عبد الرحمن المالكي ||
أن تفسير "راهنما"(الدليل) للرئيس الايراني الأسبق الفقيد آية الله هاشمي رفسنجاني يعدّ من أروع التفاسير الإجتماعيه التاريخيه في العالم.
أن الفقيد آية الله هاشمي رفسنجاني كان من الأعمدة الرئيسية في خطّ الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه ) الذي تبنى موضوع الوحدة الإسلامية.
الشيخ رفسنجاني كان لديه تطلع في قضية الحوار الديني، والحوار بين دول المنطقة ، وإنهاء قضية الطائفية التي يحتاج اليها الإستكبار العالمي ، ولذلك فهو كان وفيّاً الى يوم وفاته لهذا الخطّ ، أي خطّ الوحدة الاسلامية , أنا أتذكّر أنه كان يحضر في مؤتمرات الوحدة الإسلامية ويتحدث بشكل قوي ويصرّ على تمكين المسلمين من ترسيخ مشروع وحدوي حتى يتجاوزوا المشاكل التي تواجههم هنا وهناك.
آية الله هاشمي رفسنجاني وظّف كل خطب الجمعة ، ومؤلفاته ، ومحادثاته العلمية في هذا الإتجاه، وكان يؤكد على نظرة حضارية للمسلمين، النظرة التي تستلزم الترفع عن أي حالة من حالات الطائفية كما كتب في كتابه باللغة الفارسية "آزاداندیشی اسلامی و روشنفکری دینی"(الانفتاح الاسلامي والتثقيف الديني) ، وكذلك في كتاب "برگزیده فرهنگ قرآن"(مختارات من ثقافة القرآن) و هكذا نجد أن الشيخ كان يسعى لالتزام الثورة بمبادئها الأساسية التي أرساها الإمام الخميني (رض).
الفقيد آية الله هاشمي رفسنجاني كان له دور وتأثير واضح في هذا المجال ، وكان له حضور قوي في المؤتمرات ، واللقاءات، والمحاضرات، والخطابات، وكانت له لقاءات مع المسؤولين في دول المنطقة، وكان لهذه اللقاءات تأثير قوي في مختلف القضايا بالمنطقة، ومنذ اليوم الأول هو الذي كشف العيب في العلاقات الدولية من خلال تشنج القوى الشوفينية أو التشنج الطائفي الذي يخدم الإستعمار ويقسّم المنطقة، لذلك كان مصرّاً على الإتجاه الوحدوي في حركته السياسية والدينية.
الكتاب الذي كتبه الفقيد رفسنجاني تحت عنوان "اسرائيل و فلسطين" باللغة الفارسية، قائلاً: لا شك أن هذا الكتاب مهم جداً ويبيّن بشكل واضح، مواقف الشيخ رفسنجاني حول نصرة المقاومين حتى الشعوب المستضعفة في العراق، والعالم الإسلامي، الموقف الذي لم يحدّه حدّ طائفي أو مذهبي أو قومي أبداً، انما كان ينطلق بهذه الإنطلاقة الرئيسية وهي " كون فلسطين هي قضية المسلمين الأولى" وقد امتلأ هذا الكتاب بتصريحات قويه في دعوة الفلسطينين للوحدة والألفة في ما بينهم، وتجاوز الخلافات ، ومن ثم دعم المقاومة الفلسطينية البطلة في داخل فلسطين وخارجها، فاذاً كان الفقيد رفسنجاني مصرّاً على هذا الطريق لأنه خطّ الإمام الخميني(رض)، وفلسطين تمثّل القضية الأولى في عالمنا الإسلامي.
التفسير الذي تبقى من الفقيد آية الله رفسنجاني، من أروع التفاسير الاجتماعية التاريخية وقد كتب الشيخ رفسنجاني هذا التفسير حينما كان في معتقلات الشاه المقبور لمدة خمس سنوات تقريباً ثم حرّره بعد قيام الثورة الإسلامية الايرانية وانتصارها وخرج الى النور في 22 مجلداً.
وصرح أن هذا التفسير لديه الكثير من الإتجاهات الكلامية ، والعقائدية للشيخ رفسنجاني، مشيراً الى أن الفقید رفسنجاني كان يؤكد على توظيف الجانب الإجتماعي والتفسير الإجتماعي الذي أصبح مطلب كل المفسرين والمحدثين لذلك حينما يعالج الآيه 200 من سوره "آل عمران" المباركة ويفسّرها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" يشرح عشرات القواعد وهذه طريقة جديدة عند المفسر الشيخ رفسنجاني، ويشرح فوائد في رحاب الآية الكريمة ، ولذلك حينما يتناول الصبر أو المرابطة يتناول هذا المعنى بشكل واضح ، ويؤكد على الجانب الإجتماعي في هذا التفسير ويطلب من الأمة أن تستفيد من القرآن في هذا الإتجاه ومن هذا البُعد ، حتى لا يكون القرآن الكريم حديث البحوث البلاغية ، واللغوية ، والقضايا التاريخية فقط .
حينما يتناول الآية الـ103 لسورة "آل عمران" المباركة "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُودُونَ" كذلك يشرح الكثير من هذه الفوائد الاجتماعية ويؤكد على وحدة المسلمين وعلى التقارب فيما بينهم ، وهكذا حينما يتناول الكثير من الآيات الكريمة.
في الجانب التاريخي أيضاً نراه لايوقف الأية على الجانب التاريخي الجامد أو في الماضي، إنما حين يتناول قصص القرآن يعكس هذه القصص على واقعنا الحياتي، وبالتالي تجده يشقّ المعاني ويعطي أبعاد تاريخيه للمدينة، ويتجنب الجمود التاريخي على الآيات، ولذلك حينما يتطرق الى الآية الـ213 من سورة البقرة المباركة "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ"، يكشف كيف انحرفت مسيرات الأمم السابقة وأستحقت العذاب الدنيوي بسبب هذه الفروقات السلوكية أو العقائدية لدى البعض.
أن الجانب التاريخي لتفسير "راهنما"(الدليل) يحتوي على أبعاد جديدة وأعتقد أن تفسير الشيخ بحاجة الى أن يطرح في الجامعات والدوائر العلمية ، ويكتب عنه بشكل أوضح ويمزج فكره السياسي مع فكره القرآني لنخرج ونقف على هذه المدرسة.
علماً أن الفقيد رفسنجاني كان من تلامذة العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب "تفسير الميزان" الذي هو رائد في مجالي التفسير الإجتماعي والتاريخي وهو سلك مسلك أستاذه وتوسع أيضاً في هذا الجانب، وساعدته تجربته العملية السياسية الميدانية، واستطاع أن يضفي معانى تاريخيه واجتماعية كثيرة على تفسير القرآن الكريم.
ان آية الله الشيخ رفسنجاني حتى في وفاته أظهر وحدة الشعب الإيراني البطل رغم أن هناك بعض المنافقين خاصة في دول المنطقة للأسف الشديد والدول استكبارية أرادوا أن يضعوا العصا في دولاب الثورة والدولة ويصوّروا تصويراً سيئاً لخلافات وهمية ، لكن بحمدالله خرج الشعب الإيراني مودّعاً هذا القائد الكبير الذي بقي وفياً في قوته واطاعته للإمام الخامنئي الذي هو صديق عمره ورفيق دربه ورفيقه في السلاح وشريكه في الكفاح ، هذه الكلمات التي أبنَّ بها الإمام الخامنئي المرحوم الشيخ رفسنجاني.
وفي الختام، أعتقد أنه حينما يقول آية الله الخامنئي تجربة 59 سنة مع هذا الرجل الكبير لهو أمرٌ في غاية القسوة والايلام حينما أفقده ، وهكذا بقي المرحوم رفسنجاني وفياً للامام الخامنئي لهذا نرى أن تشييع جثمانه كان مظهراً وحدوياً وحينما رقد في مرقد الامام الخميني(رضوان الله عليه) أيضاً هو مظهر من مظاهر التماسك القيادي في هذه الثورة المباركة بعد 40 عاماً من الانتصارات واذا تتجدد مظاهر الوحدة يوماً بعد يوم.
https://telegram.me/buratha