احدثت جداول موازنة 2024، حالة من الجدل ومفارقة سجلها التاريخ ربما تحدث لأول مرة في الموازنات العراقية، تمثلت برضا من الأطراف الكردية على التخصيصات المالية مقابل اعتراض وتذمر من باقي محافظات البلاد التي اعتبرت حجم التخصيصات لا يتناسب مع حجم المشاريع والنسب السكانية.
فقد اعتبر مجلس محافظة كربلاء جداول موازنة 2024 وما تضمنته من تخصيصات بأنه "سياسية"، في وقت لم يستبعد فيه "حدوث تلكؤ في المشاريع".
حيث ذكر عضو المجلس، انور اليساري في حديث لـ السومرية، إن "تقليص التخصيصات في جداول الموازنة هو موضوع سياسي واستهداف واضح لمحافظة كربلاء التي انجزت مشاريع مهمة وتفوقت على محافظات عدة".
وأضاف، "الوضع في العراق يسير نحو محاربة الإيجابيات"، معتبراً أن "هناك مشاريع سيحدث فيه تلكؤ بسبب ضعف التخصيصات لكن نعمل في داخل المجلس على اتخاذ المعالجات المهمة".
وكذلك الحال بالنسبة للبصرة، التي كانت هي الأخرى معترضة على حصتها، معتبرة أن الجداول التي وردت من الحكومة "فيها ظلم كبير".
فقد صرّح رئيس اللجنة المالية والإدارية في مجلس محافظة البصرة، شكر محمود العامري، لقناة السومرية، إن "الموازنة كانت مخيبة للآمال ومقدار ما خصص للبصرة قد يصل الى ترليون دينار بينما حجم المشاريع المقدمة تصل الى 6 ترليون دينار".
وسابقاً، اعتبر محمود، أن تخصيصات موازنة 2024 شكلت صدمة للمحافظة. وقال خلال حديث لبرنامج عشرين الذي تبثه فضائية السومرية، أن "ديون محافظة البصرة تقدر بـ800 مليار دينار، ومستحقات المحافظة من البترودولار تصل الى 45 ترليون دينار". وبين أن "اعداد مرضى السرطان ب البصرة تفوق الطاقة الاستيعابية للمستشفيات".
واعتبر شكر، أن "تخصيصات موازنة 2024 ألحقت ظلما كبيرا ب البصرة"، مشدداً على أن "البصرة ستكون يدا واحدة نوابا وحكومة للمطالبة بحقوقها".
في السياق ذاته، ذكر رئيس اللجنة المالية في مجلس محافظة الديوانية خضير المياحي في تصريح خاص لـ السومرية بان "تخصيص 78 مليار دينار حصة المحافظة من تنمية الأقاليم وهذا غير كافي لإنجاز مشاريع المحافظة والديوانية لا تكفيها حتى 200 مليار فكيف بهذا المبلغ القليل وخصوصا بان المحافظة من اشد المحافظات فقرا وهذا لم يراع في جداول الموازنة الاتحادية".
ولفت الى انه "سيكون هناك تعاون جاد من قبل الحكومة المحلية وأعضاء البرلمان لضغط على الحكومة الاتحادية لزيادة التخصيصات المالية للمحافظة، لافتا الى ان " البيروقراطية والتأخير في الموافقات من قبل الحكومة في بغداد بالمصادقة على المشاريع وفي بعض الأوقات ترجع مبالغ المشاريع وأخرى ترجع لأسباب إدارية وفنية وهذا كله يسبب تأخير".
مجلس النجف كذلك تحدث عن خلل في تقديم الخدمات ما لم تقم الحكومة بزيادة التخصيصات، حيث قال عضو مجلس المحافظة، فاروق الغزالي لـ السومرية، إن "الموازنة تضمنت بنداً بتوزيع 2 ترليون دينار على المحافظات لكن الحكومة غير ملزمة بذلك البند الوارد من البرلمان". وتابع: "المبلغ المخصص للنجف قليل جداً ولا يتناسب مع نقص الخدمات وعدد السكان الموجود، وبالنتيجة سيحدث خلل في موضوع تقديم الخدمات".
وأوضح الغزالي، أن "المشكل الموجودة في النجف هي بالمشاريع المحالة للوزارات إذ فيها تلكؤ كبير، مشيراً إلى أن مشروع مجاري البحر اطلق عام 2008 وكان من المقرر ان ينتهي بـ2010 ولم يكمل حتى الآن، وكذلك مشروع ماء الكبير أنشئ عام 2014 وكان من المقرر ان ينتهي العمل به عام 2016 بينما لم يكمل إلى الآن، وطريق الحج البري كذلك من المشاريع المتلكئ، وهذه المشاريع جميعها محالة إلى وزارة الاعمار والإسكان".
كذلك تحدث رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، عادل الصميدعي، مبيناً إن "الميزانية لا تكفي لمشاريع المحافظة، هناك نسب سكانية واقضية تختلف في احتياجاتها للخدمات".
ويضيف لـ السومرية، "شرق المحافظة تعرض لدمار كبير بسبب العمليات العسكرية فـ(الطوس وبيجي وامرلي) هذه اقضية بها نسبة سكانية كبيرة وتحتاج لتخصيصات أكبر"، منوهاً إلى أن "التخصيصات لا تكفي للمشاريع الكبيرة". وأتم الصميدعي، "هذه الموازنة الان لا تلبي الحاجة النموذجية والفعلية لمشاريع المحافظة".
وكانت نينوى أيضاً على خط المعاناة، فعضو مجلس المحافظة، احمد الدوبرداني، لفت إلى أن "حصة نينوى من الموازنة تبلغ 11% وهذه النسبة لا تكفي لسد احتياجات المحافظة لنهاية السنة؛ لان هناك عدة مشاريع تحتاج الى الاعمار او إعادة الاعمار وإعادة تأهيل البنى التحتية.. لدينا مطار نينوى ومستشفيات كبيرة والجسر السادس والسابع".
وتابع الدوبرداني في حديث لـ السومرية: "سنطلع على خطة المحافظة ونصادق عليها حال لم يتم تشخيص ملاحظات حولها، وبخلاف ذلك سنعيد الخطة إلى المحافظة لغرض التعديل وإعادة توزيع المبالغ على القطاعات".
أما الحال في كردستان فهو مختلف، وهي راضية مرضية! إذ وصف النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني شريف سليمان، حصة إقليم كردستان في الموازنة الاتحادية بـ"المنصفة"، مبينا ان الاتفاقات السياسية المسبقة هي من حسمت تمريرها.
وقال سليمان في حديث لـ السومرية نيوز، إن "الاتفاق السياسي الذي حصل بين حكومتي المركز والاقليم هو الأساس في الاتفاق على حصة الإقليم من الموازنة البالغة 12.67%"، مستدركا "نحن فرحون بأن لم يكن هناك مزايدات او مجادلات بشأن التصويت على جداول الموازنة وحصة الإقليم فيها".
وأضاف أن "حصة الإقليم في جداول الموازنة منصفة وليست بالسيئة في ظل الواقع الذي يعيشه العراق"، مبينا "نتمنى ان تطبق الموازنة بالشكل الصحيح المتفق عليه وان لا تخضع للمهاترات والمزايدات السياسية او استخدامها كورقة ضغط".
وعلى هذا الحال، دفع السجال والجدال الدائر حول الجداول المالية الواردة من الحكومة والمصوت عليها تحت قبة البرلمان، بعض النواب الى الطعن، وسط حديث عن "مخالفات دستورية وقانونية".
فقد أعلن عضو مجلس النواب، رائد المالكي، أمس الأربعاء، الطعن بجداول موازنة 2024، فيما أشار إلى وجود "مخالفات قانونية ودستورية" في جوهرها.
وقال المالكي، في حديث لـ السومرية نيوز، أن "الاعتراض على جداول موازنة 2024 لا يكمن في موضوعة قلة التخصيصات المالية للمحافظات، بل لوجود مخالفات قانونية جوهرية وكذلك مخالفات دستورية"، مبيناً أنه "بناءً على هذه المخالفات قدم طعناً ضد جداول الموازنة".
لكن المالكي، أشكل على النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية؛ "لأنه لا يسمح لأي مواطن أو عضو برلمان الاعتراض على قانون الموازنة، وسمح بذلك فقط للحكومة والوزارات والمحافظين"، معتبراً هذا الأمر "غير دستوري؛ لأنه يهدر حق التقاضي المكفول لكل مواطن عراقي والحق في الدفاع عن الاموال العامة".
ويوم الاثنين الماضي، أتم مجلس النواب التصويت على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 2024 المعدلة 13 لسنة ومرفقاته جداول (أ/ب/ج/د/هـ و).
النائب المالكي، أكد أنه لم "يصوت" على الجداول، داعيا المحافظين إلى "متابعة التوصية الخاصة بزيادة تخصيصات المحافظات لتنمية الأقاليم، منوهاً إلى أنه كانت هنالك نصوصاً صريحة وملزمة وموجودة في قانون الموازنة لكنها لم تنفذ من قبل الحكومة المركزية".
وتابع، أن "الكثير من المحافظات اشتكت من قلة تخصيصات إضافة إلى ضعف السيولة المالية ما سيؤثر على مشاريعها بشكل سلبي وقد يؤدي إلى توقفها".
وتبلغ موازنة 2024 بحسب ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يوم الأحد الماضي، 211 تريليون دينار، وأن رواتب الموظفين لسنة 2024 تبلغ 62 تريليون دينار، فيما كانت موازنة العام 2023 بلغت 199 تريليون دينار ورواتب الموظفين 59 تريليون دينار.
وشكت عدة مجالس محافظات من التخصيصات المالية المخفضة مقارنة مع العام السابق، وأعربت عن رفضها لحصص المحافظة التي تمثلها ضمن جداول موازنة عام 2024.
وتقدر إيرادات موازنة 2024، وفقاً للسوداني، بـ 144 تريليون و336 مليار دينار، في حين تبلغ النفقات 210 تريليونات و936 مليار دينار، فيما يكون العجز 63 تريليوناً و599 مليار دينار.
وقال السوداني، إن "تخصيصات المحافظات لبرامج الحكومات المحلية بتخصيص استثماري بلغت 10.633 تريليونات دينار في عام 2023، وموّلنا 3.333 تريليونات، بناءً على الطلبات الأصولية من المحافظات"، مضيفاً: "الباقي من التخصيص 7.333 تريليونات دينار في حساب أمانات، تحت تصرف حكومات المحافظات".
اما التقرير الصادر عن اللجنة المالية حول جداول موازنة 2024، فقد أضاء على العديد من الفقرات المتعلقة بالتغييرات الحاصلة في الجداول الحالية مقارنة مع الماضي 2023.
وكان مجلس النواب العراقي قد صوّت في 12 حزيران 2023، على قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023 و2024 و2025، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد من حيث حجم الموازنة وكذلك عدد السنوات المالية، بقيمة 197 تريليونا و828 مليار دينار، وعجز مالي قدره 63 تريليون دينار.
وبحسب تقرير اللجنة المالية، فأن التغييرات بتعويضات الموظفين تغيرت في هيئة الحشد الشعبي، ووزارات الدفاع والداخلية والصحة والتربية والتعليم العالي، وكانت اعلى زيادة بقيمة الرواتب هي لوزارة التربية وبلغت 700 مليار دينار، تأتي بعدها وزارة التعليم العالي والدفاع والداخلية بزيادة قدرها 600 مليار دينار لكل وزارة، وبعدها الصحة وهيئة الحشد بزيادة قدرها 400 مليار دينار لكل منهما، وذلك على الاغلب بسبب توظيف درجات جديدة.
كما أظهرت الجداول، ارتفاع الإيرادات غير النفطية المقدرة من 17 تريليون في 2023 الى 27 تريليون في 2024.
وأوصت اللجنة المالية، الحكومة العراقية "بإجراء مناقلة 2 تريليون دينار لزيادة موازنة تنمية الأقاليم. لكن هذه التوصية تبقى غير ملزمة بالنسبة للحكومة الاتحادية.
https://telegram.me/buratha