيين ، إلا ان الأخيرين سارعوا إلى الانخراط تحت مظلّة المعتقدات الإسلامية لهذه القبائل ، وقد وجد باحثون عديد ان كثيراً من المعتقدات المسيحية لفلاحي الأناضول قد تسربت إلى معتقدات هؤلاء الغزاة، والكثير منها يعود بأصله إلى المذهب البولصي وليس إلى الكنيسة البيزنطية في ذلك العصر ، والكثير من هذه المعتقدات لا تزال تجد صدى لها في شعائر بعض الطرق الصوفية وكذلك الشبك والكاكآئية وهناك باحثون آخرون يرون التوازي بين ديانة أهل الحق والمتصوفة الأتراك من جهة وديانات ما قبل الإسلام لدى أتراك آسيا الوسطى من جهة أخرى .وفي الأرياف دون الحضارة ، كان المتصوفة من مراتب القلندر والباب يمنّون المزارعون البسطاء بقرب نهاية الظلم وبزوغ فجر الخلاص ، وكان يسحرون متحدثيهم ببيان الفروقات بين الإسلام التصوفي وما سواه بين المعتقدات الدينية الأخرى ، وبذلك ساهموا في نشر معتقدات لا يصح ان تمسى إسلاما صحيحاً كالتناسخ والحلول ، وعلى الرغم من كون الأساس المذهبي للصوفية ظهرت تباشيره في القرن التاسع الميلادي ، إلا ان انتشاره الواسع لم يتحقق كتنظيم اجتماعي إلا في القرن الثاني عشر الميلادي خلال حكم السلاجقة وخاصة أثناء الغزو المغولي للبلاد الإسلامية ، ولعل النمو الواسع وتزايد الهيبة الواضح لهذه الطرق (الطريقة النقشبندية على سبيل المثال ) يُعزى في احد جوانبه إلى فراغ القوة الذي نجم عن صهر الإمارات الكوردية في الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر، وفي هذا المجال يُشار إلى ظهور أهل الحق كحركة اجتماعية دعتْ إلى معتقدات كالثنوية والتسامي والقدرية خلال القرنيين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين حيث يمكن مقارنتهم بالحركات الإيرانية السابقة لهم كالمزدكية .وقد ظهرت طريقة صوفية جديدة برئاسة الشيخ صفي الدين في آردبيل ، وتطوّرت إلى حركة جهادية خلال القرن الخامس عشر ، ثم انطلق أحفاد الشيخ صفي الدين ومريديه لتأسيس الإمبراطورية الصفوية في بلاد فارس معلنين أنفسهم من ذريته الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، كي يكسبوا ولاء القاطنين في بلاد شرق الأناضول ، واستمالوا إلى جانبهم القبائل التركية المجاورة والذين حارب أفرادها وهم معلّمين أنفسهم بشد رباط أحمر حول الرأس ولذلك أطلقت عليهم تسمية قزل باش ومعناها في التركية " الرؤوس الحمراء " (ربما يرتبط بمفهوم الشهادة والولاء للإمام الحسين عليه السلام ، ويلاحظ ان غطاء الرأس لدى رجال الدين الأقل درجة والذين يخدمون المراقد المقدسة الشيعية توارثا ويستلمون النذور لقاء خدمتهم هذه مازال عبارة عن فينة حمراء ملفوف عليها شريط اخضر كان لابسها من السادة وشريط موشى بالصفرة إذا كان من العوام، وهو أمر يمكن ملاحظته في مصر التي ساد فيها الفاطميون وانشئوا خلافة فيها و بنوا الأزهر الشريف الذي وان كان سنيا لكنه مازال يعمل بتقاليد الفاطميين ومنها العمة الحمراء)، وخلال قرون عديدة نمت الطرق الصوفية وتداخلت مع طوائف شيعية وسنية عديدة ، واعتباراً من القرن السادس عشر ابتدأ الحكام العثمانيون والصفويون إضفاء المذهب الديني على سكان المناطق التي يحكموها ، وقد تعرض الآلاف من المتصوفة لمذابح على يد السلطان سليم العثماني بعد معركة قالدريان مما اضطر أفراد الطائفة القزلباشية إلى التواري عن الأنظار و إخفاء معتقداتهم الدينية الحقيقية أو الانضواء تحت لواء السلطة العثمانية الحاكمة واعتنقوا المذهب السني البكتاشي للنجاة بأنفسهم من عقاب الحاكم .. وفي معظم الأحوال فان الطرق الصوفية لم تتلاشى تماماً ، لأن بعضهم انخرط ضمن مقاتلي السلطنة العثمانية وكانوا وسيلةً لإذكاء الهمم بين الجنود الانكشارية ( وهم النخبة ضمن المقاتلين الأتراك ) من خلال إنشادهم المدائح النبوية واستعمالهم الدفوف لمرافقة الإنشاد، وبذلك استمرتْ الطريقة البكتاشية بل نمتْ أكثر فأكثر حتى القرن التاسع عشر ، وسرى ذلك على مجاميع أخرى استطاعت ان تحصل لها على وضع متمّيز نوعاً ما ضمن الإمبراطورية العثمانية، ويشار في هذا الصدد إلى الباجلان الذين قدموا إلى مدينة الموصل أواسط القرن الثامن عشر وانتظموا للعمل كجباة ضرائب للسلطة المحلية الحاكمة، ولعل ذلك يفسّر أيضاً استطاعة الشبك تجنّب المشاكل مع السلطة المحلية والتمكن من الاستقرار في شرق مدينة الموصل ، وهي ليست بمعزل عن مراكز الاستقرار المدني في الإمبراطورية العثمانية (1).ولكن هل يعني ذلك ان الشبك تمكنّوا من فرز أنفسهم كمجموعة عرقية متميزة ؟ الإجابة على هذا السؤال لا تكمن في التبسيط المخل الذي يربط الخليط من معتقداتهم الدينية بكونهم من غلاة الشيعة ، بل يتعداه إلى مشاعر الأسى و الإتعزال التي تخالج الكثيرين منهم من محاولات جيرانهم التشكيك بمعتقداتهم الإسلامية حتى الوقت الحاضر، وغلو آخرين في محاولة إخراجهم من حظيرة الإسلام ، ولعل ذلك ما دفعهم إلى تصوّر أنفسهم بمعزل عن جيرانهم العرب والكورد ومع ذلك فالكثير منهم يعتبرون أنفسهم ذوو أصول كوردية ، وزد على ذلك ان بعضاً منهم انخرطوا بالفعل في الكثير من الحركات الكوردية الناشطة، وقد لا يحس الفرد منهم بأية مشاعر متناقضة بين كونه يتميز لغوياً ودينياً وبين انحداره من أصل كوردي بالمفهوم العام ، وعموماً فالولاء يكتنف الشبكي بمستوياته المختلفة وبنفس الدرجة منطلقاً من ولائه الشبكي مروراً بالولاء للقومية الكوردية وانتهاء بالولاء للعراق كوطن . ومع ذلك يمكن القول بان وضع الشبك ظلّ مبهماً ضمن فسيفساء المنطقة، ولكن وضمن سياق معيّن، و في الثمانينيات أجبر سكان المناطق الشمالية في العراق المتاخمة لكوردستان على إتباع خيار واحد واضح وصريح فيما يتعلق بتحديد قوميتهم ، وكان هذا الخيار الأوحد هو إعلانهم أما الانتساب للعرب أو للكورد وسيظهر لاحقاً التأثير الدامي الذي خلفه هذا الخيار عليهم .وفي حال كهذا ، فان من المبالغة القول بأن مجموعة من البشر تظهر ضمن نطاق يختلف عنها وبالظروف التي ظهرت بها يمكن اعتبارها مجموعة عرقية متميزة ، ولا يصح كذلك تسميتها بالمذهب ، لأن ذلك قد يسبغ عليها غطاءاً دينياً وذلك مجافٍ للحقيقة ، ولعل أفضل ما يمكن وصفها به هو مصطلح الطائفة ، وقد تكون منحدرة من عرق واحد أو أعراق متعددة وذلك اعتماداً على التمايز اللغوي وليس اختلاف المعتمد الديني .مباحث عربية في أصول الشبك/أما الدراسات العربية ، فقد نحتْ في أغلب الأحيان إلى رد أصول الشبك للتركمان ، وأورد السيد أحمد الصراف على سبيل المثال الوجود الشبكي على خلفية الطريقة البكتاشية ـ القزلباشية ،وحاول دعم الرؤية القائلة بان قدومهم إلى شمال العراق توافق مع الحملة الصفوية على العراق ، ولم يعتبر ان الشبك ينحدرون عن أصول كوردية ، لأنهم حسب رأيه يتكلمون لغة أخرى تختلف عن اللغة الكوردية وتعتبر مزيجاً من اللغات الفارسية والعربية و الكوردية ، وان المفردات التركية هي الغالبة عليها .ويرى احد الباحثين ان أصولهم تركية ، وقد نشئوا في بلاد الأناضول ثم التصقوا فيما بعد بالشاه إسماعيل ألصفوي ، واستقروا في منطقة الموصل بعد هزيمة الشاه من قبل العثمانيين في معركة قالديران ، واستدل على ذلك بأن كتابهم المقدّس والذي يسمى البيروق أو كتاب المناقب مكتوب باللغة التركية ، إضافة لوشائجهم المذهبية مع الطريقة البكتاشية والطرق الصوفية الأخرى ، ويبقى الاستدلال بكتاب البيرق تبسيطاً للأمر لا يستقيم معه دليل قوي ، لأن المفردات الشبكية في الكلام تتوافق اغلب الأمر مع اللهجتين الكَورانية و الهورمانية الكورديتين ، وكذلك يعوز الدليل عن قيام أية اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين الشبك والطريقة البكتاشية (1).ومن غير الواضح على وجه اليقين متى ظهر الشبك كمجموعة عرقية متميّزة ، وما هي خلفية أعراقهم،وكذلك لا يزال الإبهام يلف العلاقة بين الشبك والباجلان ( والذين يُسمون أحيانا البيجوان ) الساكنين في وادي نهر الخوصر شمال الموصل ، وقد ميز الباحث سايكس سنة 1908 بين هاتين المجموعتين ، واستطاع ان يحصي ثمانمائة عائلة للبيجوانية تتكلم جميعها خليط من اللغتين العربية و الكوردية، أما الباحث مكنزي سنة 1958 فيرى ان اسمي الشبك والبيجوان أو الباجلان هما صنوان لمجموعة عرقية واحدة تسمى نفسها الشبك ويسميها جيرانها العرب بيجوان ، ومما لاشك فيه ان المجموعتين جد متقاربتين ولكن هناك ما يدعو للفصل بينهما ، ففي حين ان لهجة الباجلان قريبة جداً من لهجة الشبك ، فان الباجلان انتظموا في عشائر معروفة بخلاف الشبك ، واتبعوا المذهب السني بعكس الشبك الذين انتظم اغلبهم في إتباع المذهب الشيعي الاثني عشري ، ولذلك ثمة ما يدعو للاعتقاد ان الباجلان هم منظومة قبليّة ضمن المجتمع الشبكي ، ولعل أكثر ما يدل على الأصول المتعددة التي انحدر الشبك عنها هو تسميتهم هذه والتي تعني بالعربية الاختلاط ،وتعني كذلك احتمال انحدارهم من أكثر من مجموعة عرقية ضمن الأعراق المتعددة في المنطقة ، ولكن الأمر لا يبدو كذلك للقوميين العرب أو الكورد أو التركمان حيث يحاول كلاً منهم ربط أصول الشبك بقومية واحدة وعرق مفرد كأن يكونوا باجمعهم عرباً أو كورداً أو تركماناً أو فرساً .وعلى الرغم من ان المعتقدات الدينية للشبك هي مما يمكن مقارنته بسواها من المعتقدات الدينية لطوائف عدة وخاصة الطريقة القزلباشية ، إلا ان الحقيقة ليست بهذه السهولة ، وقد حاول الباحث بنفسه الحديث إلى من قابلهم من الشبك وكانوا جميعاً عازفون عن الخوض في تفاصيل معتقدهم الديني ، وكانوا يكتفون بالإجابة بأنهم مسلمون وحسب ، ومع ذلك يبدو ان تنظيمهم الاجتماعي يقترب من مراتب الطرق الصوفية حيث يسمى رجل الدين الناشئ " المريد " وهو يرتبط روحياً بشخص أعلى منه مرتبة يمسى "المرشد " وهنالك عدة مراتب للمرشدين وهم جميعاً يرتبطون بمرجع أعلى يسمى " ألبير " ومن الناحية النظرية يحق للأفراد تزكية احدهم واختياره لمنصب ألبير ، ولكن عمليا تم توارث هذا المنصب بين عوائل معينة على مدى عقود من الزمن ،وبذلك تمكن نوع من التماسك للنسيج الاجتماعي في مجتمع يعتمد أصلا على مقومات الترابط المتين سواء على أساس قبلي أو مذهبي أو عرقي ، ومن خلال الخلفية القزلباشية للشبك يُلاحظ مدى تعلّقهم وتقديرهم للشاه ألصفوي إسماعيل وذكر باحثون آخرون ان الكثير من الشبك كانوا يحجون إلى العتبات الشيعية المقدسة في كربلاء والنجف وليس إلى مكة.مع ان هذا غير صحيح إطلاقا ، فلم يستبدل الشبك الحج إلى مكة المكرمة بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وكما هو معروف فهناك شبك يتبعون المذهب السني وهؤلاء لا بديل لهم عن مكة للحج وحتى الشبك أتباع المذهب الشيعية الاثني عشري فهم يحجون إلى مكة المكرمة ويتبركون كذلك بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف لا يختلفون في ذلك عن جميع الشيعة أو السنة في العراق .علاقات الشبك مع مجاوريهم/وقد أقام الشبك علاقات حسنة مع الأيزيدية ، ويقال ان منهم من يزور مراقدهم ، وهذا يبدد الانطباع السائد ان الأيزيدية هم سنة غلاة وورثوا العداء لكل ما هو شيعي . ان احتفاظ الشبك بعلاقات طيبة مع الأيزيدية كما مع بقية جيرانهم لا يعني أنهم اتخذوا من المزارات المقدّسة الأيزيدية مزارات لهم ،وليس هناك ما يدل على قيام الشبك بزيارتها ، لكنهم يحترمون الآخرين انطلاقا من علاقات الجيرة مما يفرض على الجميع احترام معتقدات بعضهم البعض ، ناهيك عن ان حدود المعتقد الشعبي أوسع من حدود المعتقد الديني ،ومن ناحية فليس للديانة الأيزيدية علاقة بالمذهب الشيعي أو المذهب السني وقد اعتقد بعض العامة عداء الأيزيدية للشيعة مع احد التفاسير الواردة عن تسميتهم كونهم من أتباع يزيد بن معاوية الأموي وهذا الأمر اختلف فيه الباحثون كثيرا(2).وارتبط الشبك في شؤونهم اليومية بمرجعين آخرين ، ففي العراق الملكي عمل أكثر الشبك في قراهم كمزارعين جيدين يزرعون الحنطة لأراضي يملكها أبناء عوائل في مدينة الموصل ارتبط بهم لقب السادة وهو لقب يضفي على صاحبه مسحة دينية ، وهؤلاء الملاك أتي بهم أيام السلطنة العثمانية من الحجاز والكوفة ومنحت لهم الأراضي ليقوموا بالمقابل على خدمة السلطة، و أصبح هؤلاء الملاّك بحكم موقعهم واحتكاكهم اليومي بالشبك من ناحية ، وأفراد الحكم العثماني في الموصل من ناحية أخرى ، الوسيط الذي يساعد الشبك في تسويق منتجاتهم الزراعية في مدينة الموصل ، وكذلك ففي النزاعات التي قد تحصل بين الشبك وبين أركان الحكم في الموصل بين الحين والآخر، و بالإضافة لهذه المرجعية المدينية ( نسبة إلى مدينة الموصل ) فقد تولدّت مرجعية أخرى للشبك ،هي من بعض مواطني الشبك أنفسهم والذين استطاعوا ان يرتقوا اجتماعياً إما بامتلاك الثروات أو باستكمال مراحل عالية من التعليم والانخراط في وظائف مدنيّة أو عسكرية مرموقة .. هؤلاء استوطنوا مدينة الموصل نفسها وتأثروا بالتيار العروبي السائد فيها وحاولوا لعب دور السادة في حل النزاعات بين الشبك وأنفسهم وبين الشبك وجيرانهم . إلا ان تأثيرهم وتنظيمهم كان أقل درجة من الملاّك السادة .وحين هبت رياح التغيير على العراق وصدور قوانين الإصلاح الزراعي بين عالي 1958 و 1963 ، استطاع الكثير من الشبك ان يتملكوا الأراضي التي كانوا يزرعونها وانتقل بعضهم للاستقرار في مدينة الموصل ، وعمل آخرون في مصانعها وبسبب هذه الدرجة من التحرر الاقتصادي ضعفت الروابط التقليدية بين الشبك وملاّك الأراضي في مدينة الموصل من جهة ، وبين الشبك كمجتمع متجانس ومتكاثف من جهة أخرى ، ومع ذلك ظلّ الكثير من الشبك يعتمدون على سادة الموصل في تسويق منتجاتهم الزراعية ومواشيهم الحيوانية وخاصة الأغنام التي برعوا في تربيتها . وبشكل عام اخذ النسيج الاجتماعي للشبك يتهاوى نتيجة انتقال الكثير منهم للسكن في مدينة الموصل ومدن المناطق الكوردية وحتى العاصمة بغداد وانخرط الكثير منهم ضمن القوات العراقية المسلحة مما اكسبهم رقياً اجتماعيا وبدّد بعض الشيء السمعة التقليدية التي أشيعت عنهم كونهم ضعاف الهمّة وقليلي التمرّس في القتال .بعض من مظلومية الشبك/
ونتيجة لكل التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي هبّت على العراق الجمهوري ، فقد انهار نظام المرجعيات لدى الشبك ، وتداخل نسيجهم الاجتماعي مع محيطهم الجديد ،وخمدتْ لديهم جذوة المرجعية الدينية والاعتماد على المراتب المختلفة من رجال الدين ، ومنذ السبعينيات وجد الشبك أنفسهم حجر الرحى في النزاع بين القوميين العرب ممثلين بحكومة البعث وبين الحركة الكردية بزعامة البارزاني ، ولكنهم لم ينحازوا بشكل جماعي لأي من الطرفيين ، وقد حاولت الحكومة العراقية إقناعهم بأنهم عرباً وليسوا كوردا ،ولكن في نهاية المطاف تولدّت القناعة لدى الحكومة بان مسعاها لضم الشبك لم يكلّل بالنجاح ، وفي نهاية صيف 1988 أمرت بتفريغ قرى الشبك من سكانها وهدم منازلهم وترحيلهم وكان السبب الحقيقي لذلك هو إعلان الشبك أنهم كوردا وليسوا عربا ، وهنالك ما يشير إلى ان اثنتان وعشرون قرية على الأقل قد تم تدميرها جزئياً أو كليا مثل قرى بادرينا ، با جربوعة ، بارزيكتا ، باصخرا ، بازوايا ، كوكجلي ، كاني كيروان ، كاركشان ، كبرلين منارة ، مفتية ، تيراوه ، شيخ أمير شيخ شيلي ، شاقولي ، تركلّة ، طوب زيره ، طوب زاده ، خزنة ، أورطه خران وزهرة خاتون ، ومن هذه القرى تم ترحيل ثلاثة آلاف عائلة إلى مجمعات سكنية حديثة المنشأ في سهل حرير بمحافظة اربيل ، وكذلك إلى منطقة بازيان ومنطقة جمجمال التابعة لمدينة كركوك ، وفي هذه التجمعات لم تتوفر لديهم مصادر للدخل واعتمدوا كليّا على معونات الإدارة المحلية ، ولم يستلموا أية تعويضات عن منازلهم المصادرة أو المهدمّة ، ولم يُسمح لهم بالعودة أو حتى شراء السيارات وتسجيلها بأسمائهم ، ولكن في خريف سنة 1990 سُمح لأغلبهم بالعودة إلى أماكن سكناهم الأصلية بعد ان أعلن بعض زعمائهم أنهم عرب وليسوا كوردا ،ولعل السبب الحقيقي الذي دعا الحكومة العراقية إلى السماح بعودتهم مرة أخرى ، هوان العراق واجه في تلك المرحلة العقوبات الاقتصادية التي أعقبت عملية اجتياحه للكويت في آب 1990 واحتياج الحكومة لتنشيط ودعم القطاعين الزراعي والحيواني في المنطقة والذي انكمش إلى حد كبير في السنوات السابقة . والأساس الإداري الذي تم الاستناد إليه في ترحيل الشبك من قراهم بعد إعلانهم الكوردية بدل العربية قومية لهم ، هو الإحصاء السكاني الذي أجرته الحكومة العراقية في شهر تشرين الأول سنة 1987 ، وفي هذا الإحصاء خُيّر مواطني العراق كافة تحديد قوميتهم بالعربية أو الكوردية فقط دون السماح بخيارات أخرى تعتمد على الأسس الدينية أو اللغوية ، وبذلك لم يأت أي ذكر لمجاميع عديدة أخرى كالتركمان والآشوريون وسواهم . وبهذه الطريقة حاول الإحصاء المذكور إجبار سكان الشمال العراقي المتاخمة لكوردستان العراق على الالتحام بالمناطق العربية ،من خلال تصويتهم على كونهم عرباً ، أو في حالة الكورد القاطنين في مناطق تتسلل إليها المعارضة الكوردية ( البيشمركة) للانتقال إلى مجمعات سكنية تحت سلطة الحكومة المركزية، والكثيرين من الذين اعتبرتهم الحكومة عرباً واعتبروا هم أنفسهم كورداً كان عليهم ان يتركوا قراهم والذين عاشوا في مناطق تجتاحها المعارضة الكوردية بين الحين والآخر وفشلوا في تسجيل أنفسهم خلال الإحصاء فقدوا جنسيتهم العراقية وتم اعتبارهم متخلفين عن أداء الخدمة العسكرية وكانوا هدفاً أساسيا في عملية الأنفال ذائعة الصيت .والمصدر الذي تم منه الاطلاع على ما حصل للشبك سنة 1988 يعود إلى مصنّف وثائقي صادر عن مديرية امن اربيل لفروع دوائر الأمن التابعة لها والمؤرخ في 31 آب 1988 وقد صودر خلال أحداث ربيع 1991 والوثيقة التي تحمل الرقم الاشاري س. ج. س. س 13069 تقرأ كما يلي :تم إعلامنا بما يأتي :1 . هناك عناصر من الشبك الذين التحقوا بأفواج الدفاع الوطني والذين غيرّوا قوميتهم من العربية إلى الكوردية .2 . أمر الرفيق المناضل علي حسن المجيد أمين سر مكتب تنظيم الشمال تدمير منازلهم وترحيلهم الى المجمعات السكنية في محافظتنا وقطعا سوف لن يتم تعويضهم بأي شكل من الأشكال .للتفضل بالاطلاع واتخاذ ما يلزم وإعلامنا
توقيع: عقيد الأمنمدير امن محافظة اربيل
هذه الوثيقة توضح بما لا يدع مجالاً لأي شك بان إحصاء سنة 1987 هو الذي حدّد مصير أولئك الشبك الذين اختاروا ان يكونوا كوردا بدل ان يكونوا عرباً ، ولعل سبب تأخير الترحيل في حينه يعود إلى حقيقة ان الجيش العراقي كان مشغولاً آنذاك بدرجة كبيرة بالحرب ضد إيران ، وبعد وقف إطلاق النار بين العراق وإيران ، تحول الفيلق الخامس إلى مدينة الموصل لإكمال المراحل النهائية من عملية الأنفال في منطقة بحدينان ، وشملت مهام هذه القوات عملية ترحيل الشبك من مدينة الموصل ، ولم يرافق هذه الحملة إعدامات أو اعتقالات في صفوف الشبك وان ادعى بعضهم ان قوات الفيلق الخامس ظلّت في أماكنها لإرهاب الشبك العائدون .ولم يكن ترحيل الشبك جزءاً أو امتداداً لعملية الأنفال الحقيقية وإنما كان المرحلة النهائية في برنامج تعريب كامل للمنطقة الشمالية والذي تبنّته الحكومة العراقية منذ سنة 1975 .وفي جميع الأحوال ، فقد حصل ما حصل على خلفية الإحصاء السكاني المذكور والذي كان كذلك الأساس لإطلاق عملية الأنفال ورسالة مديرية امن اربيل تؤكد ان المسؤولية المطلقة تقع على عاتق نفس الشخص الذي نظّم عملية الأنفال علي حسن المجيد والذي كان يشغل آنذاك منصب أمين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث .ومن هنا نلاحظ ان خيار المرجعية العرقية ( القومية ) ترك آثاره الدامية على الشبك ، وبعد حرمانهم من تعريف أنفسهم كتجمع قائم بذاته ، تُركوا بناء خيار إثبات ولائهم للسلطة المركزية بإعلان أنفسهم عرباً أو تسجيل أنفسهم كورداً وتعريضهم بالتالي لعقوبات الحكومة القاسية .ومن المستحيل قياس مدى التأثير الذي تركته عملية الترحيل على هويتهم العرقية المتآكلة أصلا واقل ما يقال انه ضاعف من محو وطمس معالم هذه الهوية .وفي الوقت الحاضر يجد الشبك القاطنون في شمال العراق غير الخاضع للسلطة المركزية أنفسهم كوردا أكثر من ذي قبل وقد تساءل بعضهم عن أحقية ترحيلهم من قبل السلطة المركزية إذا كانت تعتقد أصلا أنهم عرباً ولسوا كوردا.وفي نهاية المطاف نجدان روابطهم المشتركة مع بعضهم قد ضَعفتْ وتفككت ولا يزال اغلبهم موزعاً على مدينة الموصل وضواحيها ولا زالت عملية شدّهم إلى صف الحكومة جارية إلا ان المعلومات عنهم قليلة ونادرة في الوقت الحاضر بسبب التكتم الإعلامي حولهم من قبل الحكومات المركزية0****عودة الى التاريخ/وبمكن القول ان الشبك قوم من الأقوام الآرية التي تسكن شمال خط (36ْ) وشرق خط طول (43ْ) بشرق محافظة نينوى (الموصل) من جمهورية العراق ،ولقد تعرض الشبك إلى التشويه والتشكيك بأصلهم وديانتهم الإسلامية فيما كتب كتاب عرب وكورد وتركمان وغربيون ومستشرقون بمهنية وعلمية،وهم أهل عزة وشرف ان البنت التي تقع في حب احد الرجال من الشبك وعلم بها الآخرون كانت تبقى في دار أهلها إلى الموت ولم يتزوجها احد من الشبك ، و يوجد في أكثر قرى الشبك مسجد وقسم منها ثلاثة أو أربعة مساجد كقرية (بازوايا 00و في الربيع حيث تكثر الزوابع الرعدية وحين يسمع ويشاهد الأولاد صوت الرعد والبرق ينادون بكلمات ( جاجان علي جان) سمعوها من آبائهم وأجدادهم لا يعرفون معناها سوى أنها تعني حب الإمام علي بن أبي طالب (ع) ويذكر بان سيف علي (ع) في فتح حصن خيبر في صدر الإسلام كان حين يتقاطع مع سيوف الأعداء من اليهود داخل الحصن كالبرق وصوته يدوي كالرعد فيذكر الناس والمسلمون حين الرعد والبرق فتح خيبر وما عمله سيف علي بن أبي طالب(ع)باليهود في خيبر.ويتردد اسم الشبك كثيراً بتصنيف قومي عراقي مرة وأخرى تركي أو فارسي(3). و بعض المؤلفات التاريخية الإسلامية ولا سيما عند فتح الموصل بصدر الإسلام عام 16 هـ بخلافة عمر بن الخطاب حين أرسل القائد الإسلامي بتحرير المدينة ذات الحصنين الحصن الشرقي (نينوى) والحصن الغربي (الموصل) فدخل الحصن الشرقي وصالح الحصن الغربي القائد (ربعي بن الافكل) وثم فتح (باعذرا) الواقعة قرب جبل عين العفرة ( تلعفر) والآن شبه مهجورة وحبتون و(داسن) هنا نقف عند كلمة داسن لان هذه الكلمة تلفظ فقط عند الشبك على اليزدية فالعرب يقولون لليزيدية (يزيدي) والكورد يقولون (ايزيدي) والفرس يقولون (ايزيديانة) والشبك يقولون (داسن) فهذا يعني ان الشبك موجودون قبل عام 16 هجرية (4).
ويذكر احد مؤرخين الكورد انه يوجد في لواء الموصل طائفة أخرى تذكر بأسماء شاري وباجوان والشاباك ويؤيد هذا التقرير عصبة الأمم الذي ينص في ص 60 أن (لغتهم شبه كوردية ولكنها خليطة ولها حالة خاصة) أي غير عربية او فارسية او كوردية او تركية ويؤيد هذا من الغربيين (ستيفن همسلي لونكريك) احد ضباط الحملة البريطانية على العراق في الحرب العالمية الأولى في كتابة ( أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث). وكذلك كتب قائلاً الشبك طائفة إسلامية تقطن الموصل ولها صلة بجيرانهم الايزيدية وهم يحضرون اجتماعات هؤلاء ويزورون مزاراتهم (5) .نقص المعلومة يقود الى التجني/وتجنى على الشبك ونتيجة لعدم الإحاطة العلمية او لنقص المعلومة او ربما لدوافع تتعلق بمجاورة الشبك لجيران من المسيحيين الكلدان الأب ماري انستاس الكرملي000 وهو قد تعود العديد من الأحكام الخاطئة له فله يعود فضل تعميم مفردة عبادة (Devil) عبدة الشيطان التي أطلقها العثمانيون على الايزيدية وتداولها في البحوث والدراسات وله كتب متعددة حول المذاهب الإسلامية العراقية منها الصوفية والشيعة أطلق تسمية أديان كقوله في مقالة الشبك المنشورة في مجلة المقتطف المصرية ص 59 لسنة 1921 دياناتهم مجهولة ولعلهم ايضاً يجهلونها وكذلك جعل عنوان مقالة حول الصارلية والباجوان والشبك المنشور في مجلة الشرق اللبنانية ص 5 لسنة 1902 بعنوان (تفكرة الأذهان في تعريف ثلاثة أديان) وهذه الكتابات ما تزال في متناول الباحثين ومعتمدة أن شهرة الكر ملي تستر كثيراً من عيوب أحكامه وكذلك الدراسات الغربية التي اعتمدت على المعلومات والأحكام أصبحت هي الأخرى من المصادر الرئيسية في المعلومات الأكاديمية الحديثة التي تناولت الشبك كياناً عرقياً مستقلاً ومن هذه الدراسات Merino Gapdova بعنوان shabak The case of المنشور في مجلة American Ethnologist عام 1974 (6). وتذهب بعض المصادر التاريخية التي تتحدث عن تاريخ التركمان في كركوك و تلعفر و الموصل معتبرة بان الشبك هم جزء من تركمان العراق مستنداً على العقائد الدينية المشتركة المذكورة عند عباس العزاوي ومصطفى جواد لكنه مقدمة قاعدة لغوية بان التركمان والشبك من أصل لغوي واحد وتقول هذه القاعدة ان التركمان هم الذين يتكلمون التركية القريبة من الاذرية ، والشبك يتكلمون اللغة التركية البعيدة عن اللغة الاذرية (7).ومن المعلومات التاريخية الشائعة ان جماعة كبيرة من العرق الأبيض كانت تسكن نواحي الأرمن شمال بحر الحزر، على اختلاف بين المؤرخين في تحديد موضعها بدقة. افترقت الى فرقتين منذ زمن يتقدم على ميلاد السيد المسيح (ع) بأكثر من ألف عام فاتجهت أحداهما غرباً فانتشرت في أوربا واتجهت الأخرى شرقاً فانقسمت بدورها قسمين نزل احدهما في الهند ونزلت الأخرى فيما يسمى (إيران) سميت الجماعة في انقسامها الأول بالقبائل الهندية الأوربية وسميت في انقسامها الثاني بالهندية الايرانية ولفترة من الزمن أطلق اسم (آري) على الجماعات الهندية الأوربية كلها ولكن تبين خلل هذه التسمية فاقتصرت على الهندية الايرانية فسميت (array) آري فالهنود المتكلمون بالسانسكريتية في شمال الهند آريون متميزون لغوياً واثنيا عن الدرافين وغيرهم في الوسط والجنوب من بلاد الهند(8).وبقدر ما يتصل الأمر بهذه الهجرة والانقسام بلغات تلك القبائل فمن الواضح: ان القبائل الهندية الأوربية كانت قبل انشطارها الأول تتكلم لغة واحدة ذات لهجات متقاربة ومتطابقة في بعض الحالات بحسب التجاور القريب والبعيد بين آحادها. وبقي من آثار هذه الوحدة اللغوية مفردات كثيرة تكاد تكون متماثلة وكلمات أخرى يشبه بها بعضها البعض الآخر في استعمالات شعوبها والمنتظر ان تكون القربى بين ألسنة شعوب الشطر الشرقي اقرب بينها اذا قيست الى قربها من ألسنة الشطر الغربي لتلك الشعوب ولكن هناك كلمات متقاربة في الشطرين كلاهما. مثل كلمة Thri وفي الشبكية (سه) وهناك مفردات كثيرة لا مجال لذكرها الآن..وان التقارب بين السانسكرتية وبين لغات الشعوب الآرية ابرز وأوضح في المراحل المبكرة لانقسام الآريين الى شعبتين وهذا التقارب محفوظ بفضل كتب (vecla) الهندية وأقسام من كتاب (avesta) أفيستا فان كلاً من القيدا وبعض فصول الافيستا الموسومة (gatha) قد حفظا أقدم صورة مكتوبة للفرع السنسكريتي والفرع الإيراني من لغة الآريين ويكاد الشبه بينهما يصل الى حد الشبه بين التوأمين. .وان الشبه بين اللغات التي تكلم بها الفرع الإيراني من الشعب الآري ظل أوضح على الزمن من الشبه بينها وبين بالسانسكريتية وبينها وبين لغات الفرع الأوربي ومن المفيد القول ان الديانة الزرادشتيه التي عمت الشعوب الإيرانية كانت هي الأخرى من عوامل بقاء الشبه والقربى أي ان تقارب أوطانها لم يكن هو العامل الحاسم. وفي دراسة سكانية ورد فيها ان الشبك ظاهرة سكانية متميزة في شمال العراق ظهرت بوضوح في القرن السادس عشر الميلادي على خلفية التنافس العثماني ألصفوي(9) ، وهي معلومات لا تتسق مع التوجه العلمي ولا يقبلها المنطق الذي يجل ان تسلكه الدراسات السكانية، وان اصدق ما كتب من الناحية العلمية هو أنهم من الأصول الآرية كما البلوش والطاجيك والفرس والكورد وغيرهم فالشبك آريون لكن ليسوا فرساً ولا كورداً البلوش الساكنين جنوب شرق إيران هم من أصل آري كما الفرس آريون فكذلك من تلك الحقائق التاريخية فالشبك آريون وليسوا كورداً كما البلوش ليسو فرسا ولغة الشبك دليل قاطع بآية الشبك بتشابه أكثر مفردات اللغة الأصلية الشبكية مع مفردات كتاب زراده شت أفيستا واقرب الى الافيستا من لغة الكورد الى الافيستا والإنسان الكوردي السوراني حين يتحدث عن كوردي من بهدينان يقول (ان فلان الكوردي) أما الإنسان الكوردي السوراني أو البهديناني حين يتحدث عن الشبك يقول ان فلان الشبكي وليس فلان الكوردي في منطقة الشبك ان الشبك ليسوا عشيرة واحدة لكن ليس فيهم بيات فالبيات في المنطقة تركمان وليسوا شبك وأما قوله ان الشبك جاءت من شبكت أصابعي بعضها ببعض فاشتبكت وشبكتها على التكثير والشبك الخلط والتداخل وهذا الكلام ضعيف ولا يؤخذ على أصول الأقوام والشعوب والأمم. فهم هكذا اسمهم كما ان البلوش بلوش والفرس فرس والأرمن أرمن وهكذا فلكل قوم تسميتهم(10). ولابد من تذكر تعريف التاريخ بأنه ليس بعلم مختبري انه علم لكنه علم نقد وتحقيق(11).أين مستقبل الشبك ؟قبل الوغول بالبحث عن إجابة لهذا السؤال لابد من استعادة أخرى لموقع الشبك من خارطة العمل الوطني، وهذه الاستعادة ستقودنا بالضرورة إلى عرض مفهوم (التشكل) فالتشكل يعني: أما إعادة بناء مكون كان قد اعتراه الوهن بفعل عوامل ذاتية أو موضوعية بعضها خارجة عن إرادة نسيجه ، أو بناء مكون جديد على أسس جديدة أو متمازجة من أسس أقدم مع أسس فرضتها معطيات استجدت لاحقا، ووفقا لمفهوم التشكل آنف الذكر فان الشبك ليسوا مكونا يطلب تشكله الآن بفعل الصيرورات الموضوعية والذاتية ، فهم أيا كانوا قوم أو أمة أو قبيلة قد قطعوا هذا الشوط مبكرا ، ومورثهم الشعبي يزخر بمعاني يعتقدون فيها أنهم ربما أوائل البشر ، وبعض معتقداتهم ترى أنهم أبناء نوح عليه السلام ،و الشبك اليوم لا يقعون في مساحة التشكل الجديد ، لكن لا بد من التسليم بأنهم مكون قد اعترى نموه الطبيعي وهن بفعل عوامل خارجية أكثر مما هي داخلية ، وكلما ازدادت تأثيرات العوامل الخارجية عليهم ازدادوا انكماشا على ذاتهم ، وهو شيْ ليس في صالح النمو الطبيعي،ومع ان هناك نقاطا مهمة في صالح إعادة تشكلهم كوجود التجمع الاستيطاني الذي لم يغادروه ، إلا ان هذه النقطة بالذات ليست في صالحهم اليوم ، فهم الآن يجاورون امة اكتملت تشكلا تقريبا وهي على وشك انجاز مستلزمات الشروع بدور خاص من خلال إكمالها مستلزمات الهوية الوطنية ، ونعني بهذه الأمة :الكورد ، فالكورد العراقيين يقتربون من مشروعهم لإنشاء دولة متكاملة ، ومضت عليهم لغاية اليوم أكثر من سبعة عشر عاما بوضع خاص اقرب ما يكون إلى الدولة ، وعاجلا أم آجلا تتكون الدولة الكوردية في جنوب الأناضول ، وسواء اندمجت هذه الدولة مع الكيان الكوردي العراقي أم بقيت مستقلة فأنهما سيكونان قوة إقليمية لا يمكن إغفالها أو إغفال دورها المستقبلي ،ومستقبلا ـ وهذا ليس ببعيد ـ ستتغير مفاهيم الدول لموضوع السيادة والحدود ، والعالم يقترب من بعضه شيئا فشيئا ، والحدود بوظيفتها الحالية ستفقد قيمتها، وستصبح من مخلفات الماضي ، ولن يمكن استمرارها كستار كبير حديدي توضع داخله الشعوب بما يشبه السجون ، والمثال الأوربي يلهب خيال الشعوب والأمم وتراه قدوة صالحة لحياة أفضل على الرغم من مساوئه العديدة لكنه أفضل من النموذج الشرقي الذي اعتدناه بدعامته الشمولية، وهذه ( الدولة ـ الأمة ) الكوردية ستكون أكثر حيوية من كل جيرانها الواهنين بفعل عوامل التقادم وسخط الشعوب ، ومن البديهي ان تتطلع هذه الأمة لدور تعتبره استحقاقا حضاريا يعوضها ـ كما تصف ذلك أدبيات القوى الكوردية العراقية والتركية والسورية والإيرانية مجتمعة ـ عن ظلم إنساني تعرضت له (القومية ـالأمة الكوردية ) فمنعت من ان تنمو نموا طبيعيا وان تشكل لها كيانا كدولة كسائر الأمم، وسيكون من مفرزات هذا الدور التطلع إلى مصادر نمو بشري وسكاني يعزز وجود هذه الأمة ، وهذا بالذات ما يفسر سعي القوى الكوردية الدائم لضم التجمعات والمكونات البشرية الأخرى المجاورة لهم واعتبارهم جزءا من الأمة الكوردية ، وهذا بالفعل ما يتعرض له الفيليين و واللر و الباجلان والشبك والأيزيديين والى حد ما التركمان ، فكل هذه الأقوام هي تجمعات قبلية و لها جذورها التاريخية الخاصة بها ، وعدهم من الأمة الكوردية التي تنمو سريعا في صالح الأخيرة بالتأكيد ، فهو يمددها جغرافيا إلى تخوم محتفظة ميسان في جنوب العراق جنوبا وكل محافظتي أيلام ومازندران الإيرانيتين ومعظم جنوب تركيا وشمال سوريا مع وجود جيوب كوردية في لبنان وأذربيجان وأرمينيا ، وسيكون الكورد إذا ما تشكل مثل هذا التشكيل الكبير القوة المستقبلية المهمة في العالم القديم، ومع ان العوامل الدولية لا تسمح بمثل هذا التشكل على الأقل بالأمد القريب ،لكن ما أوردناه عن انحسار دول الدول واقتراب العالم من بعضه سيكون في خدمة تطلعات الكورد، وفي هذا سيتعين على الأقوام الصغيرة ومنها الشبك اختيار احد الطريقين ، أما بالاندماج السريع مع الكورد إذا وجدوا ان في هذا مصلحة لهم ، أو بالبحث عن خيارات أخرى ، ولعل استعادة تاريخية لانتماء هذه الأقوام الديني ما يسهل لها حسم خياراتها.وبما ان الدين هو أول ما اهتدى إليه العقل البشري لتفسير وجوده ووضع تفسير لما يدور حوله، اعمله الإنسان والمجتمعات الإنسانية الأولى باتجاه إيجاد وسيلة ضبط منهجية لمواجهة المعضلات التي تواجهها المجتمعات وتنظيم العلائق بين البشر من جهة وبين البحث عن مبررات الوجود الإنساني ، وهو أمر يدل على عاقلية الإنسان و المجتمعات الإنسانية واتجاهها لإيجاد إجابات لتفسير الظواهر التي تحيط به ، ولأن هذا البحث يقتضى أنصارا للأفكار والعقائد المتوالدة في ضلاله لتوكيد مشروعية النتائج واثبات صحتها، فان الدين كان المهاد الأول للانحياز ألعقيدي (12)، فكان اختيار معظم هذه الأقوام للتشيع بفعل عوامل معرفية عقيدية أو بفعل ظروف خارجية ، هو الذي حفظ تشكل ووجود هذه الأقوام من الإهتراء والتمزق وأبقى جسمها حيا متماسكا طوال الأربعة عشر قرنا المنصرمة على الأقل ، وهو ذاته الذي حافظ على وجود التشكلات الأخرى من الجسم العربي أو الإيراني وطبعها بطابعه الخاص وشكل لها مجتمعة هوية خاصة ، ولحمل هذه الأقوام لهذه الهوية بالذات عانت من محاولات دءوبة لتغيير معتنقها العقائدي باستمرار من قبل النقيض الذي كانت السلطات المتعاقبة على إدارة شؤون دولة الإسلام أداته ومغذيه في آن،وعلى هذا الطريق قدمت تضحيات كبرى ومازالت تقدم ،وعلى ذات الطريق الذي وصفناه في إعادة التشكل فان الدولة العراقية الحالية وبعد سقوط نظام صدام الشوفيني بدأت تتشكل من جديد على أسس جديدة وبظروف بنائية هي في مجمل الأحوال في صالح هوية تلك الأقوام سواءا الهوية الذاتية أم هوية التشيع أو الهوية العراقية الجامعة ، ومن المفيد التأكيد ان تعدد الهوية للجماعات والأقوام ليس شيئا مضاد للهوية الوطنية العراقية أبدا ، بل هو عامل قوة وتأصيل لها ، ويمكن بسهولة تفسير احترام الذات للأفراد أو الجماعات على انه قوة للمجموع العام ، وكلما ازدادت مساحة احترام الهوية الخاصة ، وازدادت مساحة التعبير عنه وعن ثقافاتها ، ازداد تمسكها بالهوية الوطنية الجامعة طالما وفرت هذه الهوية مساحة التعبير عن الذات القومية والدينية والمعتقدية سياسية كانت أم انتماء لمجموعة بشرية ، والخطر كل الخطر يكمن في الإلغاء للهويات الخاصة ،ولأن الحياة الإنسانية تحكمها منظومة من الحقوق الفردية والجماعية ومن بين مفردات هذه المنظومة هو حق الإنسان بالتعبير عن ذاته أو هويته ويتعين ان لا يكون ذلك بما يسيْ أو يعرقل أو يعرض حقوق الآخرين إلى الانتهاك أو التوقف أو الخطر أي بعبارة أخرى ان لا يكون هناك تقاطع أو تعارض بين بعضها البعض ، ومادام ذلك أصبح متسالما بين البشر فمن المعقول والمقبول ان يكون للقوميات أو الجماعات العرقية والأثنية التعبير عن ذاتها بطريقتها الخاصة وضمن المعايير الإنسانية أو ما بات يعرف بالمقبولات الحضارية ، ولعل من بين أهم وسائل التعبير وأشدها وضوحا هو حق أي أقلية تعيش في بلد يضم إلى جانبها مكونات اكبر منها ، ويتعين ان لا تنحى أي من القوميات الكبرى في ذلك المجتمع المتعدد القوميات إلى فرض سلطانها ومصادرة حق الأقليات باستخدام لغتها بالتداول اليومي أو منعها من بناء ثقافتها ، ومن حق الأقليات أيضا ان تسعى إلى تعليم أبنائها مقومات لغتها بل ان الأمر ينبغي ان لا تحرم من نشر موروثها اللغوي والثقافي والتاريخي والتبشير به وحفظه للأجيال أو للإنسانية ، ليكون رافدا من روافد الإسهام في تطوير البشرية ، ولا يتوقف تمكين الأقليات من حقها عند هذا الحد بل يتعداه إلى ضرورة ان يكون للأقليات إدارات خاصة بها تعنى بشؤونه الأدبية والحضارية وتعبر عن واقعها الاجتماعي وتتحدث باسمها وتنظم علاقتها الاجتماعية مع بقية المكونات ايجابيا ، أي ان تكون الإطارات أو الجمعيات اطر لبناء سلام اجتماعي مبني على ان تقبل جميع المكونات بعضها البعض وان تعمل جميعا من اجل ترسيخ قيم موحدة باتجاه ما أصبح عنوانا للوجود الموحد لجميع المكونات ونعني به المواطنة، ومن بيت ممكنات التعبير عن الأقلية أو الطائفة ،تمكينها من ان تمتلك مساحات إعلامية أو منابر أو أصوات مسموعة أو وسائل مرئية تعبر عن هويتها وتشيع ثقافتها وتفصح عن طموحاتها وأمالها وشكاياتها وحقوقها والدفاع عن ماضيها وغرض موروثها الحضاري والثقافي ، وإذا كانت تلك المطالب مشروعة ومقبولة إنسانيا وحضاريا فعدم قبولها أو الامتناع عن منحها المساحة الوطنية المناسبة ضمن الإطار الذي اقترحنا تسميته بـ ( المواطنة )لا يمكن تسميته إلا بـ(الطائفية) ، وسيترتب على ذلك المسلك الذي يصاحبه بالتأكيد اللجوء إلى الأساليب القهرية من فبل الجماعة الطائفية ، لجوء الطائفة المقهورة إلى العمل السري وهو الذي يقود الأقليات إلى الانعزال والانغلاق وعدم التفاعل مع الآخرين لانعدام الثقة وفقدان أسباب التواصل الاجتماعي وانحسار معينات العيش المشترك إلى أدنى حدودها ، وعمليا فان الأقليات تدفع دفعا إلى الانزلاق في منزلق الطائفية المقابلة يعمق الاختلافات التي تتحول في مراحل لاحقة إلى خلافات(13) .
مصادر البحث/
1.ستيفن همسلي لونكريك : أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث وكذلك السيد موسى الموسوي2.عبد الرزاق الحسني : تاريخ الوزارات العراقية، وكذلك الباحث ريج جامعة كمبرح3.عبدا لرزاق الحسني : الأيزيدية في ماضيهم وحاضرهم، وكذلك زهير كاظم عبود4.ابن الأثير : الكامل بالتاريخ5.محمد أمين زكي : تاريخ كورد وكوردستان6.الأب انستاس الكر ملي : تفكرة الأذهان في تعريف ثلاثة أديان7.شاكر صابر ولي : التركمان في العراق8.مسعود محمد : لسان الكورد9.ميشيل ليزبرك : أستاذ قسم الفلسفة جامعة أمستردام هولندا ـ دراسة سكانية10.مسعود محمد: دراسة مقارنة11.هيروسو : مؤرخ آلماني:تعريف التاريخ12.لنا : بحث سابق في الطائفية/ منشور في جريدة البينة وموقع الغالبون13.لنا : نفس المصدر
https://telegram.me/buratha