✍✍ محمد شرف الدين ||
قال تعالى
"وَ مٰا لَكُمْ لٰا تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظّٰالِمِ أَهْلُهٰا وَ اجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ".
والبحث فيها يكون في :
أولا: مفاهيم الاية .
1- المُقاتَلَةُ: المحاربة و تحرّي القتل .
2- الضَّعْفُ: خلافُ القوّة، و قد ضَعُفَ فهو ضَعِيفٌ. قال عزّ و جلّ: ضَعُفَ الطّٰالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ [الحج/ 73]، و الضَّعْفُ قد يكون في النّفس، و في البدن، و في الحال، و قيل:
الضَّعْفُ و الضُّعْفُ لغتان «1». قال تعالى: وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً [الأنفال/ 66]، قال: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص/ 5]، قال الخليل رحمه اللّه: الضُّعْفُ بالضم في البدن، و الضَّعْفُ في العقل و الرّأي «2»، و منه قوله تعالى: فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً [البقرة/ 282]، و جمع الضَّعِيفِ:
ضِعَافٌ، و ضُعَفَاءُ. قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ [التوبة/ 91]، و اسْتَضْعَفْتُهُ: وجدتُهُ ضَعِيفاً، قال وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ [النساء/ 75]،
وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ: و هم الذين استضعفهم الحاكم المستكبر لأنهم لا يملكون مقومات القوة الذاتية، فيعيشون معذبين مقهورين، مما يفرض على الذين يملكون القوة و الفرصة لإنقاذهم أن يتحركوا في هذا الاتجاه ليخلصوهم من ضغط المستكبرين.
3- الْقَرْيَةُ: اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، و للناس جميعا، و يستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف/ 82] قال كثير من المفسّرين معناه: أهل القرية.
و قال بعضهم بل الْقَرْيَةُ هاهنا: القوم أنفسهم، و على هذا قوله: وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [النحل/ 112]، و قال: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ [محمد/ 13] و قوله: وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى [هود/ 117] فإنّها اسم للمدينة، و كذا قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يوسف/ 109]، رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها [النساء/ 75]،
و قوله: «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها» قال ابن عباس و الحسن و ابن أبي نجيح، و السدي و مجاهد و ابن زيد: إنها مكة، لأن أهل مكة كانوا قد اجتهدوا أن يفتنوا قوماً من المؤمنين عن دينهم، و الأذى لهم و كانوا مستضعفين في أيديهم
4- الولدان جمع ولد على مثال خرب و خربان، و برق و برقان، و ورل و ورلان، مثل ولد و ولدان، و هو من ابنية الكثير، و الأغلب على بابه فعال نحو جبال و جمال.
ثانياً: مخاطبوا الاية
ذهب صاحب التفسير الموضوعي الى ان " «وَ ما لَكُمْ» استنهاض للمثبطين عن القتال- لا المقاتلين- تنديداً بتثبيطهم عن القتال قضيةَ نفاق أم ضعف إيمان أم إسلام قبل إيمان، ف «ما لَكُمْ» تستنهض هؤلاء الثلاث ليلحقوا بصفوف المؤمنين المقاتلين"
وذهب صاحب تفسير الأمثل الى " فالقرآن يطلب من المسلمين الجهاد في سبيل اللّه و كذلك في سبيل المستضعفين المظلومين"
وذهب صاحب تفسير الميزان الى ان " في الآية استنهاض و تهييج لكافة المؤمنين و إغراء لهم"
ثالثاً: الاطلاق والعموم .
العموم والشمول ورد في هذه الاية في لفظين :
1- المستضعفين :
قال الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره
" مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم وجود قيد أو شرط في الآية أعلاه نفهم من ذلك وجوب الدفاع عن جميع المظلومين و المستضعفين في كلّ نقطة من العالم القريبة منها أو البعيدة، و في الداخل أو الخارج "
ويمكن معرفة سر التعميم من خلال كلام العلامة الطباطبائي قده في تفسيره
" و الإسلام و إن أبطل كل نسب و سبب دون الإيمان إلا أنه أمضى بعد التلبس بالإيمان الأنساب و الأسباب القومية فعلى المسلم أن يفدي عن أخيه المسلم المتصل به بالسبب الذي هو الإيمان، و عن أقربائه من رجاله و نسائه و ذراريه إذا كانوا على الإسلام فإن ذلك يعود بالآخرة إلى سبيل الله دون غيره.
و هؤلاء المستضعفون الذين هم أبعاضهم و أفلاذهم مؤمنون بالله سبحانه بدليل قوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا «إلخ»، و هم مع ذلك مذللون معذبون يستصرخون و يستغيثون بقولهم: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، و قد أطلق الظلم، و لم يقل: الظالم أهلها على أنفسهم، و فيه إشعار بأنهم كانوا يظلمونهم بأنواع التعذيب و الإيذاء و كذلك كان الأمر.
و قد عبر عن استغاثتهم و استنصارهم بأجمل لفظ و أحسن عبارة فلم يحك عنهم أنهم يقولون: يا للرجال، يا للسراة، يا قوماه، يا عشيرتاه بل حكى أنهم يدعون ربهم
و يستغيثون بمولاهم الحق فيقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها ثم يشيرون إلى النبي ص و إلى من معه من المؤمنين المجاهدين بقولهم: وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً، فهم يتمنون وليا، و يتمنون نصيرا لكن لا يرضون دون أن يسألوا ربهم الولي و النصير. "
2- القرية الظالم أهلها.
حيث يقول الشيخ الشيرازي في كتابه الأمثل .
"أنّ حماية المظلومين في مقابل عدوان الظّالمين هو أصل في الإسلام يجب مراعاته، حتّى لو أدّى الأمر إلى الجهاد و استخدام القوّة، فالإسلام لا يرضى للمسلمين الوقوف متفرّجين على ما يرد على المظلومين في العالم، و هذا الأمر من الأوامر المهمّة في الشريعة الإسلاميّة المقدّسة الّتي تحكي عن حقانيّة هذا الدّين."
وكذلك ذهب صاحب التفسير الموضوعي الدكتور الطهراني الى " كل قرية فيها مؤمنون مستضعفون تحت وطأة الظلم الفاتك الحالك، هي مشمولة ل «هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها» دون اختصاص بمكة المكرمة، وعلى سائر المؤمنين قتال أهلها ما أستطاعوا تخليصاً للمستضعفين، حكماً صارماً لا حِوَل عنه على مدار الزمن الرسالي حتى يأتي دور صاحب الأمر الذي به تملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعد ما ملئت ظلماً وجوراً."
وفي الختام :
اتضح لنا وجوب نصرة ومساعدة المستضعفين ودعمهم، ومواجهة بل مجابهة الظالمين لهم ،وليس التطبيع معهم على حساب اؤلئك المستضعفين.
https://telegram.me/buratha