د. حسين القاصد ||
يرتبط الشعر العربي بشكل عام ، والشعر الجاهلي على وجه الخصوص بدوره الاجتماعي، وهذا الدور منحه أفقاً ثقافیا، لأنه أي الشعر كان ومازال احتياجاً بحكم ارتباطه بمنفعيته ووظيفته، ولم يكن الشأن الفني الا ثوباً له. لأن الشعر العربي نشأ لدفع شر، وحفظ أثر، وليس له وهو بهذه النشأة وهذه البيئة أن يتخلى عن الفخر لأنه ( لم یكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبیات، یقولها الرجل في حاجته)( طبقات فحول الشعراء).
للغذّامي آراء شخصية أطرها بإطار التساؤلات في مقدمة كتابه، ومنحها شرعية التعميم ، والشمولیة وهي في حقيقة الأمر نتائج أوهم بها نفسه قبل القارئ : ( هل جنى الشعر العربي على الشخصیة العربیة ؟ هل هناك أنساق ثقافیة تسربت من الشعر وبالشعر لتؤسس لسلوك غیر إنساني وغیر دیموقراطي، وكانت فكرة "الفحل" وفكرة "النسق الشعري" وراء ترسیخها؟ ومن ثم كانت الثقافة، بما أن أهم ما فیها هو الشعر، وراء شعرنة الذات وشعرنة القیم؟ لقد آن الأوان لنبحث في العیوب النسقیة للشخصیة العربیة المتشعرنة، والتي یحملها دیوان العرب، وتتجلى في سلوكنا الإجتماعي والثقافي بعامة)( النقد الثقافي، عبد الله الغذامي)؛ لقد أسقط عبد الله الغذامي كل ما قرأه من كتب عالم الإجتماع العراقي د. علي الوردي ، على الشعر ليجعله سببا في السلوك الشاذ وسببا في انتشار وتفشي العيوب الإجتماعية، متناسيا أن الدكتور الوردي كان بصدد أسطورة الأدب الرفيع لا بصدد تحميل الشعر مسؤولية السلوك الاجتماعي الشاذ؛ يقول الغذامي: (فشخصیة الشحاذ والكذاب والمنافق والطماع، من جهة، وشخصیة الفرد المتوحد فحل الفحول ذي الأنا المتضخمة النافیة للآخر، من جهة ثانیة، هي من السمات المترسخة في الخطاب الشعري، ومنه تسربت إلى الخطابات الأخرى، ومن ثم صارت نموذجاً سلوكیاً ثقافیاً یعاد إنتاجه، بما أنه نسق منغرس في الوجدان الثقافي) وهو بذلك جنى على المتلقي، بل على المجتمع قبل أن يجني على الشعر ويتهمه بالجناية!، لأن الشعر خطاب فردي غير ملزم للجميع، ولم ينطق بذلك د. علي الوردي ، الذي استلهم منه الغذامي فكرة النقد الثقافي.
كان الدكتور الوردي بصدد أسطورة الأدب الرفيع الذي ارتبط تسويقه بالسلطة، وكان بصدد سلوك الشاعر لا سلوك المجتمع، ولم يعترض على فنية وجمالية الشعر، بل اعترض على غرضيته السيئة عند بعض الشعراء.
بعد انتشار ظنون الغذامي التي سوّقها على أنها أحكام مفروغ منها، حدثت هبّة غذامية السلوك في بعض أنحاء العالم العربي ، وفي العراق بشكل فاضح؛ حتى صدرت عشرات الكتب والدراسات التي تتبنى أوهام الغذامي الذي مارس نسق الإيهام النقدي ليتبعه التابعون بوعي أعمى، اذا جاز لنا الوصف؛ لذلك صرنا نراه مرجعاً وتكاد لا تخلو جامعة عراقية من محاولة في النقد الثقافي بثوب غذاميِّ فضفاض.