"قبل خمس سنوات بدأت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عمليات عسكرية تكللت بإسقاط أبشع نظام دكتاتوري حكم العراق عقوداً سوداء تعرض خلالها شعبنا بجميع قومياته وأديانه وطوائفه وشرائحه الاجتماعية، من أقصى جنوب العراق حتى أقصى ذرى كردستان، ومن شرق العراق إلى غربه، إلى جور ومظالم لم يسبق لها مثيل في تاريخه. فقد غصت السجون بالأبرياء وكانت أقبية وسراديب الأجهزة الصدامية مسارح لجرائم تعذيب دموية، وقد عطلت بالكامل الحريات السياسية والإعلامية والنقابية وأصبحت كل مفاصل الدولة مسخرة لخدمة الدكتاتور وطغمته. وبدد النظام الجائر ثروات العراق وكبله لسنين طويلة بقروض ومديونية هائلة ترتبت على النهب المتواصل لثروات البلد وسوء إدارة الاقتصاد إلى جانب الحروب العبثية الجائرة التي خاضها الدكتاتور ضد شعب العراق أولا ثم ضد إيران وأخيرا في غزو الشقيقة الكويت.
ولقد انتهك النظام القمعي كل القيم والأعراف الإنسانية فاستخدم الأسلحة الكيمياوية ضد الأطفال والنساء والشيوخ في حلبجة ونظم حملات الأنفال الوحشية وامتلأت المقابر الجماعية برفات مئات الآلاف من أبناء شعبنا في سائر أنحاء العراق.
وحكم الدكتاتور على شعبنا بالتخلف الحضاري، ففي القرن الحادي والعشرين لم يكن مسموحاً للعراقيين بالاستخدام الحر لشبكة الانترنيت، أو الهاتف الجوال أو نصب أجهزة الاستقبال التلفزيوني، ناهيك عن منع النظام للمطبوعات العربية والأجنبية بما فيها العلمية.
لقد كان تحرير العراق على أيدي قوات التحالف إيذانا ببداية عهد جديد، عهد الحريات والأمل، والحقوق الديمقراطية للشعب بما فيها حق الاقتراع. فقد انتخب المواطنون الأحرار جمعية وطنية قامت بوضع دستور دائم حظي بموافقة الشعب في استفتاء عام، وأعقبته انتخابات برلمانية جرت كالاقتراعين السابقين، في جو من الحرية والشفافية وأسفرت عن قيام مجلس نيابي انبثقت عنه رئاسة الجمهورية وحكومة تمثل إرادة الناخبين. وبذا فان شعبنا مارس لأول مرة منذ عقود حقه في اختيار حكامه، وأطلقت حريات العمل السياسي والحزبي والنقابي، وشرعت الأبواب أمام الإعلام الحر فصدرت مئات المطبوعات وتأسست عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية، ما أنهى عهد الرأي الواحد المفروض قسراً. وبدأ المشرعون في وضع اللوائح التي ترسي أسس دولة المؤسسات والقانون، والشروع في ترشيد استخدام ثروات الوطن الهائلة وتسخيرها لخدمة الشعب.
ولا شك إن المسيرة التي بدأت قبل خمس سنوات تواجه عقبات كثيرة في مقدمتها الإرهاب والعنف، ومظاهر الانتشار غير الرسمي للسلاح، كما إن الفساد غدا بدوره آفة خطرة تعيق إرساء أسس دولة القانون والنهوض بالاقتصاد.
وتبذل رئاسة الجمهورية والقيادات السياسية عامة جهوداً حثيثة من اجل معالجة كل هذه الظواهر وإزالة كل ما يعيق تحرك بلادنا نحو الاستقرار والرفعة. ونحن على ثقة من أن المسيرة التي بدأت قبل خمس سنوات لن تكتمل إلا بقيام حكومة وحدة وطنية حقيقية تمثل جميع مكونات المجتمع العراقي وبانجاز مقومات السيادة الوطنية وتحقيق المصالحة الفعلية بين أبناء شعبنا، وطيّ الصفحات البغيضة من الماضي والمضي قدماً في بناء العراق المتآخي الموحد، العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي، الذي تظل شمس الحرية مشرقة في ربوعه."
https://telegram.me/buratha