الشعر

الحسين في الشعر..وانساق استدعائه الثقافية

3211 2021-08-20

 

د. حسين القاصد ||

 

شكلت قضية الطف بشكل عام وحادثة استشهاد الحسين على وجه الخصوص ملمحاً طاغياً على الشعرية العربية، ولقد هيمنت قضية الحسين على المسرح الشعري بشكل جعل أغلب ماكتب في هذا المسرح هو من وحي قضية الحسين، فكانت المسرحيات الشعرية من مثل: هكذا تكلم الحسين، ومسرحيات محمد علي الخفاجي التي أهمها "ثانية يجيء الحسين" وكذلك مسرحية "الحر الرياحي" لعبد الرزاق عبد الواحد التي تعد واحدة من أفضل ماكتب في المسرح الشعري بل أفضل ماكتب في المسرح الذي تناول قضية الطف والحسين .

 واذا وقفنا عند عبارة بين نسقين سيظهر جليا أمامنا نسق الاستدعاء في "ثانية يجيء الحسين" لمحمد علي الخفاجي حيث استدعى من الطف ثلاثة أشخاص فقط هم الحسين والشمر ومحمد بن الحنفية، وحملهم جميعا الى معترك اليمين واليسار في سبعينيات القرن الماضي. فجاء بشخص يعرج على اليمين، ثم صار يعرج على اليسار، ثم صار يعرج على كلتا الجهتين، وهو نسق أجاده الخفاجي ليرمي بأسلحة الماضي حاضراً مرتبكاً .

 اما اذا وقفنا عند مسرحية "الحر الرياحي" ، فقد يكون للاسقاطات النفسية التي ظهرت من الشاعر على النص الدور الأكبر في تميزها وجعلها هي الأفضل، فعبد الرزاق عبد الواحد بذكاء مفرط لم يجعل الحسين بطلاً لمسرحية تتعنى بالحسين والطف، وهي التفاتة ذكية فنياً ونفسياً وموضوعياً، اما فنياً فإن المسرح يعتمد الصراع والحسين شخصية صافية لاصراع فيها ولم تتلاقفه نوازع صراعات مختلفة، فهو خير محض . وكان بامكان عبد الرزاق عبد الواحد  ولوازع نفسي في داخله أن يأخذ الشمر بطلاً للمسرحية، حتى لو كان بطلاً سلبياً مذموماً، لكنه ابتعد عن الحرج والنقد اللاذع، وابتعد عن الوقوع في مواجهة المقدس، فضلاً عن ان الشمر شخصية تمثل الشر ، الشر المحض ، ولا صراع فيها ، اما نفسياً فعبد الرزاق يبحث عن عزاء لنفسه ، عن جهة أخرى يعبر إليها، فهو بطل المسرحية بكل تفاصيلها، لأنه يريد ان يتخلص من هيمنة سلوك الشر والعبور الى ضفة الحر الرياحي، ذلك لأن الحر شخصيتان، فهو شمر قبل التحول، وهو الحر الجديد المولود في الطف بعد التحول .

 وبين الشعر والمسرح خاض عبد الرزاق صراعاته الداخلية بين الشمر والحر في داخله، لكنه انتصر للحر فقط، ومات شمرا كما هو معروف . ولقد اقترب عبد الرزاق عبد الواحد من معتركه النفسي الذي اسقطه على معترك الطف ، فعاش مع الحر قصة حب تمثل ضربا من الحلم فهو يقول :

سلام على الحر فـي ساحتيـك

ومقحمـه ، جـل مـن مقحـم

سـلام عليـه بحجـم العـذاب

وحـجـم تمـزقـه الأشـهـم

سـلام عليـه .. وعتـب عليـه

عتـب الشغـوف بـه المغـرم

فكيف ، وفي ألف سيف لجمت

وعمـرك يـا حـر لـم تلجـم

وأحجمت كيف؟ وفي ألف سيف

ولو كنـت وحـدي لـم احجـم

ولم أنتظرهـم إلـى أن تـدور

عليـك دوائرهـم يــا دمــي

لكنت أنتزعت حـدود العـراق

ولو أن أرسانهـم فـي فمـي!

لغيـرت تأريـخ هـذا التـراب

فمـا نـال منـه بنـو ملجـم!

انها ليست قصة حب بل نشيد تعويض، (عتـب الشغـوف بـه المغـرم) لكنه يكذب متسلحاً بالتمني كي يغطي النقص الذي ينهشه من جميع جهاته ، اذ يقول :

 وأحجمت كيف؟ وفي ألف سيف

ولو كنـت وحـدي لـم احجـم

ولم أنتظرهـم إلـى أن تـدور

عليـك دوائرهـم يــا دمــي

ان هذا المقطع من قصيدة "في رحاب الحسين" بكل مافيه من عتب من الشاعر على نفسه لا على الحر، لأنه اسقط طموحه على رمزية الحر وتمنى ان يكون حراً ولو مؤقتاً في الأقل للوقت المحدد للمسرحية، او هذا المقطع الشعري؛ حتى حمل الشاعر كل ملامح شخصيته هو لا شخصية الحر الى المسرح ليدخل  "يحيى المعمدان" بطلاً من أبطال المسرحية وهو الذي لامكان له في هذه المسرحية لولا معتقد الشاعر؛ ولعلنا نلمس عذاباً حقيقياً يسقطه الشاعر على شخصية الشمر، لأنه مكبل  "بشمريته" لايستطيع التحول الى " حريته" ، وهو عبد الرزاق نفسه بين الشمر  (الواقع) والحر (الحلم) الذي يبدو بعيد المنال، وظل كذلك الى ان مات الشاعر وبقيت مسرحيته نصاً مميزاً ، يدلل على ان الشعر بوح وجداني حقيقي، وضرب من التعويض وسد النقص .

اما شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري فقد وقع في فخ عظيم أو مارس نسق الاستغفال، وكتب قصيدة غايتها التقرب من ياسين الهاشمي الذي منع الشعائر الحسينية فاستاء الناس، لكن الجواهري سوّغ له ذلك، معللا ان يزيد نفسه حاول منع قتل الحسين لكن المسافة حالت بينه وبين انقاذه ، وهي انتكاسة عظيمة في شعر الجواهري، إذ  نجد الجواهري يلوي عنق المعنى حين يستذكر الحسين متناغما مع وعد سابق من الهاشمي بمنصب للشاعر، ولا اغرب من قول الجواهري في قصيدته عاشوراء وهي القصيدة التي اراد الجواهري ان يتعرض بها للهاشمي تعرض الآمل لا تعرض الآيس، لذلك حاول تسويغ سلوك الهاشمي ضد الشيعة ، وهو شيء من المصلحة الشخصية التي جعلت طموحات الشعب سلّما للشاعر باتجاه السلطة .

يقول الدكتور محمد حسين الاعرجي في كتابه الجواهري دراسة ووثائق: (وإذاً أن يرثي الجواهريُّ ـ لأوّل مرّة في حياته ـ الإمامَ الحسين في قصيدةٍ أمرٌ له معنيان هما: الأمر الذي ذكرتُه، وقد أشار إليه الشاعر من طرفٍ خفيّ بتقريره أنّ يزيد بن معاوية نفسَه قد تأثّر بمقتل الحسين، وأنّه لولا بُعد المسافة بين الشام وكربلاء لكان رَسَم ليوم الطفِّ نهايةً أخرى:

 على أنّه بالرّغم من سقطـاتِه

                   وقد جـاءهُ نعــيُ الحُسين تَأثّرا

 فما كان إلاّ مثلَ قاطعِ كـفِّه

                   بأُخرى، ولمّا ثابَ رُشدٌ تَحسّــرا

 وأحسبُ لولا أنَّ بُعدَ مسـافةٍ

                زوتْ عنه ما لاقى الحسينُ وما جرى

 ولولا ذُحولٌ قُدِّمتْ في معاشرٍ

                تقاضَوْا بها في الطفِّ دَيْناً تأخّــرا

 لزُحزِح يومُ الطفِّ عن مُستقَرِّه

                    وغُيِّرَ من تاريخـــــه فتطوّرا 

ومعنى قوله أنّه إذا كان موقف يزيدَ نفسِه كذلك فما معنى أن يكون الهاشميُّ في موقفه من إحياء ذكرى الإمام الحسين، والتفجع عليه أكثر تشدّداً من يزيد؟)

ومن الأبيات الواضحة ومن كلام العلامة د. محمد حسين الاعرجي، نجد الجواهري يبريء يزيد ويجد له عذرا لكي يقنع الناس بعذر يسوغ لياسين الهاشمي فعلته !!.

نعم ، هو ذا الجواهري حين يكون مرتبطا بالسلطة لكنه حين يغضب فإنه يجعل من شعره زلازل تهز عروش الطغاة ، لذلك كانت قصيدة  "آمنت بالحسين" التي خُط بعض من ابياتها بماء الذهب على ضريح الحسين العظيم ، كانت هذه القصيدة بيانا للموقف الحر غير المسلوب بنسق مضمر أو حيلة ثقافية ، فكانت نشيدا هادرا، وقصيدة ثورية ، محتشدة بالحماس، واذا خرجنا من النقد الثقافي ووقفنا وقفة اسلوبية عند بيت واحد من عينية الجواهري، نجد إضافة أسلوبية هي الأروع والأجمل ، فهو يقول :

ويا واصِلاً مِن نشيدِ " الخُلود",  خِتامَ القصيدةِ بالمطلع.

يَسيرُ الورى بركاب الزمانِ,  مِن مستقيمٍ ومن اظلع.

 وأنتَ تُسيِّرُ ركْبَ الخلود, ما تستَجِدّ له يَتْبَع.

وأغلب قراء هذه القصيدة يصفقون لمعنى ساذج هو (ان القصيدة تنتهي بالمطلع) لكن ابداع الجواهري في إعمال اسم الفاعل  (واصلا) لينصب  (ختامَ) ليكون المعنى ان الحسين وصل ختام القصيدة والجواهري مازال في المطلع !! لنعد صياغة البيت بعد حذف ( من نشيد الخلود) :

أيا واصلا ختامَ القصيدة بالمطلع، يامن وصلت ختام القصيدة بالمطلع، ماعساني أقول؟ ذلك هو الجواهري في عينيته؛ أما أنا فقد وصلت ختام المقال المحدد بعدد الكلمات المتفق عليها، عسى أن يمتد إلى بحث يليق بهذا الموضوع في المستقبل القريب .

ـــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك