الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب مسلم بن عقيل للشيخ البغدادي (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب مسلم بن عقيل عليه السلام للشيخ محمد البغدادي: ملاحظة ما ورد في حقّ النبيّ وآله في القرآن العزيز من مدح، وعظيم جزاء، على أعمالٍ قاموا بها، وقد تكون بالنظر القاصر لدى البعض أعمالاً بسيطة إذ أنزل الله تعالى في جهنّم آياتٍ تُتلى ما تعاقب ليل ونهار إلى يوم يرث الله الأرض وما عليها، وانظر إلى الصفات التي أسبغها المولى عليهم والمناصب التي رفعهم الله إليها بسبب أعمالهم تلك. تأمل فيما ورد في حقّ عليّ أمير المؤمنين لأنّه تصدّق بخاتم في صلاته إذ أنزل المولى: "إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ * وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُون‌" (المائدة 55-56). وذلك عند امتناع جميع المسلمين عن التصدّق على فقير بائس، وهم بمحضر النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، مع ما يملكه بعض المسلمين من ثروات طائلة، ومع أنّ الكتاب والنبيّ قد حثّا على التصدّق ولو باليسير، ومع كلّ هذا شحّت النفوس عن التصدّق بدرهم أو تميرات، بينما أعطى الإمام عليه السلام خاتمه وله قيمة عالية مع أنّ الإمام في منتهى الفقر والعوز حتّى عيّرت نساء قريش الصدّيقة الزهراء أنّ أباها زوّجها من فقير، إذ هذا هو المقياس عندهنّ وعند أزواجهنّ ومع أنّ الإمام كان في الصلاة، ومع ذلك لم يمنعه كلّ هذا عن أن يشير للمسكين بإصبعه فيحضر المسلكين ويسحب الخاتم. فاجعل السورة المباركة الإنسان، أو الدهر نصب عينيك وأحسن التأمّل في آياتها بل في كلّ كلماتها لترى ما يبهرك. يخاطبهم المولى سبحانه بجانب من تكريمه فيقول: "وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعيماً وَ مُلْكاً كَبيراً" (الانسان 20). فما هو الملك الكبير الذي فرضه الله سبحانه لهم. هل هو التنعّم بأنواع نِعم الجنّة، وخدمة الولدان لهم، ونحو هذه. هذا نعيم يناله كلّ أهل الجنّة. القرآن يصِف هذا الجزاء بالمُلك وإنّه كبير. ثمّ يعقّب المولى سبحانه بقوله: "إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً" (الانسان 22).

 

يقول الشيخ البغدادي في كتابه عن آل البيت وأعدائهم: أقول: إنّه بملاحظة ما ورد في حقّ محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من نصوص وما صدر عنهم من كرائم الأعمال وجلائلها، وبلحاظ ما انطوت عليه نفوسهم وكشفت عنهم أعمالهم من تصميمهم على إنجاء الناس كلّهم من شرور الدنيا وآفاتها وأخطار الآخرة ومهالكها حتّى أنزل الله سبحانه آيات في تسلية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعدم إيمان المشركين به واتّباعهم لدعوته، التي بها إحراز رضا الله سبحانه والنجاة من غضبه وعظيم عقابه، وحتّى وصف الله سبحانه حاله: "لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنين‌" (الشعراء 3). فالآية تبيّن أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سيهلك نفسه من الغمّ والتألّم على قومه لعدم إيمانهم وذلك لأنّه يعلم إلى أيّة نتيجة سيصلون والنار الأبدية التي ستبتلعهم. وهذا ولده الحسين، وسبطه، تستصرخه الأمّة وتستغيث به من مظالم بني أميّة وعظيم جورهم، هذا الإمام العظيم الذي وصفته شقيقته زينب عليها السلام لأهل الكوفة بعد الفاجعة (ملاذ خيرتكم ومَفْزع نازِلتكم) عزم على إنقاذ الأمّة من الاستضعاف العظيم الذي وقعت فيه بسوء أفعالها وكبير إهمالها وتقاعسها بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق وجاءهم بحرمه وأطفاله وخُلّص أهل بيته وصحبه فانقلبوا عليه ونصروا عدوّ الله وعدوّه وعدوّهم وذبحوه وما يزال به رمق من الحياة كما ذبحوا رضيعه بين يديه.

 

 

ويستطرد الشيخ محمد البغدادي عن أعداء آل البيت في الكوفة قائلا: ومن أوضح سمات معاوية غدره بالعهود والمواثيق التي يعطيها، ومن أعظم المواثيق التي أعطاها ميثاق الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام لكنّه ما إن دخل بجيوشه الكوفة حتّى ارتقى منبر مسجد الكوفة وأعلن بحضور الإمامين الحسن والحسين وبحضور الجيشين جيش الكوفة وجيش الشام إنّ كلّ شرط قطعه للإمام الحسن فهو تحت قدميه لا يفي بشيء منها للإمام عليه السلام وختم كلامه بسبّ من سبّه سبّ لله ورسوله، وقد سبّه في بيت الله مسجد الكوفة وبحضور أئمّة الأمّة وخلفائها الحقّ، وبحضور عشرات الآلاف من المسلمين والمؤمنين. سبّه في البيت الذي طالما سجد الإمام فيه لربّه وقضى فيه ليله عبادةً وتهجّداً وقضى فيه بين الخصومات وجيّش منه الجيوش وعلّم الأمة فيه، وأحيا من خلاله شرع الإسلام وأقام قواعد الإيمان. سبّه في بيت الله، الذي ضُرب فيه على ناصيته بسيفٍ مسموم، وهو في حال الصلاة، متوجّةٌ فيه بكلّ وجوده لربّه المتعال. "وسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون‌" (الشعراء 227). والعجب من أمّةٍ توالي هذا الطاغوت، الذي عجنت الجاهلية بكلّ وجوده، وخامرت لحمه ودمه وعظمه وجلده، واستولت على عقله وروحه وفكره فلم يبقَ لغيرها فيه حصّةٌ أبداً، وكلّ سلوكياته تُنبئ عن انتمائه هذا، والإسلام بريء من معاوية وسلوكه، ومن يعتنق نهجه في الحياة. من المعلوم أنّ هذه الخصلة كانت فيهم قبل احتلال معاوية للكوفة بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام وكانت مصاديقها بارزة للعيان أيّام تواجد الإمام الوصيّ بينهم، إلاّ أنّ هذه الخصلة قويت فيهم وبلغت أوج تجذّرها في نفوسهم، وظهورها عنهم بعد حكم معاوية لهم: 1 ــ إنّ الكوفة مدينة أسّست لتجمّع المقاتلين ولرفد جبهات القتال الشرقية بهم. 2 ــ إنّ أغلب من حكم الكوفة وأخذ بزمامها باستثناء علي عليه السلام أمير المؤمنين وولده الإمام الحسن عليه السلام هم أسوأ من عرفتهم الأمّة من الولاة، فمنهم الوليد بن عقبة السكّير. 3 ــ إنّ أمير المؤمنين علياً عليه السلام ابتدأ حكمه يوم كان أبو موسى الأشعري والياً عليها فأمره الإمام بإرسال عدّة من جند الكوفة إليه في البصرة ليقاتل بهم الناكثين الخارجين على إمام زمانهم فكان أبو موسى هذا يخذّل الناس عن نُصرة الإمام ويُغذّي فكرهم بأنّ هذه فتنة. فبدأ الإمام عليه السلام عهده مع الكوفة، وهذا الخائن يزهّدهم في نصرة الإمام العظيم صاحب بيعة الغدير والذي نزل بحقّ ولايته: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه" (المائدة 67). فجعل المولى سبحانه عدم تبليغ ولاية علي بن أبي طالب معادلاً لعدم تبليغ نبيّه من دينه شيئاً. بعدها نزلت آية "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي‌ وَ رَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دينا" (المائدة 3).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك