د.حسين القاصد ||
سيأخذونه إلى قصر الإمارة
لماذا؟
لا تقل لماذا.. ألم يجتمع بالناس أمس؟
قد يتوج أميرا ويذبحك على قولك لماذا؟
يذبحني؟
كيف يذبحني؟ فالمذبوح لا يذبح!
اخفض صوتك.. إنهم يقفون بين الحنجرة والصوت.. يراقبون أنفاسنا..
من هم؟
اسكت.. اسكت.. إنهم هم..
يا إلهي.. إلى متى يقف هؤلاء ال ( هم) بين الدمعة والجفن
بين اللام والألف
بين الله والآه
بين الصوت والصمت
قلت لك اسكت.. هاهم يتجهون إلى قصر الإمارة..
القصر...؟
هو لم يأت لأجل القصر.. لقد جاء من بيوت الطين.. ليعيد الوصل بين الماء والطين...
ماذا تعني..؟
أردت أن أقول إن الحياة أرملة.. أرملة.. أ ر م ل ة
كيف؟
كانت قد تزوجت من الماء وكانت أول كلمة نعم قالها إثنان على وجه هذه الأرض..
وماذا بعد..؟
أنجبوا كل هذا الكمّ الهائل من النخيل؟
وأين رؤوس النخيل؟
نخلة بلا رأس؟ كيف تمشط شعرها على مرآة الفرات؟
ما علاقتنا بالفرات.. نحن الآن في القصر على كتف دجلة!
دجلة...؟
ألم يكن يخطب في الناس قرب الفرات؟
ألم يكن مسلماً.. كان يصلي تحت ظل نخلةٍ.. كان تدمع تمراً يهطل عليه في كل سجدة..
كان ذلك قرب الفرات.. والرجل مسلم
أين هو الآن..
انظر إلى أسفل بعمق
ماذا في الأسفل؟
لقد رموه من سطح هذا القعر.. أعني القصر..
أين هو الآن.. القصر ليس عاليا؟
لقد طار بجناحين من ( لا)
وكأنهم رموه إلى الأعلى فصار القصر بمثابة النعل لقدميه..
...
وهذا النخل من قطع رأسه؟
لقد اختار طريق دجلة لعله ينجو.. فاستوقفته قبيلة من أبناء الغبار؟
أبناء الغبار؟ من هو الغبار؟ ماذا يريد هو وابناؤه..
الغبار يزيد كلما تمكن من الناس..
يزيد؟ ينقص؟ متى ينتهي؟ ألا يتلاشى؟
إنه يتناسل.. يتكاثر مثل خضراء الدمن..
وما بها هذه؟
هي والغبار يكرهان الماء النقي الطاهر.. حواضنهم آسنة.. والغبار يكره الماء يا بني.. لقد فشل أن يكون طيناً سويا..
لم أفهم..
الحياة أرملة منذ أن غدر الماء بتربته
أفصح بحق الدمع..
مسلم يقتل.. يرمى من الأعلى فيصبح أعلى.. ثم يتغير كل شيء دون أن يتغير أي شيء..
أحد أبناء الغبار يقول اني ارى نخيلا قد اينعت رؤوسها.. وحان قطافها!
القطف للورد..
نعم.. لذلك نحن الآن على كتف دجلة.. وهذه مجموعة من النخيل بعمر الورد..
انهم يذبحونهم..؟
نعم.. لأنهم قالوا ( الحسين)
قطعوا رؤوسهم في قصر الغبار الصحراوي
يذبحون الماء على الماء؟
يقطفون ورد النخل؟
انهم يخافون من كل نخل يرتفع.. الغبار يخاف من النخل والماء..
أين مسلم..؟
لقد ارتفع بجناحين من لاااا
وهؤلاء الشباب؟
ظن الغبار أنه قد ذبحهم..
أين هم الآن..؟
أعادوا حكاية الطين والماء
قالوا نعم للحسين.. فعانقوا دجلة..
كيف..؟
قالوا لا.. بوجه أقذر نعم في الحياة الجديدة
فأبحروا للحسين بجرفين من لا..
وبعد؟
كل شيء صار عليه أن يراجع نفسه..
الهواء الذي اختنق بالحسين
الماء الذي عطش من بعده
السيف الذي كان يراد به الفخر لكنه غال الحسين بمنتهى العهر
التربة التي تلقفت رأس الحسين ..
السماء التي نازعتها عليه
يزيد الذي ظل ينقص منذ يوم عاشوراء حتى يوم الدين
كل شيء عليه أن يراجع نفسه...
الدقائق التي مرت لتتيح للذبح لحظته
يوم القيامة الذي لم يعلن عن نفسه في لحظة الطف.
(الله اكبر) التي اريقت ووافقت أن ينطقها قتلة الحسين ويقتلوه تحت شعارها
صار على كل شيء أن يراجع نفسه
ويحمل قلبه الى مذبح الحسين ليبارك للناس حريتهم
وللرفض اعظم صرخة لا
أشهد أن (لا) الحسين في الطف .. هي نفسها (لا) اله الا الله..
أشهد أن ( لا) الحسين هي لا إله إلا الله
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha